دعوى المهدوية في المجتمع السوداني

, منذ 2 سنة 327 مشاهدة

السيد محمد علي الحلو 
لم تقتصر دعوى المهدوية في الأوساط الشيعية واتهامها وحدها بنشوء مثل هذه الحركات، بل أن الذهنية السنية كذلك كانت على استعداد لنفوذ مثل هذه الدعوى، مما يدلل على ارتكاز الفكرة المهدوية في نفوس المسلمين جميعاً دون تمييز بين شيعةٍ وسُنة، وهذا ما دعا بعض أهل السنة من ذوي الحركات الفكرية المشوبة بالسياسة والتنظيم أن يدّعي المهدوية لنفسه ليحصل على أتباعٍ ومريدين يتمكن من خلال دعوته هذه إلى جلب قلوب هؤلاء المتطلعين للانقاذ واستغلال عواطفهم الجياشة بالإصلاح، لذا فلم يتوانَ محمد أحمد المولود سنة 1844 في جزيرة لبب السودانية أن يعلن دعوته المهدوية، ولعل المحاولات السياسية التي قام بها محمد علي باشا بإلحاق السودان بمصر أججت روح السيادة والتحرر لدى السودانيين، وهو ما يفسر قبول السودانيين لدعوى مهدوية محمد أحمد الذي انخرط إلى الطريقة (السمانية) وهي طريقة صوفية، حتى أصبح رئيس هذه الطريقة بعد وفاة رئيسها القرشي ود الزين، وقد نجح في استمالة الكثير من السودانيين ولاقت دعوته قبولاً كبيراً وانتشاراً واسعاً.
ولم يخلُ تاريخنا المعاصر من دعاوى مهدوية أخرى كالتي قام بها رجلٌ سعودي يدعا (جهيمان) وقد اعتصم بالحرم المكي وذلك عام 1979م مما دعا العلماء في السعودية إلى إصدار فتوى بهدر دمه كون أوصافه لم تكن هي أوصاف المهدي الموعود، فضلاً عن دوافعها السياسية وقتذاك.
والذي نريد قوله أن انتشار دعاوى المهدوية طوال التاريخ الإسلامي ناشئٌ من عاملين:
الأول: محاولة بعض الحركات السياسية للنفوذ إلى الأوساط العامة واستغلال العاطفة والوجدان المهدوي الذي يحمله الفرد داخل المجتمع الإسلامي، وما لهذه الدعوة من قداسةٍ لدى الذهنية العامة، حتى أنك لا تخال دعوةً بهذا العنوان ولم تجد أتباعاً ومؤيدين، وذلك لما يحمله المسلمون من تقديس هذه الفكرة، بل ومصداقية الأخبار الواردة للبشارة بها، وكون هذه الفكرة باتت من المسلّمات الإسلامية وضرورات الدين بغض النظر عن الشيعة وأهل السنة والطوائف الأخرى.
الثاني: الاحتقان الذي يعاني منه الكثير من المستضعفين الذين يستقبلون هذه الدعوة بكل شوقٍ ولهفة على أنها البديل للمعاناة التي يتحملها هؤلاء، وكون هذه البيئات المظلومة أكثر تقبلاً لأية دعوة من شأنها إنقاذها من ظلاماتها التي تعاني منها دائماً، لذا فأي دعوى مهدوية سيتقبلها الكثير من أولئك المحرومين، ومن المؤكد أن هذه الدعاوى ستكون أرضها الخصبة في ترعرعها ونشوءها أرض المستضعفين ومواطنهم المحرومة.
وبالرغم من تلقي هذه الدعاوى القبول في أول الأمر إلا أنها سرعان ما يفتضح أمرها وتُمنى بهزيمةٍ منكرة وخسارةٍ فادحة وذلك لأن آلية الكشف عن كذب هذه الدعاوى وتجنيها على الواقع تتوفر لدى المسلمين وذلك عن طريق علامات الظهور الواردة في كتب الملاحم والفتن والتي تحول دون تفشي ظاهرة المهدوية الكاذبة وإيقافها من الامتداد والتوسع، بل فضْحها كأسرع ما يكون.
من هنا نلمس ضرورة معرفة علامات الظهور والتفقه بها، وهي إحدى الأسباب التي دعت أئمة أهل البيت عليهم السلام لبث مثل هذه العلامات لتكون علامات الظهور صمام أمان لآية محاولة عابثة تجعل المهدوية أداةً للوصول إلى مآربها وغاياتها الدنيوية.

 

مواضيع قد تعجبك

Execution Time: 0.1220 Seconds