نقاش موضوعي في أحاديث المهدي

, منذ 2 سنة 287 مشاهدة

لقد حاول البعض الإيحاء ببطلان أحاديث المهديّ المنتظر بطرق شتّى:

فمن ناحية تضعيف أسانيدها، تارة.

وهذا ما لم يفلح فيه، لما عرفت من اتّفاق أهل الحديث من العلماء كافّةً على صحّة قسم منها، بحيث لا يقبل الإنكار.

فلجأ إلى النغمة القديمة التي ضرب على وترها المستشرقون الحاقدون على الإسلام المحمّدي، وتبعهم أذنابهم المستغربون من أمثال أحمد أمين المصري، وهي: (اتّهام الشيعة بوضع أحاديث المهديّ المنتظر) وسيأتي منّا كلام حول تفنيد هذه المزعومة الباطلة.

فاعتمد على عنصرين هما بيت القصيد في بحثه:

الأوّل: عدم معقولية مجموعة من الأحاديث المنقولة في شأن المهديّ، وهو ما يسمّيه بالنقد العقلي للحديث.

الثاني: استغلال مجموعة من أهل الدنيا والمشعوذين والخلفاء، لفكرة المهديّ المنتظر، لادّعائهم المهدوية، والتحايل على الناس بذلك، ممّا لا تخفى أضراره وأخطاره على الدين والأُمّة، ماضيا، ومستقبلا. وقد ركّز في خلال ذلك على سلبيّات للقضيّة.

فنقول:

أمّا الأمر الثاني: فممّا لا ريب فيه أنّ مسألة المهديّ قد استغلّت من قبل الكثيرين في طول تاريخنا المديد، وحتى هذه الأيّام.

فادّعاها بعض المشعوذين ممّن يحاول السيطرة على عقول الناس وأفكارهم باستخدام هذا الاسم المقدّس الذي يأمل الناس في صاحبه: الهدى والخير والعدل. كما قد أُلصقتْ صفة <المهديّ> ببعض الثوّار المصلحين، من قبل أنصارهم تفاؤلا بأن يكون هو الموعود به على لسان الرسول صلى الله عليه وآله وسلم .

إلاّ أنّ هذا الاستغلال، ليس مَدعاةً لإنكار أصل حقيقة المهديّ الذي هو من الثوابت عند المسلمين على طول التاريخ.

ووجود الخطأ في التطبيق، أو سو النوايا في بعض الأحيان، وتعمّد البعض للدجل، لا تؤدّي إلى إنكار الحقيقة الثابتة.

وبهذا الصدد أجاب الشيخ محمّد الخضر حسين، فقال: وإذا أساء الناس فهم حديث نبويّ، أو لم يُحسنوا تطبيقه على وجهه الصحيح، حتى وقعت وراء ذلك مفاسد، فلا ينبغي أن يكون داعيا إلى الشكّ في صحّة الحديث، والمبادرة إلى إنكاره.

فإنّ النبوّة حقيقة واقعة بلا شبهة، وقد ادّعاها أُناس كِذبا وافتراءا، وأضلّوا بدعواهم كثيرا من الناس، مثل ما تفعله طائفة القاديانية المشقة من اهل السنة، اليوم.

فليس من الصواب إنكار الحقّ من أجل ما لصق به من باطل[ نظرة في أحاديث المهديّ المنشور في مجلّة <التمدّن الإسلامي> الدمشقيّة ].

وكذلك الخلافة عن الرسول، منصب حقّ، لكن لا يمكن إنكارها باعتبار استيلاء مجموعة من الجهلة والقتلة والظلمة والفسقة، على أريكتها، وتسمية الواحد منهم نفسه <أمير المؤمنين>.

وقال السلفي ناصر الدين الألباني: إنّ كثيرا من الأُمور الحقّة يستغلّها مَنْ ليس أهلا لها. فالعلم - مثلا - يدّعيه بعض الأدعياء، وهو في الواقع من الجهلاء.

فهل يليق بعاقلٍ أن ينكر العلم بسبب هذا الاستغلال?

فكذلك فلنعالج عقيدة المهديّ، فنؤمن بها كما جاءت في الأحاديث الصحيحة، ونُبعد عنها ما أُلصق بها بسبب أحاديث ضعيفة [أو أعمال أُناس جاهلين أو مغرضين].

وبذلك نكون قد جمعنا بين إثبات ما ورد به الشرع وبين الإذعان لما يعترف به العقل السليم [ مقال حول المهديّ، في مجلّة التمدّن الإسلامي - الدمشقيّة] .

وقال العبّاد: إنّ وجود مُتَمَهْدِين من المجانين وأشباه المجانين، يخرجون في بعض الأزمان، ويحصل بسببهم على المسلمين أضرار كثيرة، لا يؤثّر في التصديق بمَنْ عناه الرسول صلى الله عليه وآله وسلم في الأحاديث الصحيحة، وهو <المهديّ الذي يصلّي عيسى بن مريم عليه السلام خلفه>.

وما ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يجب التصديق به، ويجب القضاء على كلّ مُتَمَهْدٍ، أو غير مُتَمَهْدٍ يُريد أن يشقّ عصا المسلمين ويفرّق جماعتهم.

والواجب قبول الحقّ وردّ الباطل، لا أن يُردَ الحقّ ويُكذَبَ بالنصوص، من أجل أنّه ادّعى مقتضاها مدّعون مُبطلون دجّالون[ الردّ على من أنكر المهديّ، المنشور في مجلّة الجامعة الإسلاميّة - المدينة المنوّرة، العدد 45].

