نجد بعض الروايات قد تحدَّثت عن هذا المجتمع من حيث كلّ الخصوصيات التغييرية يصنع على عين الإمام وحركة الإمام، ولذلك فإنَّ أوّل شيء يقوم به الإمام (عليه السلام) هو الوصول إلى العراق، ويؤسّس في العراق هذه الدولة، وسيكون مقرّ الدولة الكوفة.
حتَّى أنَّها تحدَّثت عن الكوفة، وعن علاقة الكوفة بهذه القيادة، تقول: «ويكون أسعد الناس به أهل الكوفة»(1)، إشارة إلى العراق؛ والروايات عندما تتحدَّث عن الكوفة فهي تعني العراق ككلّ وعموماً، أي بالشكل العامّ.
وعندما تتحدَّث عن العراق تقول: «أسعد الناس به أهل الكوفة»، ولم تقل الرواية: (أفرح الناس)، أي أكثر فرحاً، بل هم أكثر سعادةً، لأنَّ هذا الشعب تحمَّل الكثير من أجل الإمام (عليه السلام)، وتحمَّل الكثير من أجل أهل البيت (عليهم السلام)، فيكون حينئذٍ محل اقتطاف تلك الثمرة فلذلك يكون الناس سعداء، بمعنى مرتاحين من جميع الجوانب: الحضارية، والمدنية، والثقافية، والسياسية، والعسكرية، وكلّ الجوانب التي ترتبط بحياة الإنسان، وحينها تتوفَّر أحسن سبل الراحة في العراق وفي عصر الإمام (عليه السلام).
ولذلك نجد الإنسان في العراق سوف يتغيَّر من حالة الهزيمة والتعب، والمرارة، والعذاب، والشقاء إلى مجتمع مثالي.
عاصمة الدولة المهدوية:
المجتمع المهدوي يختلف عن باقي المجتمعات بخصوصيّات لم تتوفَّر قبل الظهور، وإنَّما تكون هذه الخصوصيات قد توفَّرت بعد ظهوره (عليه السلام)، فعندما تتوفَّر السبل العمرانية والحضارية فبطبيعة الحال يكون ذلك سبباً للهجرة، فعلى سبيل المثال عندما جاء النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) إلى المدينة المنوَّرة كان يقطنها الأوس والخزرج وبعض اليهود في مناطق وحصون بعيدة عن داخل المدينة، أي إنَّ المدينة المنوَّرة كانت قرية صغيرة؛ أمَّا مكّة فكانت تسمّى اُمّ القرى، لأنَّ فيها كلّ وسائل الراحة التي تجبى من الشام، وتجبى من اليمن، ومن حضارات الدنيا من الفرس والروم، وما إلى ذلك، ولكن بعدما جعل الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) المدينة المنوَّرة عاصمة له حينها بدأت الهجرة إليها من باقي المناطق حتَّى أهل مكّة أنفسهم قد هاجروا إليها لتوفّر وسائل الراحة، ولذلك صار المهاجرون من حيث الكمّ والنفوس العدد الأكبر بالنسبة إلى سكّان المدينة والتنوّع من جميع العرقيات، حتَّى تجد الرومي قد سكن المدينة.
وفي عصر الإمام وعندما يكون العراق، وتكون الكوفة عاصمة الإمام وتتوفَّر في هذه العاصمة كلّ وسائل الراحة وتطوّرات المدنيّة، فحينئذٍ يكون الحضور والهجرة بكثرة بحيث تعبّر تلك الرواية عن الإمام الصادق (عليه السلام) يقول: «إذا قام قائم آل محمّد (عليهم السلام) بنى في ظهر الكوفة مسجداً له ألف باب واتّصلت بيوت الكوفة بنهر كربلاء»(٢).
يعني أنَّ الدنيا سوف تهاجر إلى هذه المنطقة، وسوف يعمّرها المهدي، وتعمّر في عصر قبل المهدي، ولكن يتمّ التعمير الأعظم عندما يظهر بقية الله.
وهذا التطوّر في هذه المنطقة بالخصوص - وهي العراق - سوف يكون حقّاً أسعد الناس به أهل الكوفة، يعني أهل العراق، لما يظهر في هذه المنطقة من تطوّر كبير، والحديث طويل جدّاً.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) بحار الأنوار ٥٢: ٣٩٠/ ح ٢١٢.
(٢) بحار الأنوار ٥٢: ٣٣٧/ ح ٧٦، عن الإرشاد ٢: ٣٨٠.
أضواء على دولة الإمام المهدي (عليه السلام) ـ تأليف: السيّد ياسين الموسوي
موقع ديني مختص في مسائل الإمام المهدي (عج) تابع لشعبة البحوث والدراسات - ق. الشؤون الدينية - الأمانة العامة للعتبة الحسينية المقدسة