من الأمور المشتركة عند الإمام المنتظر (عجَّل الله فرجه)، وعيسى (ع)، هي الغيبة والرفعة إلى الله، فقد رفع الله تعالى نبيه عيسى بن مريم (ع) بعد أن كان مطارداً من قبل اليهود حال دعوته فيهم إلى الله (عزَّ وجلَّ)، لئلا يظفروا به ويقتلوه، فعن أبي جعفر الباقر (ع): (لما كانت الليلة التي قتل فيها يوشع بن نون رفع فيها عيسى بن مريم إلى السماء..)(1).
قال تعالى: (وقولهم إنّا قتلنا المسيح عيسى ابن مريم رسول الله وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبّه لهم وإن الذين اختلفوا فيه لفي شك منه مالهم به من علم إلا إتباع الظن، وما قتلوه يقينا. بل رفعه الله إليه وكان الله عزيزاً حكيماً)(2).
وكذلك الإمام المنتظر (عجَّل الله فرجه) قد رفعه الله تعالى وغيّبه عن أنظار الناس، بعد المطاردة ومحاولات القتل والوأد التي قام بها الحكام المتجبرون.
إلا أن الإمام المهدي كانت له غيبتان، قال الإمام علي ابن أبي طالب (ع): (وإن للقائم منا غيبتين إحداهما أطول من الأخرى فلا يثبت على إمامته إلا من قوي يقينه وصحّت معرفته)(3)، فابتدأت الغيبة الأولى وهي الصغرى منذ العام (٢٦٠) إلى العام (٣٢٩)، كانت الصلة فيها بين الإمام (ع) والشيعة عبر النوّاب الأربعة الخاصين الذين عيّنهم الإمام (ع)، ثم بعد وفاة آخرهم ابتدأت الغيبة الكبرى والتي هي مستمرة إلى وقتنا هذا، عسى الله أن يوفقنا لرؤيته ونصرته.
فكان وجه الشبه بين الإمام والنبي في غيبتهما، وطول عمرهما، مع توافق الأسباب الداعية إلى الغيبة، من الظروف السياسية والمطاردات الجائرة، ومحاولات القتل..
وفي المستقبل
وتستمر العلاقة بين الإمام المنتظر والمسيح إلى أن يظهرا إلى العالم بعد غيبتهما الطويلة، حيث أن الروايات تؤكد ظهورهما في زمان واحد، ولغاية مستقبلية إلهية واحدة، هي تمكين دين الله تعالى، وتوحيده، ليكون الدين كله لله.
في نزول وظهور النبي عيسى (ع)، يقول الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلم): (ليس بيني، وبينه - يعني عيسى (ع)، نبي، وإنه نازل، فإذا رأيتموه فاعرفوه، فإنه رجل مربوع، إلى الحمرة والبياض، ينزل بين مصرتين، كأن يقطر وإن لم يصبه بلل)(4).
أما الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه)، فروايات ظهوره كثيرة نذكر منها ما هو مرتبط بظهور عيسى (ع)، قال النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم): (يلتفت المهدي وقد نزل عيسى بن مريم كأنه يقطر من شعره الماء، فيقول له المهدي: تقدّم صل بالناس، فيقول: إنما أقيمت لك الصلاة، فيصلي خلف رجل من ولدي: وهو المهدي)(5).
ينبغي أن تلفت انتباهنا هذه العلاقة التي ابتدأت بالتزاوج، والاشتراك في الغيبة، إلى الظهور في زمان واحد، ومن أهم الملاحظات هي تلك التي تنبئ بظهور الحضارة الإسلامية على كافة العالم، بمن فيهم أهل الديانات المختلفة، ولا يخفى أن الديانة الأوسع في عالمنا المعاصر هي المسيحية، ثم الإسلام، وأمّا أسباب القوة والتمكّن فهي بيد الحضارة الغربية التي تنتمي للديانة المسيحية، فظهور المسيح في آخر الزمان له أثر بالغ على المسيحيين، خصوصاً عندما يصلي خلف الإمام المنتظر ويقر بإمامته، فإن الأحاديث تذكر أنه سيؤمن الكثير منهم.
فقد قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم): (المهدي الذي يملأها قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً، والذي بعثني بالحق بشيراً لو لم يبق من الدنيا إلا يوم واحد لطوّل الله ذلك اليوم حتى يخرج فيه ولدي المهدي فينزل روح الله عيسى بن مريم فيصلي خلفه وتشرق الأرض بنوره ويبلغ سلطانه المشرق والمغرب)(6).
الأمر الذي ينبغي الاستفادة منه هو خلق الجسور بين الحضارتين الغربية والإسلامية على أساس الدين، والإيمان بالله واليوم الآخر، ليتم التعاون على محاربة الإلحاد، ومكافحة الزنا والجريمة، وكل الرذائل التي تنكرها الديانتين.
فمشاهدات أولية للمعول الذي يهدم المجتمعات ويستغل من خلاله الناس من أجل الإفساد، هو تفشي ظلم الإنسان للإنسان عبر سياسات وقوانين جائرة، وإشاعة الزنا والاتجار بالرق الأبيض لخلخلة المجتمعات وهدمها، وكل المحرمات التي اتفقت عليها الديانات، ولعل ذلك مصدر تقارب يؤدّي إلى بعث العقيدة الإسلامية بالدعوة بالتي هي أحسن في أوساط المجتمعات الغربية والمشركة التي لا تؤمن بالدين الإسلامي القويم.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الأنبياء، حياتهم وقصصهم، عبد الصاحب الحسني العاملي، ص٤٨٨.
(2) سورة النساء، آية ١٥٧-١٥٨.
(3) المهدي في السنة، آية الله السيد صادق الشيرازي، ص ٦٦.
(4) الروض الفسيح في بيان الفوارق بين المهدي والمسيح، الشيخ محمد باقر الإلهي القمي.
(5) المهدي في السنة، آية الله السيد صادق الشيرازي، ص٧٣.
(6) المهدي في السنة، ص٣٢.
المصدر : الإمام المهدي (عجل الله فرجه) الغيب الشاهد ـ تأليف: السيد محمود الموسوي.
موقع ديني مختص في مسائل الإمام المهدي (عج) تابع لشعبة البحوث والدراسات - ق. الشؤون الدينية - الأمانة العامة للعتبة الحسينية المقدسة