هل الإمام المهدي (عليه السلام) سيأتي بدين جديد غير الإسلام ؟

, منذ 11 شهر 534 مشاهدة

لقد ورد في بعض الروايات الشريفة أنَّه عليه السلام يأتي بدين جديد، ولا غضاضة في ذلك إذا لاحظنا جملة من الأُمور:

١ ـ احتمال اختلاف الواقع عن الظاهر:

إنَّ أكثر الأحكام الشرعية الفعلية في زمن الغيبة هي أحكام ظاهرية ثبتت عن طريق أمارات ظنّية علىٰ الأحكام الواقعية. وقد ثبتت لها الحجّية تعبّداً مع كونها ظنّية أي يحتمل فيها عدم إصابتها للواقع. والإمام عليه السلام حين يظهر يستغني عن هذه الأمارات لأنَّه يعرف الأحكام الواقعية. ومع معرفة الحكم الواقعي تنتفي الحاجة، بل ينعدم المجال للحكم الظاهري. ومن الطبيعي أن تختلف الكثير من الأحكام الواقعية عن الأحكام الظاهرية، فما يظهر من الأحكام مخالف لكثير من السائد ممَّا استظهره الفقهاء من الأمارات الظنّية.

وإذا لاحظنا أنَّ جلّ الأحكام الفرعية ثبتت بأخبار الثقاة متعدِّدة الوسائط نعرف أنَّ أكثر أحكامنا الظاهرية غير مظنونة المطابقة مع الواقعية، إذ كلّ إخبار من واسطة ظنّي، فإذا تعدَّدت الوسائط كان الحاصل ضرب الظنون ببعضها بحكم ترتّبها علىٰ بعضها طولاً، ممَّا يُضعِّف الاحتمال كثيراً إذا زادت الوسائط عن اثنين كما هو الغالب. وهذا يعني أنَّ الكثير من أحكامنا السائدة محتملة المطابقة للواقع غير مظنونة _ نعم قد لا يجري ذلك في بعض صور تعدّد الأخبار الواردة في بيان حكم واحد كما لو كانت مستفيضة _ ممَّا يفتح الباب واسعاً أمام كون خريطة الأحكام الواقعية التي ستظهر بظهوره عليه السلام مختلفة كثيراً عمَّا هو معمول به في زمن الغيبة.

٢ ـ احتمال خطأ التطبيق في مستحدثات المسائل:

إنَّ الكثير من المسائل التي هي محلّ ابتلاء لنا اليوم والتي ستكون محلّ ابتلاء للأجيال اللاحقة _ أي المسائل المستحدثة علىٰ مرور الأيّام _ لم يرد فيها دليل خاصّ، وقد اكتفي في مقام تشخيص أحكامها بتطبيق عناوين واردة في الأدلَّة أو قواعد مستفادة منها علىٰ هذه المسائل. واحتمال الخطأ في مجال التطبيق وارد ممَّا يفسح المجال أمام المخالفة للأحكام الواقعية الشرعية. ولمَّا كان ما سيسود من الأحكام في زمن الظهور هو الحكم الواقعي نتج عن ذلك أنَّ ما سيظهر في زمان ظهوره عليه السلام مخالف لما هو السائد قبل الظهور.

وما أوسع دائرة المسائل المستحدثة في زماننا ممَّا لم تكن محلّ ابتلاء في زمن الحضور وصدور النصّ، فلا توجد آنذاك حقوق نشر ولا تصوير ولا انترنيت ولا وسائل سمعية وبصرية ولا صناعة وتقنية شملت جميع جوانب الحياة.

