ما هي واجبات الشيعة تجاه الإمام المهدي المنتظر (عج) في زمن غيبته ؟

, منذ 1 شهر 228 مشاهدة

في عصر الغيبة الكبرى تقع علينا كمؤمنين مجموعة من الواجبات والتكاليف التي ينبغي علينا القيام بها تجاه إمام العصر والزمان (عجّل الله تعالى فرجه الشريف)، ونشير إلى أهمها في النقاط التالية:

١- التعرف على شخصية الإمام المهدي:

من أولى الواجبات في عصر الغيبة الكبرى هو التعرف على شخصية الإمام المهدي من جميع أبعادها، وتعميق المعرفة به، وأنه حي يرزق، ويطلع على أعمال الناس، وأنه إمام هذا العصر والزمان الذي نعيش فيه، وأنه حجة الله على خلقه، وعلينا الإيمان بكل ذلك ارتكازاً على الأدلة النقلية الصحيحة، والاستدلالات العقلية المنطقية.

«وأهمية هذا الواجب واضحة في ظل عدم الحضور الظاهر للإمام في عصر الغيبة والتشكيكات الناتجة عن ذلك، كما أن لهذه المعرفة تأثيراً مشهوداً في دفع الإنسان المسلم نحو العمل الإصلاحي البناء على الصعيدين الفردي والاجتماعي، فهي تجعل لعمله حافزاً إضافياً يتمثل بالشعور الوجداني بأن تحركه يحظى برعاية ومراقبة إمام زمانه الذي يسره ما يرى من المؤمنين من تقدم ويؤذيه أي تراجع أو تخلف عن العمل الإصلاحي البناء والتمسك بالأحكام والأخلاق والقيم الإسلامية التي ينتظر توفر شروط ظهوره لإقامة حاكميتها في كل الأرض وإنقاذ البشرية بها»(١١).

وتشير معظم الأدعية المستحبة قراءتها في عصر الغيبة إلى وجوب التعرف على إمام العصر والزمان حتى لا ينحرف الإنسان عن الطريق المستقيم، فعن زرارة أن الإمام الصادق (عليه السلام) قال: «إن للقائم غيبة وهو المنتظر وهو الذي يشك في ولادته، فقال زرارة: جُعلت فداك إن أدركت ذلك الزمان أي شيءٍ أعمل؟ قال: يا زرارة متى أدركت الزمان فلتدع بهذا الدعاء: اللهم عرفني نفسك فإنك إن لم تعرفني نفسك لم أعرف نبيك، اللهم عرفني رسولك فإنك إن لم تعرفني رسولك لم أعرف حجتك، اللهم عرفني حجتك فإنك إن لم تعرفني حجتك ضللت عن ديني»(١٢) فمعرفة إمام العصر والزمان، والارتباط به، والسير على نهجه، ضمانة من الانحراف والزيغ والضلال (فإنك إن لم تعرفني حجتك ضللت عن ديني) فمعرفة الحجة ضمان للاستقامة على طريق الحق.

٢- الارتباط الوجداني والعاطفي بالإمام المهدي:

ومن التكاليف والواجبات المهمة التي أكدتها الأحاديث الشريفة لمؤمني عصر الغيبة هو تمتين الارتباط الوجداني بالمهدي المنتظر والتفاعل العملي مع أهدافه السامية والدفاع عنها والشعور الوجداني العميق بقيادته وهذا هو ما تؤكده أيضاً معظم التكاليف التي تذكرها الأحاديث الشريفة. كواجبات للمؤمنين تجاه الإمام مثل الدعاء له بالحفظ والنصرة وتعجيل فرجه وظهوره وكبح أعدائه والتصدق عنه والمواظبة على زيارته وغير ذلك مما ذكرته الأحاديث الشريفة. وقد جمعها آية الله السيد الأصفهاني في كتابه (مكيال المكارم في فوائد الدعاء للقائم) وكتابه (وظائف الأنام في غيبة الإمام)»(١٣).

ومن أجل أن يكون الارتباط الوجداني بالإمام (عجّل الله تعالى فرجه الشريف) مؤثراً وفاعلاً ينبغي أن يتحلى المؤمن بإخلاص النية، وعمق العقيدة بوجود الإمام، والإيمان بحتمية الظهور للإمام، والاستعداد النفسي للانخراط في نصرة الإمام مع المؤمنين.

٣- إحياء نهج أهل البيت:

من الواجبات المهمة في عصر الغيبة هو إحياء نهج أهل البيت، ونشر ثقافتهم، والتعريف بمنهجهم، وبيان مظلوميتهم، ودعوة الناس إلى السير على نهجهم امتثالاً لأمر الرسول الأعظم (صلّى الله عليه وآله وسلم) بالتمسك بالثقلين، حيث قال (صلّى الله عليه وآله وسلم): «أما بعد، ألا أيها الناس! فإنما أنا بشر يوشك أن يأتي رسول ربي فأجيب، وأنا تارك فيكم ثقلين: أولهما كتاب الله فيه الهدى والنور، فخذوا بكتاب الله واستمسكوا به» فحث على كتاب الله ورغب فيه، ثم قال: «وأهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي»(١٤) وقال (صلّى الله عليه وآله وسلم) أيضاً: «إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي، أحدهما أعظم من الآخر، كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض، وعترتي أهل بيتي ولن يتفرقا حتى يردا علي الحوض، فانظروا كيف تخلفوني فيها»(١٥).

