هذه الآداب ممّا تواترت بها الروايات والأدعية والزيارات عن أئمّة الهدى.
والتي تؤكد في النفس شدّة تألّمه هو نفسه من طول غيبته وغربته، الموجبة لتألّم وتحرّق محبّيه مواساةً له، فمن دعاء الندبة نقرأ:
"عزيز عليّ أن تحيط بك دوني البلوى، ولا ينالك منّي ضجيج ولا شكوى"(1).
وهذا يومئ إلى ضرورة تأصيل ليس فقط الحرق والغصة والألم لفراقه وطول غيابه، بل المشاركة له في تحمّله ألم الفراق، لأنّه أشدّ شوقاً إلى الإياب من غيبته من أيّ مشتاق آخر، ولذا هو أشدّ ألماً من أيّ متألّم آخر، ويفترض أن تكون هذه الشكوى وهذا الألم والبكاء بشكل جماعيّ ومشترك:
"... هل من معين فأطيل معه العويل والبكاء، هل من جزوع فأساعد جزعه إذا خلا، هل قذيت عين فساعدتها عيني على القذى".
ولقد كان أئمّة أهل البيت يتحرقون شوقاً إليه، ويتألّمون من غيبته فهذا أمير المؤمنين علي (عليه السلام) يؤمئ إلى صدره قائلاً: "هاه" من شدة شوقه إلى رؤيته، وهذا صادق أهل البيت (عليهم السلام) يناديه ملتاعاً متألّماً: "سيدي غيبتك نفت رقادي، وضيقت عليّ مهادي، وابتزّت منّي راحة فؤادي، سيدي غيبتك أوصلت مصابي بفجائع الأبد، فقد الواحد بعد الواحد يفني الجمع والعدد، فما أحس بدمعة ترقى من عيني وأنين يفتر من صدري عن دوارج الرزايا وسوالف البلايا..."(2).
فإذا كان هذا حال أئمّة الهدى فما بالنا لا نردّد بالقلب قبل اللسان:
"اللهم أرني الطلعة الرشيدة والغرّة الحميدة واكحل ناظري بنظرة منّي إليه..."(3).
ولعلّنا نستطيع أن نعد من آيات الشوق لرؤية طلعته البهيّة في دعاء الندبة أكثر من ثلاثين فقرة ينادي بها الدعاء أين... أين... أين.
وفيه:
"... بنفسي أنت أمنية شائق يتمنى، من مؤمن ومؤمنة ذكرا حنا"(4).
"هل إليك يا بن أحمد سبيل فتلقى"(5).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ابن طاووس - إقبال الأعمال - ج ١ - ص ٥١٠.
(2) كتاب الغيبة - محمد بن إبراهيم النعماني - ص ٢٢٢.
(3) الصدوق - كمال الدين وتمام النعمة - الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة - إيران - الطبعة سنة ١٤٠٥ هـ. - ص ٣٥٣.
(4) المجلسي - محمد باقر - بحار الأنوار - مؤسسة الوفاء، الطبعة الثانية المصححة - ج ٥٣ - ص ٩٦.
(5) ابن طاووس - إقبال الأعمال - ج ١ - ص ٥١٠.
المصدر : هكذا قم.. هكذا كن.. مع الحجة (عجَّل الله فرجه) ـ إعداد: مركز نون للتأليف والترجمة.
موقع ديني مختص في مسائل الإمام المهدي (عج) تابع لشعبة البحوث والدراسات - ق. الشؤون الدينية - الأمانة العامة للعتبة الحسينية المقدسة