ثواب انتظار الإمام المهدي (عج) وآثاره العظيمة

, منذ 1 سنة 409 مشاهدة

هل الإيمان بمثل هذا الظهور يجعل الإنسان غافلًا عن أوضاعه القائمة ومستسلماً لكافة الظروف والشرائط؟

أم أنّ هذه العقيدة تستبطن الدعوة إلى القيام وبناء الفرد والمجتمع؟

هل تدعو إلى الحركة أم السكون؟

هل تؤدي إلى تحمل المسؤولية أم الهروب منها؟

بالتالي هي أفيون أم منبه؟

يبدو من الضروري الالتفات إلى نقطة مهمة قبل الاجابة عن هذه الأسئلة وهي أنّ أعظم المقررات وأسمى المفاهيم إن وقعت بأيدي أفراد ليسوا بأكفاء أو انتهازيين فلربما يمسخونها إلى درجة بحيث تعطي نتائج مخالفة لأهدافها الأصلية وتتحرك خلاف مسيرتها المرسومة، وهنالك الكثير من هذه النماذج، ومسألة الانتظار كما سنرى واحدة من هذه النماذج.

على كلّ حال، وبغية التحرز من الخطأ في الحسابات في مثل هذه المباحث لابدّ من انتهال الماء من عينه الصافية بعيداً عن المياه الملوثة التي ربّما تفسده.

ومن هنا فإننا نتجه في بحث الانتظار صوب المتون الإسلامية الأصيلة، ونسلط الضوء على مختلف الروايات الواردة بشأن مسألة «الانتظار» لنقف على طبيعة الهدف الرئيسي.

نسلط الضوء هنا على هذه الروايات:

سئل الإمام الصادق عليه السلام عمن يقول بولاية الأئمّة وينتظر حكومتهم الحقّ ويموت على ذلك؟ قال‌ الإمام عليه السلام: «هو بمنزلة من كان مع القائم في فسطاطه- ثمّ سكت هنيئة- ثمّ قال: هو كمن كان مع رسول اللَّه صلى الله عليه و آله».

وقد ورد هذا المضمون في عدة روايات بعبارات مختلفة:

ففي بعضها «بمنزلة الضارب بسيفه في سبيل اللَّه». وفي البعض الآخر «كمن قارع مع رسول اللَّه صلى الله عليه و آله بسيفه».

وفي رواية «بمنزلة من كان قاعداً تحت لواء القائم».

وفي رواية اخرى‌ «بمنزلة المجاهد بين يدي رسول اللَّه».

وفي رواية «بمنزلة من استشهد مع رسول اللَّه صلى الله عليه و آله».

فالتشبيهات الواردة في هذه الروايات بشأن انتظار ظهور المهدي عليه السلام عميقة المعنى وتكشف عن هذه الحقيقة وهي أنّ هنالك نوعاً من الارتباط والتشابه بين مسألة «الانتظار» و «الجهاد» ومواجهة الأعداء. «لابدّ من تأمل هذا الموضوع».

كما صرّحت بعض الروايات بأن مثل هذا الانتظار يعد أعظم عبادة.

حيث ورد مثل هذا المضمون في أحاديث النبي صلى الله عليه و آله وروايات الإمام علي عليه السلام. فقد قال صلى الله عليه و آله: «أفضل أعمال امّتي انتظار الفرج من اللَّه عزّوجلّ».

كما ورد عنه صلى الله عليه و آله أنّه قال: «أفضل العبادة انتظار الفرج».

ويكشف هذا الحديث عن أهمية الانتظار، سواء الفرج بمعناه الواسع والشامل، أو مفهومه الخاصّ، أي انتظار ظهور المصلح العالمي.

وتشير كلّ هذه العبارات إلى أنّ انتظار تلك النهضة إنّما اقترن على الدوام بجهاد واسع ومقاومة تامة.

ولو استند الاعتقاد وانتظار حكومة العدل للمهدي إلى قاعدة رصينة لأفرز نوعين من الأعمال العظيمة (لأن الاعتقاد السطحي قد لا يتجاوز أثره اللسان، بينما الاعتقاد العملي يقتضي دائماً الآثار العملية). والنوعان هما:

الامتناع عن كافة أشكال التعاون والركون إلى عوامل الظلم والفساد إلى درجة مقاومتها من جانب، ومن جانب آخر تزكية النفس وتوظيف الاستعدادات الجسمية والروحية والمادية والمعنوية بغية تبلور تلك الحكومة العالمية.

ولو تأملنا ذلك لرأينا كلا العملين بناءً ومدعاة للحركة والمعرفة والوعي واليقظة.

وهكذا يفهم معنى الروايات الواردة في فضل المنتظرين من خلال الالتفات إلى مفهوم الانتظار الواقعي.

كما نفهم بعض الروايات التي صورت المنتظر الحقيقي وكأنّه في‌ فسطاط المهدي أو تحت لوائه أو كمن جاهد بين يدي رسول اللَّه صلى الله عليه و آله بسيفه.

أوليست هذه المراحل المختلفة والدرجات المتفاوتة في الجهاد من أجل تحقيق العدل والحقّ إنّما تتناسب مع استعدادات الأفراد ودرجات انتظارهم؟ أي كما يتفاوت مقدار تضحية المجاهدين في سبيل اللَّه ودورهم، فإنّ انتظارهم واستعدادهم هو الآخر مختلف وعلى درجات.

طبعاً كلاهما جهاد ويحتاج إلى استعداد وتزكية.

فالفرد الذي يكون في فسطاط زعيم تلك الحكومة والذي يمثل مركز القيادة والإمرة العسكرية لجميع العالم، لا يمكن أن يكون شخصاً غافلًا وجاهلًا، فليس كلّ فرد يلج ذلك الفساط، سوى من استعد له. كما ينبغي أن ينطوي من حمل السلاح وقاتل إلى جانب ذلك الزعيم كلّ من يقف بوجه حكومة العدل والسلام، على استعداد روحي غزير وتأهب فكري وعسكري كبير.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المصدر: الحكومة العالميّة للإمام المهدي(عج)، مكارم الشيرازي، الشيخ ناصر، ص84-87.

مواضيع قد تعجبك

Execution Time: 0.0963 Seconds