ما هو سبب تسمية الإمام الثاني عشر بــــ (المهدي) ؟

, منذ 9 شهر 318 مشاهدة

من الأسماء التي اشتهر بها الإمام الحجَّة (عليه السلام)، وقد ذكرت الروايات الشريفة العلَّة في ذلك وكما يلي:

أ) عن جابر بن يزيد الجعفي، عن الإمام الباقر (عليه السلام) أنَّه قال: «... فمن أطاعه فقد أطاع الله ومن عصاه فقد عصى الله، فإنَّما سُمّي المهدي لأنَّه يهدي لأمر خفي، يستخرج التوراة وسائر كتب الله من غار بأنطاكية، فيحكم بين أهل التوراة بالتوراة، وبين أهل الإنجيل بالإنجيل، وبين أهل الزبور بالزبور، وبين أهل الفرقان بالفرقان...»(١).

ب) وروى محمّد بن عجلان، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: «إذا قام القائم (عليه السلام) دعا الناس إلى الإسلام جديداً، وهداهم إلى أمر قد دُثِرَ وضلَّ عنه الجمهور، وإنَّما سُمّي القائم مهدياً لأنَّه يهدي إلى أمر مضلول عنه، وسُمّي القائم لقيامه بالحقّ»(٢).

ج) عن أبي سعيد الخراساني، قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): المهدي والقائم واحد؟ فقال: «نعم»، فقلت: لأيّ شيء سُمّي المهدي؟ قال: «لأنَّه يهدي إلى كلّ أمر خفي»(3).

هذه الروايات تعطينا سبب تسميته (عليه السلام) بالمهدي، وهو الهداية إلى أمر خفي، أو مضلول عنه، أو ضلَّ عنه الجمهور، أو كلّ أمر خفي.

أمَّا ما هو هذا الأمر الخفي؟

فقد ذكرت الرواية الأُولى أنَّه الكتب السماوية، ومن الواضح أنَّ الكتب السماوية كلّها تهدي لأمر واحد محدَّد هو دين الله تعالى، قال تعالى: ﴿شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ ما وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ وَما وَصَّيْنا بِهِ إِبْراهِيمَ وَمُوسى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ ما تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ﴾ (الشورى: ١٣).

وهذا الدين اليوم هو الدين الخاتم، دين النبيّ الأكرم (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وهو الذي تكلَّمت عنه الروايات بأنَّه قد دُثِرت الكثير من حقائقه وبُدِّلت الكثير من أحكامه بسبب السلاطين ووعّاظهم وأصحاب المصالح والمفترين والمندسّين في داخل الإسلام من المشركين واليهود وعامل التقيَّة التي نتجت عن الظلم الذي تعرَّض له أهل البيت (عليهم السلام) وأتباعهم وغيرها من الأسباب.

وبالتالي يكون معنى الهداية إلى ذلك الأمر الخفي هو الهداية لدين النبيّ الأكرم (صلّى الله عليه وآله وسلّم) الصحيح الذي ارتضاه الله تعالى لنا يوم بيعة الغدير حينما أنزل الله تعالى بعد أن بايع المسلمون علياً (عليه السلام): ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً﴾ (المائدة: ٣).

فدين الإسلام هو دين الولاية، والناس ضلَّت عنه، والجمهور وعلماؤهم ضلَّلوا الناس عن الدين وأخفوه عنهم، والإمام المهدي (عليه السلام) سيُظهر الدين المحمّدي الصحيح.

ومن هنا ورد أنَّ الإمام المهدي (عليه السلام) سيواجه الكثير من الصعاب من الناس، لأنَّهم سوف يعترضون على ما سيأتي به من أحكام الإسلام الواقعية ممَّا لم يعرفوه ولم يعتادوا عليه قبل ظهوره (عليه السلام)، ولذا ورد عن الفضيل بن يسار قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: «إنَّ قائمنا إذا قام استقبل من جهلة الناس أشدّ ممَّا استقبله رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) من جهّال الجاهلية!»، فقلت: وكيف ذلك؟ قال: «إنَّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أتى الناس وهم يعبدون الحجارة والصخور والعيدان والخشب المنحوتة، وإنَّ قائمنا إذا قام أتى الناس وكلّهم يتأوَّل عليه كتاب الله، ويحتجّ عليه به»، ثمّ قال: «أمَا والله ليدخلنَّ عليهم عدله جوف بيوتهم كما يدخل الحرّ والقرّ»(4).

