ما هي صفات أصحاب الإمام المهدي (عج) وهل هم شباب أم كهول ؟

, منذ 6 يوم 170 مشاهدة

الروايات تشير إلى أنّ الغالب من أصحاب الإمام من الشباب ولا يوجد فيهم من الكهول والشيوخ إلاّ نادراً.

روى المجلسي في البحار: (أصحاب المهدي شباب لا كهول، فيهم إلاّ كمثل كحل العين)(1).

عدد قادة أنصار الإمام

روى المجلسي في بحار الأنوار: (فيجمع الله عليه أصحابه، وهم ثلاثمئة وثلاثة عشر رجلاً، ويجمعهم عليه على غير ميعاد فيبايعونه بين الركن والمقام، ومعه عهد من رسول الله (صلى الله عليه وآله) قد توارثته الأبناء عن الآباء)(2).

وفي أغلب الروايات أنّ هذا العدد الذي يبايع الإمام، بين الركن والمقام، هو عدد قادة جيش الإمام (عجّل الله فرجه).

الدلالات والتأمّلات

ولابدّ من أن نشير، قبل أن ندخل في التأملات والدلالات، إلى أنّ اللغة المألوفة وقت صدورها لغة رمزية، فالسيوف هي الأسلحة، والخيول هي مراكب القتال، كما أنّ الوصف بـ (رهبان بالَّليل ليوث بالنّهار) تعبير رمزي ومجازي من العبادة والتهجّد في الليل والشجاعة والجرأة في النهار.

وهذه لغة معروفة لِمَن يألف طريقة التعبير في النصوص والروايات الإسلاميّة، والآن نبدأ بالحديث عن الدلالات والتأمّلات في هذه الروايات.

١ - كنوز ليست من ذهب ولا فضّة

أنصار الإمام كنوز، والكنز هو الثروة المخبوءة يجهل الناس مكانها، وقد يكون الكنز في بيت الإنسان وتحت قدميه أو في أرض مجاورة لبيته أو في مدينته، ولكنّه يجهله وأنصار الإمام كنوز مُخبّأة، قد يكون أحدهم في بيت أحدنا أو بجواره أو في مدينته، وهو لا يعرفه وقد يزدريه، وتحتقره عيون الناس التي لا تعرف أن تنفذ إلى الأعماق لتعرف الكنوز، إنّ هذه البصيرة واليقين والإقبال على الله والشجاعة والجرأة والذوبان في ذات الله التي يتّصف بها هؤلاء لا تتكون دفعة بل كانت موجودة في نفوس هؤلاء الشباب، إلاّ أنّها كانت خافية عن أعين الناس، كما تختفي الكنوز عن العيون.

٢ - القوّة والوعي

يقول تعالى، في صفة عباده الصالحين إبراهيم وإسحاق ويعقوب (عليهم السلام): (وَاذْكُرْ عِبَدَنَا إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ أُوْلِي الاَيْدِي وَالأَبْصَارِ * إِنَّا أَخْلَصْنَاهُم بِخَالِصَة ذِكْرَى الدَّارِ * وَإِنَّهُمْ عِندَنَا لَمِنَ الْمُصْطَفَيْنَ الأَخْيَارِ)(3). وهذا من أروع الوصف.

فإنّه لابدّ للبصيرة من قوّة، ومن دون القوّة تضيع البصيرة وتخمد ولا يحمل البصيرة إلاّ المؤمن القوي، فإذا ضعف فقد البصيرة، ولابدّ للقوة من بصيرة، فإنّ القوّة من دون بصيرة تتحول إلى لجاج وعناد واستكبار، ويصف الله تعالى إبراهيم وإسحاق ويعقوب (عليهم السلام) بأنهم أُولي (الأيدي) و(الأبصار) أي القوّة والبصيرة.

وتُشير النصوص التي قرأنا طائفة منها قريباً أنّ أنصار المهدي (عليه السلام) أولو الأيدي والأبصار.

٣ - الوعي والبصيرة

وتعبير الرواية عن حالة الوعي والبصيرة لدى أنصار الإمام، تعبير عجيب (كالمصابيح كأنّ في قلوبهم القناديل) وهل

يمكن أن يخترق الظلام القنديل؟ قد يحاصر الظلام القناديل ولكنّه لا يستطيع أن يخترقها.