٣ ـ وصف الجديد إضافي:

إنَّ وصف الجديد إضافي لا يقتضي أكثر من وجود أحكام لم تكن قبل ذاك جزءاً من الدين الذي بين أيدي الناس، ولمَّا كانت جميع طوائف المسلمين مؤمنة بمجيء اليوم الموعود الذي يظهر فيه صاحب الأمر وإن اختلفوا في شخصه كان إظهار أحكام جديدة غير مألوفة لأتباع المذاهب مصحِّحاً لأن يوصف ما يأتي به الإمام أو يظهره بأنَّه دين جديد. ونحن لا نعلم أنَّ وصف ما يأتي به عليه السلام بأنَّه جديد كان بالإضافة إلىٰ فرقة حقّة إذ لعلَّه كان بالإضافة إلىٰ المذاهب الإسلاميّة السائدة أو إلىٰ بعضها. والتفاوت في الأحكام بين المذاهب الأُخرىٰ ومذهب الحقّ كبير جدّاً. فإذا ظهر الإمام عليه السلام ودانت له أتباع المذاهب الأُخرىٰ ظهر لهم الفرق الكبير بين ما ظهر علىٰ يديه عليه السلام وما هو سائد عندهم. وهذا مسوِّغ لوصف ما يظهر علىٰ يديه عليه السلام بأنَّه دين جديد.

وممَّا يُقرِّب ذلك أنَّ السواد الأعظم من المسلمين قد شرَّقوا وغرَّبوا مبتعدين عن مدرسة الحقّ المتمثّلة بمدرسة أهل البيت عليهم السلام، فكان النتيجة خلط الحقّ بالباطل بنحو هدَّد أصل الشريعة وضيَّع الكثير من الأحكام فيها.

وقد تعدَّدت الروايات التي جاء فيها وصف لبعض الصحابة لحال المسلمين بأنَّهم لم يبقوا شيئاً ممَّا كان علىٰ عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.

فعن أنس بن مالك أنَّه قال: ما أعرف شيئاً ممَّا كان علىٰ عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، قيل: الصلاة. قال: أليس ضيَّعتم ما ضيَّعتم فيها(1).

وذاك أبو الدرداء يشهد بمثل هذه الشهادة.

فعن سالم، قال: سمعت أُمّ الدرداء تقول: دخل علي أبو الدرداء وهو مغضب. فقلت: ما أغضبك؟ فقال: والله ما أعرف من أُمَّة محمّد صلى الله عليه وسلم شيئاً إلَّا أنَّهم يصلّون جميعاً)(2).

لا نريد أن نقول إنَّهما عنيا ما قالا فعلاً وأنَّه لم يبقَ شيء من دين رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالدقَّة، بل أرادا أنَّ التغيّر كان كبيراً.

فإذا كان هذا كلام الجيل الذي أدرك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فكيف هو الحال بعد مرور أكثر من ألف وأربعمائة وعشرين عاماً من رحيل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟ بل كيف هو الحال بعد مرور مدَّة أكثر إلىٰ ظهور الإمام عليه السلام؟

ويمكن أن يكون من ذلك أنَّ جملة من علمائنا يبنون علىٰ ثبوت الولاية التشريعية للأئمّة عليهم السلام، ممَّا يعني إمكان اقتضاء المصلحة لتشريع أحكام جديدة في مساحات الفراغ التي تُشرع لها أحكام بعناوينها. إذ لا يُعلَم أنَّ حقّ التشريع الثابت بمقتضىٰ الولاية التشريعية الثابتة لهم عليهم السلام يشمل نسخ حكم شُرِّعَ من الله تعالىٰ ابتداءً أو من خلال إعمال معصوم سابق ولايته التشريعية. ولا موجب بعد الاعتقاد بثبوت الولاية التشريعية له عليه السلام للاعتقاد بانتفاء هذا الحقّ في زمن ظهوره.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) صحيح البخاري ١: ١٣٤.

(2) صحيح البخاري ١: ١٥٩.

علامات الظهور (قراءة في المعرفة والتطبيق) ـ تأليف: الشيخ كاظم القره غولّي.

مواضيع قد تعجبك

Execution Time: 0.0547 Seconds