إشكاليات المنهج التجريبي على العقيدة المهدوية

, منذ 5 سنة 1K مشاهدة

- الشيخ مقداد الربيعي

في ظل تأثر البعض بالاتجاه السائد في أدبيات ومناهج البحث العلمي للفكر الغربي والقائم على المنهج الحسي التجريبي لفرانسيس بيكون، يجد من الصعب تقبل فكرة ظهور الإمام (عجل الله فرجه) آخر الزمان، باعتبارها من الإيمان بالغيب، الأمر الذي لا ينسجم والمنهج المذكور، فراح يعلل ايمان الشيعة بهذه العقيدة من خلال اسباب اجتماعية ومادية ونحوها، كتعليلهم التزام الشيعة بهذه العقيدة بشعورهم بالإحباط نتيجة ظلم الحكومات السابقة لهم، فهم يحلمون بمخلص ينجيهم، والى ضوء في نهاية نفق الظلم والاضطهاد!

 وهو نظير ما قاله منكرو الأديان في تعليل هذه الظاهرة، فلعدم ايمانهم بضرورة وجود إله لهذا الكون راحوا يعللون ظاهرة الدين والتزام الإنسان به منذ فجر البشرية، فقالوا: هو وليد الخوف او وبسبب الجهل بأسباب الحوادث الطبيعية، او نتيجة الصراع الطبقي في المجتمع وغيرها من تمحلات لا دليل عليها غير مناكفتهم، وعدم انسجام عقيدة الإله مع منهجهم الحسي!

ونظير تفاجأ وانبهار علماء الأنثروبولوجيا بالمنحوتات النيجيرية الرائعة، وكيف يكون مثل هذا الفن الراقي نتاج عمل شعب بدائي، فراح البعض يضع نظريات غريبة في تفسير مثل هذه الظاهرة، لا لسبب الا لرفضه فكرة ان يكون هذا الشعب البدائي متقدم في جهة من الجهات الحضرية كالفن!

وحول ذلك يقول أحد الأنثروبولوجيين البارزين آشلي مونتاغيو: فإنسان ما قبل التاريخ في العصر الحجري القديم الأعلى، كان في بعض نواحي حياته قادراً على إنجاز أمور عجز غيره منذ ذلك الحين في التفوق عليه فيها. ومن بين الأمثلة البارزة على ذلك فنون العصر التي قال فيها السير هربرت ريد: إن أفضل رسومات التاميرا، ونيو، ولاسكو، تكشف عن مهارة لا تقل عن مهارة بيزانيلو او بيكاسو. وكل من رأى الرسوم الأصلية، بل حتى نسخ مأخوذة عنها، سيوافق على أن هذا القول غير مبالغ فيه. (آشلي مونتاغو: البدائية: سلسلة عالم المعرفة، الكويت 1982 ص250.    

  فحقيقة الخلاف مع هؤلاء (منكرو المهدوية) هو خلاف في منهج البحث، فهؤلاء يقصرونه على المنهج الحسي، بينما المؤمنون يقصرون المنهج الحسي على الماديات وأما الحقائق الغيبية فيرجعون فيها الى نصوص دينية معصومة، ولو كان الأمر كما ذكروا فتبطل أكثر العقائد الدينية؛ لاعتمادها على النصوص الوحيانية، فعقيدة ظهور الإمام (عليه السلام) في آخر الزمان ثابتة بنصوص الفريقين، بل هي متواترة ـ كما سنبين ـ فإذا كان السبب هو شعور الشيعة بالظلم فما هو سبب اعتقاد اهل السنة بها؟!

وقد قال السفاريني في لوامع الأنوار البهية ( وقد كثرت بخروجه الروايات، حتى بلغت حد التواتر المعنوي، وشاع ذلك بين علماء السنة، حتى عُدّ من معتقداتهم" إلى أن قال: "وقد روي عمن ذُكر من الصحابة وغير من ذُكر منهم رضي الله عنهم، بروايات متعددة، وعن التابعين من بعدهم، ما يفيد مجموعه العلم القطعي، فالإيمان بخروج المهدي واجب كما هو مقرر عند أهل العلم، ومدون في عقائد أهل السنة والجماعة" انتهى.

وقال الشوكاني: "والأحاديث في تواتر ما جاء في المهدي المنتظر، التي أمكن الوقوف عليها، منها خمسون حديثاً، فيها الصحيح والحسن والضعيف المنجبر، وهي متواترة بلا شك ولا شبهة، بل يصدق وصف التواتر على ما هو دونها في جميع الاصطلاحات المحررة في الأصول..." انتهى.

واليك طائفة من نصوص اهل السنة في ذلك:

  - ما رواه أحمد والترمذي وأبو داود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا تذهب أو لا تنقضي الدنيا حتى يملك العرب رجل من أهل بيتي يواطئ اسمه اسمي" وفي رواية لأبي داود: "يواطئ اسمه اسمي، واسم أبيه اسم أبي". والحديث قال عنه الترمذي: حسن صحيح، وصححه أحمد شاكر والألباني[1].

- وعن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "المهدي مني أجلى الجبهة، أقنى الأنف، يملأ الأرض قسطا وعدلاً، كما ملئت ظلما وجوراً، يملك سبع سنين" رواه أبو داود، وحسنه الألباني في صحيح الجامع[2].

- وعن أم سلمة رضي الله عنها قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "المهدي من عترتي من ولد فاطمة" رواه أبو داود وابن ماجه وصححه الألباني[3].

- وعن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "يخرج في آخر أمتي المهدي، يسقيه الله الغيث، وتخرج الأرض نباتها، ويُعطي المال صحاحاً، وتخرج الماشية، وتعظم الأمة، يعيش سبعاً أو ثمانياً. يعني حججا" رواه الحاكم وصححه ووافقه الذهبي، وقال عنه الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة: هذا سند صحيح رجاله ثقات[4].

- وعن ثوبان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يقتتل عند كنزكم ثلاثة كلهم ابن خليفة، ثم لا يصير إلى واحد منهم، ثم تطلع الرايات السود من قبل المشرق، فيقتلونكم قتلاً لم يقتله قوم ثم ذكر شيئاً لم أحفظه فإذا رأيتموه فبايعوه ولو حبواً على الثلج، فإنه خليفة الله المهدي" رواه ابن ماجه والحاكم وقال: على شرط الشيخين ووافقه الذهبي، وقال ابن كثير: هذا إسناد قوي صحيح[5].

 


[1] سنن الترمذي 4 : 505 حديث رقم 2230 ، سنن ابي داود 2 : 508 حديث رقم 4282  ، مسند الإمام أحمد بن حنبل 6 : 42  ـ تحقيق: شعيب الأرنؤوط ، مؤسسة الرسالة.

[2] سنن أبي داود 2 : 509 ،صحيح الجامع الصغير 1 : 307

[3] سنن ابي داود 2 : 509 حديث رقم 4284 ،  سنن ابن ماجه 2 : 1368

[4] المستدرك على الصحيحين بتعليق الذهبي 4 : 601، السلسلة الصحيحة للألباني 2 : 210

[5] المستدرك على الصحيحين بتعليق الذهبي 4: 510، سنن ابن ماجه 2 : 1367

مواضيع قد تعجبك

Execution Time: 0.0786 Seconds