وأنصار الإمام لا ينفذ إلى نفوسهم ووعيهم الشكّ والريب، مهما تكاثفت ظلماتهما ومهما تعاقبت الفتن. لذلك لا يدخلهم الشكّ ولا يتردّدون ولا يتراجعون ولا ينظرون وراءهم إذا مضوا في الطريق، والتعبير في الرواية: (لا يشوبها شكّ في ذات الله) هو أمر غير الشكّ، إنّه خليط من الشكّ واليقين، أو لحظات من الشكّ تخترق حالات اليقين ولا تثبت لليقين الذي يهزمها، وهذا أمر يحصل للكثير من المؤمنين، إلاّ أنّ أنصار الإمام لا يشوب يقينهم شكّ، يقين خالص من دون شائبة من الشكّ والريب.

٤ - عزم نافذ

وهذه البصيرة تمنحهم عزماً نافذاً لا تردّد ولا تراجع فيه، والتعبير عن هذا العزم بـ (الجمر) تعبير رائع ومُعبّر، فإنّ الجمر ينفذ ويخترق ما دام ملتهباً، والتعبير هكذا (أشدّ من الجمر) هو أروع تعبير أعرفه عن نفوذ العزم، ولستُ أدري ما أودعَ الله تعالى في نفوس شباب الطالقان من كنوز الوعي واليقين والعزم والقوّة، فإنّ التعبيرات الواردة في هذا النصّ تعابير غير مألوفة كأنّ الحديث عنهم حديث وَجدٌ وهيام (زُبر الحديد كالمصابيح، كأنّ في قلوبهم القناديل، أشدّ من الجمر، رهبان باللّيل ليوث بالنّهار) وكأنّ النصّ يستفرغ كلّ ما في وسع اللغة لتتمكن من التعبير عن وعي هؤلاء الشباب وبصيرتهم وقوتهم ونفوذ عزمهم.

٥ - القوّة

ويصف النصّ شباب الطالقان بقوة هائلة لا عهد لنا بها في مَنْ نعرف من الشباب. تأمّلوا هذه العبارة: (كأنّ قلوبهم زُبر الحديد).

أرأيت أحداً يتمكّن من أن يصهر أو يكسر أو يلين زُبر الحديد بقبضة يده؟ (لو حملوا على الجبال لأزالوها، لا يقصدون براياتهم بلدة إلاّ خرّبوها كأنّ على خيولهم العقبان).

هذه تعابير عجيبة تُنبئ عن قوة هائلة، وهذه القوة ليست من نوع القوة التي يملكها طواغيت الأرض، وإنّما هي قوة عزم وإرادة وقوّة يقين.

٦ - الاستماتة وحبّ الشهادة

(يدعون بالشهادة ويتمنّون أن يُقتلوا في سبيل الله). إنّ الموت الذي يرعب الشيوخ في التسعينات، وبعد المئة من أعمارهم، وقد فقدوا جميع لذات الحياة وشهواتها...

أقول: إنّ الموت الذي يرعب الشيوخ يهيم به هؤلاء الشباب وهم في غضاضة العمر، وحبّ الشهادة ينبغ من أمرين ويُنتج أمرين في حياة الناس.

أمّا الأمران اللّذان هما مصدر حبّ الشهادة في النفس فهما الإعراض عن الدنيا والإقبال على الله، فإذا كافح الإنسان حبّ الدنيا في قلبه وأزال منه التعلّق والاغترار بها فقد قطع الشوط الأوّل من الطريق وهو أشقّ الشوطين. والشوط الآخر هو أنْ يتعلق القلب بحبّ الله تعالى ويُهيم بذكره وحبّه، وينصرف صاحبه إلى الله تعالى بكلِّ قلبه ووجهه، وهؤلاء لا يهمهم من أمر الدنيا شيء، يعيشون مع الآخرين في الدنيا ويحضرون معهم الأسواق والاجتماعات غير أنّهم غائبون عنها بقلوبهم، ويصدق فيهم الحاضر الغائب، هؤلاء المستميتون الذين يُحبّون الموت الذي يُخيف الناس، ويدعون بالشهادة ويجدون فيها لقاء الله ويشتاقون إليها، كما يشتاق الناس إلى لذاتهم في الدنيا، أو أعظم من شوق الناس إلى لذاتهم من الدنيا.

