العدل في دولة الإمام المهدي (عليه السلام)

, منذ 2 سنة 2K مشاهدة

يمكن أن ننطلق في فهم هذا الموضوع من المنطلقات الأولية الواضحة في العقيدة الإسلامية، والتي تجعل من قضية الإمام المهدي عجل الله فرجه قضية مركزيّة ورئيسة في هذا الفهم الإسلامي للحياة ولهذا الوجود.
وهي ترتبط بالعنوان الرئيس لقضية الإمام المهدي عجل الله فرجه، فنحن إذا أردنا أن نتأمل في قضية الإمام المهدي عجل الله فرجه تأمّلاً دقيقاً نجد أنّ النقطة المركزية والعنوان الرئيس لقضية الإمام المهدي عجل الله فرجه هي قضية العدل.
ولذلك عندما يُتحدث عن الإمام المهدي عجل الله فرجه يقال عنه أنه يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً، وهذه هي المهمّة الرئيسة التي يقوم بها الإمام المهدي عجل الله فرجه. 
فالإمام المهدي لا يأتي بدين جديد؛ لأنّ دينه هو دين خاتم الأنبياء محمّد صلى الله عليه وآله، صحيح أنّ هذا الدين قد يبدو غريباً في آخر الزمان، كما ورد في الروايات، (١) ويصبح غريباً على الناس في آخر الزمان، ولكنه على كل حال هو دين ذلك الرسول، والإمام المهدي عجل الله فرجه هو أطروحة ترتبط بالرسالة الخاتمة للنبي الخاتم، فلا يأتي بدين جديد ولا يأتي بشريعة جديدة، فمن هذه الناحية لا يوجد شيء جديد فيما يتعلّق بقضية الإمام المهدي عجل الله فرجه.
وإذا أخذنا بنظر الاعتبار حقيقة من الحقائق القرآنية، وهي أن الرسالة الإسلامية هي رسالة كاملة (الْيوم أَكْملْت لَكُم دينكُم وأَتْممت علَيكُم نعمتي ورضيت لَكُم الإِسلام دينا) (٢) فهذه الرسالة ليس فيها نقص، وإنّما هي رسالة كاملة بكل خصوصياتها فالإمام المهدي صلوات الله عليه لا يأتي بدين جديد ولا يكمّل رسالة ناقصة، فالرسالة هي أيضاً قائمة.
وإذا كان الحديث في تفاصيل هذه الرسالة، فإن الذي يتحمّله أئمّة أهل البيت سلام الله عليهم في تفاصيلها، في مصاديقها، في تطبيقاتها، في مواردها فهو أيضاً ليس أمراً مختصاً بالإمام المهدي عجل الله فرجه، بل هذا أمر قام به الإمام علي (عليه السلام) وقام به الإمام الحسن (عليه السلام)، وقام به الإمام الحسين (عليه السلام)، وقام به الإمام زين العابدين، وهكذا... يعني أن كل الأئمّة كانوا يقومون بمثل هذا الدور، الذي هو دور تطبيق الرسالة الإسلامية على مصاديقها الخارجية الجديدة واستنباط هذه المفاهيم الإسلامية لتطبيقها على هذه المصاديق، استنباطاً ليس كاستنباط لمجتهدين، وإنّما هو استنباط الاستنطاق كما يعبّر عنه الإمام علي (عليه السلام) حيث يقول: «ذلك القرآن فاستنطقوه»(3) يعني استنباطاً يأخذ الحقائق المطلقة التي لا يعتريها شك ولا يعتريها ريب ولا يعتريها احتمال آخر، ويطبّقونها على مصاديقها الخارجية. 
مثل هذه العملية أيضاً قد يمارسها الإمام المهدي عجل الله فرجه ولكنها ليس عملية مختصّة بالإمام المهدي عجل الله فرجه، وإنّما هي عملية مارسها جميع أئمّة أهل البيت عليهم السلام، وبالتالي فالإمام المهدي عجل الله فرجه باعتباره إماماً من أئمّة أهل البيت عليهم السلام يقوم بمثل هذه العملية، ولكن لا يتميّز في هذا الأمر.
