المقدمة
من وظائف الإمامة في الفكر الشيعي أن تكون واسطة الفيض الإلهي والهداية الربانية للبشرية، إذ لا يمكن أن تخلو الأرض من حجةٍ لله، كما ورد في الحديث الشريف:
«لو خلت الأرض من الحجة لساخت بأهلها».
وهذا المعنى لا يقتصر على الحضور الظاهري للإمام، بل يشمل أيضًا دوره الغيبي في توجيه القلوب والعقول نحو الحق.
فالإمام المهدي (عجّل الله فرجه) يمارس وظيفته الهداية الإلهية في مرحلتين:
مرحلة الغيبة، حيث تكون الهداية خفية وباطنية.
ومرحلة الظهور، حيث تكون الهداية شاملة وظاهرة تعمّ العالم كلّه.
أولًا: الهداية قبل الظهور – الحضور الغيبي في حياة الأمة
إنّ غيبة الإمام لا تعني انقطاعه عن العالم، بل تحوّل دوره من الهداية المباشرة إلى الهداية الغيبية التي تلامس القلوب والأفكار.
فهو يوجّه المؤمنين إلى الصراط المستقيم بطرق خفيّة، ويُلهم القادة الربانيين والعلماء الصادقين السداد في مواقفهم.
وقد ورد في توقيعه الشريف إلى الشيخ المفيد:
« إنا غير مهملين لمراعاتكم، ولا ناسين لذكركم، ولولا ذلك لنزل بكم اللأواء واصطلمكم الأعداء، فاتقوا الله جل جلاله، وظاهرونا على انتياشكم من فتنة قد أنافت عليكم، يهلك فيها من حم أجله، ويحمى عليه من أدرك أمله، وهي أمارة لأزوف حركتنا ومباثتكم بأمرنا ونهينا، والله متم نوره ولو كره المشركون».
وهذه الكلمات تكشف عن استمرارية إشراف الإمام على الأمة، فهو يرعى مسيرتها، ويهيئها تدريجيًا لاستقبال الظهور.
الهداية هنا ليست من نوعٍ حسي، بل من نوعٍ روحي وعقلي، تُبقي جذوة الإيمان مشتعلة في القلوب رغم الظلم والتيه.
ثانيًا: وسائل الهداية في زمن الغيبة
يمارس الإمام دوره في الهداية عبر وسائل متعدّدة، منها:
العلماء الربانيون:
الذين يمثلون النيابة العامة عن الإمام في تبليغ الأحكام، ونشر الوعي، وحماية العقيدة.
فقد جاء في التوقيع الشريف :
«وأمّا الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا، فإنهم حجّتي عليكم، وأنا حجّة الله عليهم».
الإلهام والتسديد الغيبي:
حيث يُلهم الله تعالى ببركة الإمام المؤمنين إلى المواقف الصائبة، ويهدي القلوب النقية إلى الحق.
الابتلاء والتمحيص:
من خلال الامتحانات الإلهية التي تصقل إيمان الأمة وتطهّرها من الشوائب، حتى تكون مستعدة لنصرة القائم.
قال تعالى:
﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنكُمْ وَالصَّابِرِينَ﴾.
ثالثًا: دور الإمام في الهداية بعد الظهور
عند ظهوره المبارك، يتحوّل الإمام المهدي إلى مركز النور الإلهي في الأرض، فتنتشر الهداية في كل الأرجاء، وتخضع له العقول والقلوب طوعًا.
قال الإمام البا
قر (ع):
«إذا قام قائمنا وضع الله يده على رؤوس العباد فجمع بها عقولهم وأكمل بها أحلامهم».
أي أنّ الظهور لا يعني فقط إقامة العدالة السياسية، بل إصلاح الوعي الإنساني على نطاق عالمي.
فالهداية بعد الظهور تكون شاملة، تنقل البشرية من ظلمات الجهل والأنانية إلى نور المعرفة والوحدة والعبودية لله تعالى.
وسيكون منهجه كما جاء في الروايات:
يحكم بالحق والعدل لا بالظنّ ولا بالهوى.
يعيد للإسلام صفاءه الأول كما أنزله الله.
ينشر العلم حتى لا يبقى جاهل في الأرض.
يبسط الأمن حتى تسير المرأة من المشرق إلى المغرب لا تخاف إلا الله.
رابعًا: أثر الهداية المهدوية على العالم
عندما يظهر الإمام المهدي، تتجلّى الهداية الإلهية في أبهى صورها، فيحدث ما يلي:
انقلاب أخلاقي عالمي: تتحوّل النفوس من الأنانية إلى العدالة، ومن القسوة إلى الرحمة.
وحدة العقيدة: لا يبقى على وجه الأرض إلا من يوحد الله تعالى.
انتشار العلم والمعرفة: كما ورد في الروايات :
«أن الإمام يملأ الأرض عدلًا كما ملئت ظلمًا ».
فالارتباط المباشر بالله عبر إمامٍ معصوم يقود الأمة بالوحي والإلهام الإلهي.
إنها هداية شاملة تشمل الفكر والروح والمجتمع، وتعيد الإنسان إلى فطرته الأولى التي خُلق عليها.
الخاتمة
دور الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) في الهداية هو امتدادٌ لدور الأنبياء والأوصياء جميعًا، لكنه يتميّز بالشمول والاكتمال.
ففي غيبته، يهدي القلوب من وراء سترٍ خفيّ، يحفظ الدين، ويسدد أولياءه، ويزرع الأمل في نفوس المنتظرين.
وعند ظهوره، تتجسّد الهداية في أفقها الكامل، فتشرق الأرض بنور ربها، ويعيش الإنسان في ظل العدالة الإلهية التي طال انتظارها.
إنّ الإيمان بهداية الإمام في غيبته هو إيمان بالله وعدله ووعده الحقّ، وإنّ انتظار ظهوره هو انتظار للهداية الكبرى التي ستعمّ الأرض من مشرقها
إلى مغربها.
اللهم عرّفني نفسك، فإنك إن لم تعرّفني نفسك لم أعرف نبيك،
اللهم عرّفني نبيّك، فإنك إن لم تعرّفني نبيّك لم أعرف حجتك،
اللهم عرّفني حجتك، فإنك إن لم تعرّفني حجتك ضللت عن ديني.
موقع ديني مختص في مسائل الإمام المهدي (عج) تابع لشعبة البحوث والدراسات - ق. الشؤون الدينية - الأمانة العامة للعتبة الحسينية المقدسة