وقليل من الناس مَن يفهم هؤلاء، أمّا الناس في الغرب فلا سبيل لهم إلى أن يفهموهم.. فهم يصفونهم حيناً بالانتحاريين، والمنتحر هو الذي يملُّ الدنيا وينتهي فيها إلى طريق مسدود، وهؤلاء الشباب يجدون أبواب الدنيا أمامهم مفتوحة، تضحك لهم الدنيا وتظلّل عليهم بكلِّ بهجتها وزينتها وإغرائها. فلم يملّوا الدنيا لم يصلوا فيها إلى طريق مسدود، وإنّما أعرضوا عنها، لأنّهم اشتاقوا إلى لقاء الله، ويصفونهم بالإرهاب، وهؤلاء ليسوا بإرهابيين، ولو قالوا: إنّهم لا يخافون الإرهاب لكانوا أقرب إلى الواقع.

وهذان هما مصدر حبّ الشهادة والقتل في سبيل الله.

أمّا الذي ينتج عن حبّ الشهادة فهو العزم والقوّة، إنّ المُستميت الذي تمكّن من أن يُحرّر نفسه من الدنيا يجد في نفسه من العزم والقوّة ما لا يجده سائر الناس.

وهذان، أي العزم والقوّة، لا علاقة لهما بما في أيدي الناس من الجبهة الاُخرى من أسباب القوّة المادية، من دون أن ننفي ضرورة تلك الأسباب وأهميتها في ظهور الإمام وقرب الفرج.

٧ - تعادل الشخصية

(ليوث باللّيل رهبان بالنهار). من أبرز معالم هذا الجيل التعادل في الشخصية، وهذا سرّ قوّتهم ونفوذهم، تعادل بين الدنيا والآخرة. وتعادل بين القوّة والبصيرة. والله تعالى يحبُّ هذه الموازنة والتعادل، ويكره الإفراط والتفريط والجنوح إلى اليمين واليسار. يقول تعالى: (وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللهُ الدَّارَ الآخِرَةَ وَلاَ تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا)(4).

ويقول تعالى في ما يعلّمنا من الدعاء: (رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً)(5).

ويقول تعالى:

(وَلاَ تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلاَ تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَّحْسُورًا)(6).

ومن هذه الموازنة التعادل بين الخشوع والعبودية لله والتذلّل للمؤمنين والصرامة والقوة مع الكافرين: (أَذِلَّة عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّة عَلَى الْكَافِرِينَ)(7)، ومن هذه الموازنة التعادل بين الاتّكال على الله والجهد والعمل والتخطيط. ويصف أمير المؤمنين (عليه السلام) لهمّام (رحمه الله)، كما في رواية الشريف الرّضي، أطرافاً من هذه الموازنة والتعادل في شخصية (المُتّقين)، فيقول:

(فمن علامة أحدهم أنّك ترى له قوة في دين، وحزماً في لين، وعلماً في حلم، وقصداً في غنى، وتجمّلاً في فاقة، وصبراً في شدّة، يعمل الأعمال الصالحة وهو على وجل، يبيت حذراً ويصبح فرحاً، يمزج الحلم بالعلم، والقول بالعمل، في الزلازل وقور، وفي الرخاء شكور، نفسه منه في عناء، والناس منه في راحة)(8). وهذه الموازنة من الملامح الواضحة في شخصية أنصار الإمام.

٨ - رهبان باللّيل ليوث بالنّهار

وإلى هذه الموازنة تشير الرواية (رهبان باللّيل ليوث بالنّهار). وللّيل والنهار دوران مختلفان في بناء شخصية الإنسان. ولكنّ هذين الدّورين متكاملان يكمّل أحدهما الآخر ولا بدّ منهما معاً في بناء شخصية الإنسان المؤمن الداعية والمجاهد، فلولا قيام اللّيل لم يثبت الإنسان في مواجهة العقبات الصعبة في النهار، ولم يتمكن من مواصلة الحركة على طريق ذات الشوكة في النهار. ولولا حركة النهار لعزل اللّيل صاحبه من القيام برسالة الدعوة إلى الله في وسط المجتمع، وفقد الإنسان دوره الثاني في الحياة الدنيا بعد عبودية الله، وهو الدعوة إلى عبودية الله.