وأيضاً قضية الإمام المهدي سلام الله عليه ليست هي مجرّد إقامة حكومة صالحة حقّة، حكومة تكون إلهيّة شرعيّة مرتبطة بالسماء، فإنّ هذا الأمر أيضاً ممّا وقع خارجاً على أقل تقدير من النبي صلّى الله عليه وآله في زمن النبي، وأيضاً من الإمام علي (عليه لسلام) في فترة حكم الإمام علي (عليه السلام)، هذا على أقل تقدير طبعاً، وإلا فوجود هذه الحكومة الآن المباركة، الحكومة الصالحة حكومة ولي الأمر، حكومة إمام العصر، حكومة صاحب الزمان، حكومة العلماء الربّانيين، حكومة العلماء المجتهدين، أيضاً هي حكومة صالحة وصحيحة وتنطبق عليها، لكن لو تعدّينا أي فرضية أخرى وفرضنا أن هذه الحكومة الصالحة هي حكومة قائمة في زمن النبي صلّى الله عليه وآله وزمن الإمام علي (عليه السلام).
فالإمام المهدي عجل الله فرجه إذا أراد أن يقيم مجرّد حكومة صالحة، حكومة شرعيّة، فإن هذا أيضاً ليس أمراً مختصّاً بالإمام المهدي عجل الله فرجه، وإنّما يكون من الأمور التي وقعت قبل ذلك كما وقع لرسول الله ووقع للإمام علي (عليه السلام).
إذاً نرجع مرّة أخرى لنقول بأن الخصوصية الموجودة في الإمام المهدي عجل الله فرجه ليست هي المجيء بدين جديد _ نعوذ بالله _ لأنّ هذا الدين هو دين رسول الله خاتم الأنبياء «وَلا نَبي بعدي» وليست إكمال الدين لأنّ الدين قد أكمل في زمن رسول الله صلّى الله عليه وآله، وليست هي مجرّد إيجاد تطبيقات جديدة، لأنّ هذا أيضاً مماّ صنعه أئمّة أهل البيت (عليهم السلام)، وليست مجرّد إقامة حكومة شرعية صالحة، لأن هذا أيضً مّما وقع قبل الإمام المهدي عجل الله فرجه، طبعاً أنا أؤكّد على هذه النواحي من أجل أن تتّضح الأفكار، لأنّ بعض الناس قد تشتبه عليه مهمّة المهدي سلام الله عليه في هذه الأمور، ويتصوّر أن قضية الإمام المهدي عجل الله فرجه مرتبطة بهذه الأمور. 
قضية الإمام المهدي عجل الله فرجه هي قضية العدل المطلق، يعني كمال العدل الإلهي في حركة الإمام المهدي عجل الله فرجه، هذا الشيء هو الذي لم يتحقّق في أيّ زمان وفي أيّ عصر من العصور، أن تكون هناك حكومة صالحة وهذه الحكومة تكون متمكّنة من الأرض وتطبّق العدل على جميع الأرض وفي كل مناحي الأرض.
وهذا هو الوعد الإلهي الذي وعد الله سبحانه وتعالى به نبيّه في القرآن الكريم على أنّه يتم في الأمة الخاتمة (وعد اللَّه الذَّين آمنوا منكُم وعملُوا الصالحات لَيستَخْلفَنهم في الأَرضِ كَما استَخْلَف الَّذين من قَبلهِم) ثم قال: (ولَيمكِّنن لَهم دينهم الذَّي ارتَضى لَهم) (5).
إذا كانت القضية مجرد الاستخلاف فهذا الاستخلاف كان من قبل أيضاً (كَما استَخْلَف الذَّين من قَبلهِم) لكن القضية هي أن يمكننّ لهم دينهم، الذي ارتضى، أي يصبح هذا الدين ديناً متمكّناً تمكّناً كاملاً، ثم، (ولَيبدلَنهم من بعد خوفهِم أَمناً يعبدونَني لا يشرِكُون بِي شيئا) (6)، هذا الأمر هو الأمر الموعود الذي يعبّر عنه القرآن الكريم أيض اً بظهور الدين، بظهور الإسلام على الدين كله.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1. عبون أخبار الرضا 1/٢١٨، إكمال الدین وإتمام النعمة: ٦٦.
2. المائدة: 3.
3. نھج البلاغة: ٢/٥٤، الكافي: ١/61 الحديث ٧.
4. الاحتجاج: 2/ ٢٥٢، الخرائج والجرائح: ٣/ ٩١. 
5. النور: 55. 
6. النور: 55.
السید محمد باقر الحكیم / فھم حركة الإمام المھدي، بتصرف

مواضيع قد تعجبك

Execution Time: 0.0612 Seconds