كما وردت روايات كثيرة عن أهل البيت (عليهم السلام) بوجوب إحياء أمرهم، وهو ما يعني نشر منهجهم وثقافتهم بين الناس، فقد قال الإمام الباقر (عليه السلام): «رحم الله من أحيى أمرنا»(١٦) وقال الإمام الصادق (عليه السلام): «رحم الله عبداً اجتمع مع آخر فتذاكرا أمرنا فإن ثالثهما ملك يستغفر لهما، وما اجتمع اثنان على ذكرنا إلا باهى الله تعالى بهما الملائكة، فإن اجتمعتم فاشتغلوا بالذكر، فإن في اجتماعكم ومذاكرتكم إحياءنا، وخير الناس بعدنا من ذاكر بأمرنا ودعا إلى ذكرنا»(١٧).

وإحياء أمر أهل البيت لا يقتصر على إقامة الشعائر والمجالس الحسينية فحسب، وإنما يتجاوز ذلك باستخدام كل الوسائل المشروعة، والمتطورة للتعريف بفكر أهل البيت وثقافتهم، فلو عرف الناس منهج أهل البيت لما اتبعوا غيره، فقد أشار الإمام الرضا (عليه السلام) إلى كيفية إحياء أمر أهل البيت، فعن عبد السلام  بن صالح الهروي قال: سمعت أبا الحسن علي  بن موسى الرضا (عليه السلام) يقول: «رحم الله عبداً أحيا أمرنا، فقلت له: وكيف نحيي أمركم؟ قال: يتعلم علومنا ويعلمها الناس، فإن الناس لو علموا محاسن كلامنا لاتبعونا»(١٨).

فعلى كل مؤمن أن يحيي أمر أهل البيت بما يستطيع، وبالكيفية التي يراها مناسبة، وبالوسائل الممكنة، وبالطرق الحضارية كي يساهم كل واحد منا في إحياء ونشر ثقافة أهل البيت ومنهجهم في العالم.

ومن الضروري اتباع الحكمة في التعريف بمكانة أهل البيت، والابتعاد عن كل ما يثير البغضاء والشحناء، واستفزاز الآخرين، فعن الإمام الصادق (عليه السلام) قال: «رحم الله عبداً حَبَّبَنا إلى الناس ولم يُبَغّضْنا إليهم، أما والله لو يروون محاسن كلامنا لكانوا به أعز، وما استطاع أحد أن يتعلق عليهم بشيء، ولكن أحدهم يسمع الكلمة فيحط إليها عشراً(١٩)»(٢٠).

فالإمام الصادق (عليه السلام) يرشدنا إلى ضرورة أن نحبب الناس إلى أهل البيت (عليهم السلام)، وذلك بذكر أخلاقياتهم ومناجاتهم وصفاتهم الحميدة، أما اتباع أسلوب ما يثير الآخرين ويستفزهم، فهذا يُبعد الناس عن أهل البيت، ويحول بينهم وبين التعرف على ثقافة أهل البيت، وفي ذلك إساءة لهم، وإن تصور الفاعل أنه بذلك يخدم أهل البيت، فليكن منهجنا هو تحبيب الناس لأهل البيت، واجتناب أي أسلوب يثير البغضاء والشحناء والضغائن في القلوب والنفوس.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 (1) أعلام الهداية: الإمام المهدي المنتظر خاتم الأوصياء، المجمع العالمي لأهل البيت، قم - إيران، الطبعة الأولى ١٤٢٢هـ، ص ١٨٣ - ١٨٤.

(2) أصول الكافي، الشيخ الكليني، دار التعارف للمطبوعات، بيروت - لبنان، طبع عام ١٤١٩هـ - ١٩٩٨م، ج١، ص ٣٩٦، رقم ٥.

(3) أعلام الهداية: الإمام المهدي المنتظر خاتم الأوصياء، ص ١٨٤ و١٨٥.

(4) صحيح مسلم، المكتبة العصرية، بيروت - لبنان، طبع عام ١٤٢٣هـ - ٢٠٠٢م، ص ٩١٥، رقم ٦٢٢٥.

(5) سنن الترمذي، المكتبة الإسلامية، اسطنبول - تركيا، ج ٩، ص ٢٤٢، رقم ٢٧٩٠، باب ناقب أهل بيت النبي (عليهم السلام).

(6) الوسائل، الحر العاملي، ج١٤، ص ٥٨٧، رقم ١٩٨٧٢.

(7) الوسائل، الحر العاملي، ج١٦، ص٣٤٨، رقم٢١٧٣١.

(8) عيون أخبار الرضا، الشيخ الصدوق، المكتبة الحيدرية، قم ـ إيران، الطبعة الأولى ١٤٢٥هـ، ج ١، ص ٢٧٥، رقم ٦٩.

(9) أي يزيد عليها فيقع التحريف، وذكر العشرة للمبالغة.

(10) روضة الكافي، الشيخ الكليني، ج ٨، ص ١٨٥، رقم ٢٩٣.

المصدر : الإمام المهدي المنتظر (عليه السلام) بين دلالات الاعتقاد وواجبات الانتظار.

تأليف: الشيخ عبد الله أحمد اليوسف.

مواضيع قد تعجبك

Execution Time: 0.0564 Seconds