وفي القرآن تأكيد على دور الليل في إعداد الإنسان للدعوة إلى الله واهتمام به. ومن أوائل ما نزل على رسول الله (صلى الله عليه وآله)، في بدء الدعوة والوحي، سورة المُزَّمِّل المباركة التي يدعو الله تعالى فيها نبيّه إلى أن يعدّ نفسه في اللّيل إعداداً لتحمُّل القول الثقيل في النهار.يقول مخاطباً نبيّه: (يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ* قُمِ الَّيْلَ إِلاَّ قَلِيلاً* نِّصْفَهُ أَوِ انقُصْ مِنْهُ قَلِيلاً * أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْءَانَ تَرْتِيلاً * إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلا ثَقِيلاً * إِنَّ نَاشِئَةَ الَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلاً * إِنَّ لَكَ فِي النَّهَارِ

سَبْحًا طَوِيلاً)(9).

والتعبير عن الّليل بالنَّشئة دقيق ومعبّر، فإنَّه ينشئ الإنسان الذي يقيمه إنشاءً ويصنعه صنعاً للأعمال الصعبة ويوطّئ شخصيّته ويعدّها إعداداً للمهام الكبيرة ويقوّم سلوكه. وقوله (قيلاً) يعني تقويماً: (إِنَّ نَاشِئَةَ الَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلاً). وفي خطبة المُتّقين يصف الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) لهمَّام (رحمه الله)، كما في رواية الشريف الرّضي، شطري حياة المُتّقين وهما الّليل والنهار فاستمع إليه:

(أمّا اللّيل فصافّون أقدامهم، تالين لأجزاء القرآن يتلونه ترتيلاً، يحزِّنون به أنفسهم يستثيرون به دواء دائهم، فإذا مرّوا بآية تشويق ركنوا إليها طمعاً وتطلّعت نفوسهم إليها شوقاً، وظنّوا أنّها نصب أعينهم. وإذا مرّوا بآية فيها تخويف أصغوا إليها مسامع قلوبهم.

أمّا النّهار فحلماء علماء أبرار أتّقياء، قد براهم الخوف بري القداح، ينظر إليهم الناظر فيحسبهم مرضى وما بالقوم من مرض، ويقول: لقد خُولطوا ولقد خالطهم أمر عظيم).

إنّ اللّيل والنّهار شطرا حياة الإنسان وهما يتكاملان، ولليل رجال ودولة وللنّهار رجال ودولة، ورجال النهار تنقصهم دولة اللّيل، ورجال اللّيل تنقصهم دولة النّهار في الدّعوة إلى الله وإقامة الحقّ وتعبيد الناس لله، وأنصار الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) رجال اللّيل والنّهار، وآتاهم الله دولة اللّيل والنّهار.

 

سمة العبيد من الخشوع عليهم * * * لله إن ضمّتهم الأسحار

فإذا ترجّلت الضحى شهدت لهم * * * بيض القواضب أنّهم أحرار

 

ولولا أنّهم رجال دولة اللّيل لم يتمكّنوا من مواجهة طغاة الأرض بمفردهم، ولولا أنّهم رجال النّهار لم يتمكّنوا من تطهير الأرض من لوثة الشّرك وإقامة التوحيد والعدل على وجه الأرض، ولو لم يكونوا من رجال النّهار لم يحكّموا التوحيد والعدل في حياة الناس. ولو لم يكونوا من رجال اللّيل لأخذهم الغرور وشطّ بهم عن الصّراط المستقيم.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) بحار الأنوار ٥٢: ٣٣٤.

(2) بحار الأنوار ٥٣: ٢٣٨ و٢٣٩.

(3) سورة ص: ٤٥ - ٤٧.

(4) القصص: ٧٧.

(5) البقرة: ٢٠١.

(6) الإسراء: ٢٩.

(7) المائدة: ٥٤.

(8) نهج البلاغة، مقتطفات من خطبة المتّقين ج٢ / ١٦٤ شرح محمّد عبده.

(9) المُزَّمِّل: ١ - ٧.

المصدر : الانتظار الموجّه (دراسة في علاقة الانتظار بالحركة وفي علاقة الحركة بالانتظار) ـ تأليف: الشيخ محمد مهدي الآصفي (رحمه الله).

مواضيع قد تعجبك

Execution Time: 0.0523 Seconds