وها هم المسلمون - كافّة - يتصدّون لكلّ ادعاء مزيّف بالمهدويّة من قبل الدجّالين. وها هم الشيعة الإماميّة، وهم أكثر الطوائف دعوةً ودعاءاً للمهديّ المنتظر باعتباره إماما لهم، وينادون باسمه علنا، يقفون ضدّ كلّ دعاوي المهدوية بالباطل، مثل موقفهم المشرّف ضدّ البابية التي تزعّمها <علي محمّد الشيرازي> في القرن الماضي.

وقد أفتى علماؤهم بوجوب قتله، فأُعدم.

وكذلك هم بالمرصاد لكلّ من تُسوّل له نفسه مثل تلك الدعوى من المبطلين !

وهم، مثل سائر المسلمين، ينتظرون المهديّ الموعود الذي <يملؤ الأرض عدلا بعدما مُلئت ظلما وجورا> ويميّزونه بما ثبت عندهم من علامات الظهور، ووضوح برهان ذلك النور.

وأوّل كلّ أدلّته وعلاماته إجماع المسلمين على قبوله، واستقبال دعوته والدخول في رايته وحزبه.

وأمّا دعوى عدم معقوليّة ما جاء في أحاديث المهديّ: فإنّما مثّل لذلك ببعض الأحاديث المشتملة على تفاصيل الحديث عن شؤون المهديّ.

وسواء كان المعترض محقّا في دعواه عدم المعقولية، أم كان مبطلا? فإنّ تلك الأحاديث، إنّما هي آحاد جاءت من طريق الأفراد فهي - صحّت أو ضعفت - لا تشكّل حجّة شرعيّة، وليست هي معتمد العلماء، ولا تدخل في البحث

عندهم، لأنّها لا تفيد علما، ولا عملا. وليست هي إلاّ كسائر الأحاديث الواردة في قصص الأنبياء الماضين، وأحاديث سيرة النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم والصحابة، وأخبار التاريخ وحوادثه، وغير ذلك من الأُمور التي يعتمد اعتبارها والالتزام بها على عرضها ومقارنتها وغربلتها وتمييزها سندا، ومتنا، ثمّ الترجيح بينها، واختيار الأوفق للأدلّة منها.

فليس ما عرض في هذا المجال خاصّا بأحاديث تتحدّث عن المستقبل فقط، بل أحاديث الماضي - وحتى الحال - تحتاج إلى مثل هذا النقد، المستلهَم أساسا من مزاولات العرف، وقرائن الحال والمقال.

والملاك في الجميع - الماضي والحال والمستقبل - واحد، وهو كونها جميعا من <الغيب> الذي لا يُعلم إلاّ عن طريق المخبر الصادق، والعارف. وبما أنّه من المنقول ويعتمد على السماع، فالملجأ الوحيد هي الأخبار والأحاديث الراوية لذلك، لا غير. ولكنّ الأمر بالنسبة إلى المؤمنين بالنصوص الدينيّة مختلف، فلو جاء القرآن الكريم، الذي هو <الوحي المعجز> أو جاء به الحديث الشريف، الذي هو <وحي غير معجز> فإنّهم يؤمنون بذلك اعتمادا على الإيمان بالله والرسول.

والسرّ في ذلك: أنّ الله تبارك وتعالى، وإن كلّفنا بالاستمداد من العقل وتحكيمه، إلاّ أنّ ذلك متصوّر فيما طريقه العقل فقط، وأمّا ما لا طريق للعقل في الحكم فيه فإنّه تعالى كلّفنا باتّباع الرسل، والأخذ منهم، والاعتماد

على ما ينقلونه من أخبار الشرع وغيره، واتّباعهم فيما يفعلونه والتزام ما يقرّرونه. فالشرائع السماوية تعتمد على عنصر <التبليغ> ويتقرّر الواجب على المسلم عند <البلوغ>.

ومهمّة الرسل هو إيصال الأحكام والحقائق والمعارف إلى البشر، وإتمام حجّة البلوغ عليهم.

أمّا المؤمنون فهم مكلّفون بالتزام ما وصل إليهم وبلغهم من كلام الرسل.

قال الله تعالى: (وما آتاكم الرسولُ فخذوه، وما نهاكم عنه فانتهوا)[سورة الحشر 59 : 7 ]

ولمّا كانت الشريعة الإسلامية تعتمد عنصر النقل والبلوغ، فقد قرّر علماء الدراية والمصطلح، قواعد محكمة متينة لضبط أُمور الرواية والنقل، وهي قواعد لم تسبقهم الأُمم في كلّ الحضارات إلى ذلك، سواء في ذلك الإلهيّة أم غيرها.

وقد أصبح النصّ الإسلامي على أثر ذلك من أحكم النصوص المعتمدة على أُسس من العرف والوجدان والعقل، في تحديد الطرق المأمونة في <توثيق النصوص>.

وهذا من فضل الله على هذه الأُمّة المحمّدية، إذ وُفق علماؤهم لبذل الجهود الكريمة لحفظ هذا الدين وهذا التراث، وصيانة أُصوله وفروعه من التحريف والتصحيف، والحمد لله ربّ العالمين.

مواضيع قد تعجبك

Execution Time: 0.0562 Seconds