وفي رواية أُخرى عن أبي عبد الله (عليه السلام): «إنَّ القائم (عليه السلام) يلقى في حربه ما لم يلقَ رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، لأنَّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أتاهم وهم يعبدون الحجارة المنقورة والخشبة المنحوتة، وإنَّ القائم يخرجون عليه فيتأوَّلون عليه كتاب الله ويقاتلونه عليه»(5).

من هنا ورد التأكيد على ضرورة التعرّف على الفتن التي تقع في زمن الإمام المهدي (عليه السلام) حتَّى يكون المؤمن على بيّنة منها فلا يقع في الفتنة، وعلى الأقلّ يبقى محايداً إلى أن تنكشف له الحقيقة، وإن كانت الحقيقة أبين من الأمس وأوضح من الشمس، فرغم كلّ الفتن والاختبارات، فإنَّ الإمام المهدي (عليه السلام) يأتي بما يدلُّ على الحقّ وبما هو أوضح من الشمس كما ورد عن محمّد بن عصام، قال: حدَّثني المفضَّل بن عمر، قال: كنت عند أبي عبد الله (عليه السلام) في مجلسه ومعي غيري، فقال لنا: «إيّاكم والتنويه - يعني باسم القائم (عليه السلام) -»، وكنت أراه يريد غيري، فقال لي: «يا أبا عبد الله، إيّاكم والتنويه، والله ليغيبنَّ سبتاً من الدهر، وليخملنَّ حتَّى يقال: مات أو هلك بأيّ وادٍ سلك؟ ولتفيضنَّ عليه أعين المؤمنين، وليكفأنَّ كتكفّئ السفينة في أمواج البحر حتَّى لا ينجو إلَّا من أخذ الله ميثاقه، وكتب الإيمان في قلبه، وأيَّده بروح منه، ولتُرفَعنَّ اثنتا عشرة راية مشتبهة لا يعرف أيّ من أيّ»، قال المفضَّل: فبكيت، فقال لي: «ما يبكيك؟»، قلت: جُعلت فداك، كيف لا أبكي وأنت تقول: «تُرفَع اثنتا عشرة راية مشتبهة لا يعرف أيّ من أيّ»؟ قال: فنظر إلى كوَّة في البيت التي تطلع فيها الشمس في مجلسه فقال: «أهذه الشمس مضيئة؟»، قلت: نعم، فقال: «والله لأمرنا أضوء منها»(6).

ـــــــــــــــــــــــــــــ

(١) بحار الأنوار ٥١: ٢٩/ ح ٢، عن علل الشرائع ١: ١٦١/ باب ١٢٩/ ح ٣.

(٢) بحار الأنوار ٥١: ٣٠/ ح ٧، عن الإرشاد ٢: ٣٨٣.

(3) بحار الأنوار ٥١: ٣٠/ ح ٦، عن الغيبة للطوسي: ٤٧١/ ح ٤٨٩.

(4) بحار الأنوار ٥٢: ٣٦٢/ ح ١٣١، عن الغيبة للنعماني: ٣٠٨/ باب ١٧/ ح ١.

(5) بحار الأنوار ٥٢: ٣٦٢ و٣٦٣ / ح ١٣٣، عن الغيبة للنعماني: ٣٠٨/ باب ١٧/ ح ٣.

(6) بحار الأنوار ٥١: ١٤٧/ ح ١٨، عن الغيبة للنعماني: ١٥٣ و١٥٤/باب ١٠/ح ٩.

المصدر : شذرات مهدوية ـ تأليف: حسين عبد الرضا الأسدي.

 

مواضيع قد تعجبك

Execution Time: 0.0703 Seconds