ما هي أسباب تأخر قيام دولة العدل الإلهي في الأرض ؟

, منذ 1 شهر 204 مشاهدة

أولاً: استيعاب النظرية الإلهية:

لأن البشرية في ذلك الوقت لم تستوعب بعد النظرية الإلهية المتكاملة للعدل، ولم تحدث فيها المفاسد وسفك الدماء وأشكال الظلم والمشاكل والفظائع التي حدثت في التاريخ فيما بعد على مر الدهور والأزمان، فكيف تُطالب البشرية بتطبيق العدل وهي لا تعرف له معنى، فهي لم تر الظلم لتعرف الأمر المعاكس له.

فلو قلنا لأحد ما مثلاً لا يجوز لك شرب الخمر وهو لم يرَ خمراً أبداً في حياته ولا يعرف له معنى لكان طلبنا هذا غير منطقي.

ولهذا السبب أيضاً تم إدخال آدم (عليه السلام) الجنة فترة من الزمن ثم أُخرج منها فكان إدخاله فقط ليتعلم طريقة إغواء الشيطان ويتعرف على تلبيس إبليس عليه اللعنة، إي فترة تعليمية قبل بدء مرحلة التكليف والمحاسبة على الأعمال.

و لذلك يعتقد الشيعة بعصمة آدم (عليه السلام) وأن مخالفته للأمر الإرشادي لم تكن معصية حيث لم يدخل بعد المرحلة العملية، وإنما قال الله له (فلا يخرجنكما من الجنة فتشقى)(1)، أي بالكد في الدنيا والتعب في العمل لتحصيل الرزق كما نصت على ذلك أكثر التفاسير بدليل قوله تعالى (فتشقى) ولم يقل سبحانه فتشقيا لأن الرجل هو الذي تجب عليه النفقة على زوجته وهو الذي يكد على عياله في العادة، ثم أنه من الواضح من الآيات السابقة في سورة البقرة التي تتحدث عن إخبار الله سبحانه وتعالى الملائكة (إني جاعل في الأرض خليفة) أن الله (عزَّ وجلَّ) خلق آدم من البداية ليعيش في الأرض لا في الجنة.

ثانياً: ابتلاء البشر واختبارهم:

لأن الله سبحانه وتعالى جعل الحياة الدنيا دار ابتلاء واختبار للإنسان وأعطاه حرية الاختيار للطريق الذي يريد أن يسلكه في الحياة وفي الآخرة يثاب المحسن ويعاقب المسيء، فلو أجبر سبحانه العباد منذ البداية على الطاعة والإيمان لانتفت الحكمة من هذا الاختبار، ففي دولة المهدي (عليه السلام) تقل فرصا لاختيار وتضيق الطرق على الملحدين والمنحرفين، فإما أن يهتدي الشخص بمحض إرادته - خصوصاً بعد أن يرى دلائل صدق الإمام وعدله - أو يُجبر على الإسلام والطاعة رغماً عن أنفه، أو عليه أن يختار الموت بسيف الإمام إذا ما أصر على عناده واستكباره، كما قال سبحانه وتعالى: (هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون)(2).

وقوله تعالى: (وله أسلم من في السماوات والأرض طوعاً وكرهاً وإليه يرجعون)(3).

فعن أبي عبد الله (عليه السلام) في تفسير الآية السابقة قال: (إذا قام القائم (عليه السلام) لا يبقى أرض إلا نودي فيها بشهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله)(4).

وعن حذيفة بن اليمان عن رسول الله قال: (لو لم يبقى من الدنيا إلا يوم واحد لبعث الله فيه رجلاً اسمه اسمي وخلقه خلقي يكنى أبا عبد الله، يبايع له الناس بين الركن والمقام، يرد الله به الدين ويفتح له فتوحاً، فلا يبقى على وجه الأرض إلا من يقول لا إله إلا الله)(5).

كما أن الله سبحانه جعل الحياة الدنيا مجال للصراع بين الخير والشر فكان لهذا جولة وللثاني جولة أخرى وهكذا، وحتى الفترات التي انتصر فيها الحق بقيادة بعض الأنبياء (عليهم السلام) لم تستمر طويلاً إذ أعقبها عصور من الظلم والإفساد، فكان لابد إذاً أن تكون الخاتمة للحق والعدل والانتصار للخير في نهاية الصراع فلا يقوم بعده للشر قائمه، فلو كانت دولة الحق في منتصف الطريق ثم انتهت وجاءت بعدها دول الظلم فلا معنى لدولة العدل هذه وحينئذٍ ستكون جولة فقط في هذا

الصراع الدائر بين الحق والباطل.

فلابد إذاً أن تكون دولة العدل الإلهي هذه في نهاية المطاف وخاتمة للصراع وقبل قيام الساعة كما قال تعالى: (ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين)(6).

وعن مقاتل بن سليمان في تفسير قوله تعالى (وإنه لعلمٌ للساعة)(7) قال: (هو المهدي يكون في آخر الزمان وبعد خروجه يكون إمارات ودلالات الساعة وقيامها)(8) وعن ابن عباس ومجاهد وقتادة قالوا: (هو عيسى بن مريم حينما ينزل من السماء في آخر الزمان ويصلي خلف المهدي، لأن ظهوره عجل الله فرجه الشريف يُعلم به مجيء الساعة لأنه من أشرا طها)(9).

ولقد حرصت أكثر الأحاديث التي تكلمت عن الإمام المهدي عجل الله فرجه الشريف على التأكيد بأنه لا يكون إلا في آخر الزمان وبعضها بالقول لو لم يبقى إلا آخر يوم من الدنيا وبعضها بالقول قبل قيام الساعة.

فعن أبي سعيد ألخدري عن رسول الله قال: (ابشروا بالمهدي فإنه يأتي في آخر الزمان على شدة وزلازل يسع الله له الأرض عدلاً وقسطاً)(10).

وعن جابر بن عبد الله الأنصاري عن الرسول الأكرم قال: (المهدي يخرج في آخر الزمان)(11).

وعنه أيضاً قال: (يخرج في آخر الزمان رجل من ولدي اسمه).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 (1) سورة طه (١١٧).

(2) سورة التوبة (٣٣).

(3) سورة آل عمران (٨٣).

(4) تفسير العياشي مجلد ١ ص ١٨٢، المهدي في القرآن ص ١٥.

(5) المنار المنيف ص ١٤٨، الحاوي للسيوطي ج ٢ص ٦٣.

(6) سورة القصص (٥).

(7) سورة الزخرف (٦١).

(8) البيان في أخبار صاحب الزمان ص ٥٢٨، كشف الغمة ج ٣ ص ٢٨٠، ينابيع المودة ص ٣٠١.

(9) تفسير التبيان مجلد ٩ ص ٢١١، مسند أحمد ج ١ ص ٣١٧، الدر المنثور ج ٦ ص ٢٠.

(10) دلائل الإمامة ص ٤٦٧، إثبات الهداة ج ٧ ص ١٤٧.

(11) غيبة الطوسي ص ١٧٨، منتخب الأثر ص ١٦٨، إثبات الهداة ج ٣ ص ٥٠٢.

المصدر : شمس خلف السحاب ـ بحث في غيبة الإمام المهدي (عليه السلام) ـ تأليف: ماهر آل شبر.

مواضيع قد تعجبك

Execution Time: 0.0932 Seconds