هل الإعتقاد بالمهدي سببه الظلم الذي تعرض له الشيعة ؟

, منذ 1 سنة 286 مشاهدة

ظاهرة التشكيك في إيجابية فكرة الإمام المهدي (عليه السلام) لسببين:

الأول: تكريس اليأس عن جـدوى أي عمل ايجابي قبل ظهره، مادام الله سبحانه وتعالى قدر أن تملأ الأرض ظلما وجوراً قبل ظهوره.

الثاني تكريس اليأس عن جدوى عمل إيجابي قبل ظهوره، مادام الله عز وجل قدر أن تملأ به الأرض عدلاً وقسطاً بغض النظر عن قلة أنصـاره وكثرة أعدائه.

وهذان القدران يعلنا تعطيل أدوار الآخرين، وبالتالي يوحيان بتجميد كل الطاقات المؤمنة به، لأن أي عمل إيجابي - قبل ظهوره - لا يعني غير تحـدي القدر الذي يضحك من جميع المتحدين، وأي عمل بعد ظهوره لا يعني سوى مجاراة القدر الذي لا تنشطه المجاراة. والجواب:

- أولاً: إن الاطلاع على أن الأرض ستملأ ظلمـا وجـوراً قبل ظهور الإمام المنتظر، لا يوحي بالبأس عن جدوى أي عمل إيجابي بما يلي:

1- إننا لا نعلم – بالضبط - متى يظهر الإمام المنتظر، فربما يكون ظهوره بعد هذا التاريخ بعشرات أو مئات السنين = لا سمح الله-.

ب- أقصى ما يمكن أن يقال: أن معرفتنا بأن الأرض ستملأ قبل ظهور الإمام ظلما وجوراً توحي بأن الأعمال الإصلاحية لا تنتج على المستوى العالمي، بل يبقى الظلم والجور طاغيين على الوضع العام، وهذا لا ينافي في نجاح المحاولات الإصلاحية على المستويات المحلية.

ج - حتى مع لو علمنا – وبكل تأكيد – أن المحاولات الإصلاحية لا تثمر على الإطلاق، فهذا العلم لا يلغي التكليف، لأن الأعمال الإصلاحية تنعكس على القيمين عليها قبل أن تنعكس أو لا تنعكس على سـواهـم، فالمفروض عليهـم أن يقـومـوا بـهـا تصعيداً لمستواهم، بالإضـافـة إلى أن الأعمال الإصلاحية لو لم تنعكس إيجابياً على الناس فإنها تنعكس عليهم سلبياً، فتكون من باب إتمام الحجة الذي لابد منه لتثبيت المفاهيم، وإفراز العناصر المموهة عن بعضها وإعادة كل إلى واقعه، ليحق الحق و (ليهلك من هلك عن بينة ويحيا من حي عن بينة) (۱).

ثانياً: إن الاطلاع على أن اللـه قـدر أن تملا - بـه - الأرض عدلاً وقسطاً، لا يعني أنه وحده – وبطريقة معجزة - يملأ الأرض قسطا وعدلاً، وإنما يعمل ذلك بأنصاره، وإلا لماذا ينتظر أن يتكاملوا (۳۱۳) رجلاً.

ثالثاً: إن الإعلان المسبق عن نجاح أي قائد على المستوى العالمي وانتصاره الساحق في معركة التغيير، أقوى ما يرفع معنويات أنصاره فوق المستحيل، ويكرس في نفوسهم أملاً لا يتزعزع، ويسهل عليهم التضحية، لأن انتصاره خير ضمان لخلودهم حتى ولو سقطوا في الدرب قبل انتهاء المسيرة، فلذلـك نـجـد أي قائـد ينتفض من تحت الأرض يحاول تسكع البراهين المسبقة لنجاحه وانتصاره حتى يضمن التفاف أنصاره حوله في الأزمات، فكيف يمكن أن يكون الإعلان المسبق عن الانتصار العالمي والنجـاح المخيف - بالنسبة إلى الإمـام المنتظـر - ظاهرة سلبية تكرس اليأس في نفوس أنصاره والمؤمنين بإمامته؟

رابعاً: إن تجربـة التاريخ تؤكد إيجابية فكرة الإمام المهدي (عليه السلام) بشكل مخيف:

ففي الجانب السلبي نجد السلطات المعاصرة لميلاده، والسلطات التي تلت ميلاده حتى اليوم تعمل بأقصى طاقاتها للقضاء على هذه الفكرة، فقديماً لم تكن التدابير العسكرية التي اتخذتها السلطات قبل ميلاده، وعنده ميلاده وبعد ميلاده للقضاء على شخصه إلا أدلة قاطعة على مدى صدمتهم بهذه الفكرة، وحديثاً ليس الإرهاب الفكري الذي يحاول تطويق هذه الفكرة إلا شاهداً على مدى ما يعانيه أعداء التشيع من أصـل فكرة الإمام المهدي ك بعد أن ينسوا من إمكانية القضاء على شخصه.

وفي الجانب الإيجابي نجـد أن جميع أجيال الشيعة كانوا ولا زالوا يشجعون آمالهم ويهدهدون أحلامهـم بفكرة الإمام المهدي (عليه السلام)، وأظن أنه لولا فكرة الإمام المهدي (عليه السلام): لما استطاع التشيع أن يخترق ظلمات التاريخ، وإنما كان يختنق بروائح المجازر وغياهب السجون، فليس الزخم الذي يخرج أنقاض التشيع من تحت الكوابيس والمآسي والويلات بقوة وعنفوان أكثر من ذي قبل إلا زخم فكرة الإمام المهدي .

ولا أدل علـى مـدى حـيـويـة هـذه الفكـرة مـن أن جميع الـحـروب والتهريجات التي شنت وتشن عليها ما زادتها إلا نشاطاً وصفاءً في أذهان مئات الملايين.

ولا أدل على مدى محبوبية هذه الفكرة من الكثيرين في كل الأجيال الإسلامية وفي أكثر البلاد الإسلامية انتحلوا هذه الفكرة ليحرقوا بها المراحـل إلـى القمـة، وما خاب ظن أحد منهـم فـلـم ينتحلها أحـد إلا ونال أكثر مما كان يطمح إليه رغم توفر الأدلة على زيف كل مـن انتحلها حتى اليـوم، وهل توجد أكثر إيجابية من فكرة ينجح بها كل من يدعيها ولو كذباً وزوراً؟

وإذا فحصنا التاريخ وجدنا فكرة النبوة أقوى الأفكار قبل النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) الـذي ختم النبوة، فقبله كان الكثيرون من طلاب السلطة والشهرة يحاولون الانتماء إلى النبوة بسبب أو نسب، وعن طريق الإدعاء - مجرد الإدعاء - كانوا ينالون الذي يريدون، وبعـد النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) حيث ختم النبوة أصبح المتمهديون يقومون بدور المتنبين، وهذا يكشف أن المهدوية ورثت قوة النبوة.

إن فكرة لم ينتمِ إليها أحد بأي سبب أو نسب إلا وحلق فوق الرؤوس لا تكون فكرة سلبية، ولكن المهرجين ضدها في ضلال مبين.

ــــــــــــــــــــــــــــــــ

(۱) سورة الأنفال: ٤٢.

المصدر: الإمام المهدي (عليه السلام) وظواهر التشكيك، السيد حسن الشيرازي، ص49-52.

مواضيع قد تعجبك

Execution Time: 0.0794 Seconds