هل الإمام المهدي (عج) قائد سياسي أو صاحب مقام إلهي ؟

, منذ 2 سنة 359 مشاهدة

المعنى الصحيح للغيبة والإمامة

الغيبة إذ يعني (خفاء الهوية) وليس (عدم الوجود) أو إقصاء الوجود ونأي الديار كما هو متبادر في أذهان الكثيرين حتى الوسط العلمي، وهذه غفلة قد يكون أوجدها ظهور بعض الروايات، لأنّ الغيبة تكون مقابل الظهور، والظهور يقابله الخفاء لا العدم.

الغيبة إذن تعني خفاء الهوية والنشاط والحركة وتشخيص الشخص لا نأي الديار والجمود والقعود، ويوصف (عليه السلام) بهذا الوصف الذي تعرفون _ قاف ألف همزة ميم _.

الثاني: إمامة أهل البيت عليهم السلام وإمامة المهدي عجل الله فرجه أيضاً، فليس معناها الإمامة السياسية بشكلها الضيق من أشكال الدور السياسي وهي الرئاسة أو القيادة السياسية المعلنةً فقط.

وأنتم إذا ذهبتم إلى البرزخ تُسألون عن إمامة أهل البيت عليهم السلام، فلا يتبادر إلى ذهنكم عند سؤال منكر ونكير أّنها بمعنى الرئاسة الاجتماعية فقط، حتى بلحاظ علو درجاتهم في الآخرة، بل بمعنى نوع من المناصب الإلهيّة الذي يوجب الارتباط بين البشر والباري تعالى، نوع ارتباط تكويني ملكوتي.

هذه هي أعلى مقامات الإمامة، وأول معنى من معاني الإمامة التي يجب أن يتدين به المرء والفرد المؤمن، والإمامة السياسية بشكلها المعلن أحد شؤون الإمام النازلة، وإلاّ فانّ للإمام أدواراً سياسية خفية جدا، وأدواراً اجتماعية واقتصادية وروحية أيضاً لكن لا يسع الوقت لتبيانها بشكل مفصل.

إذن الإمامة وإن ذكرها متكلمو الشيعة في الكثير من كتبهم وتعرف بأّنها رئاسة اجتماعية دينية أو رئاسة سياسية اجتماعية ويلحقون بالتعريف: ويكون حافظاً للدين والديانة للناس، ويكون حفظ الدين في الواقع

بالارتباط مع المقام الملكوتي للإمام، فإنّه سبب ملكوتي متصل بين الأرض والسماء.

معنى الإمامة إذن منصب إلهي ملكوتي يخلف النبي والرسول صلى الله عليه وآله وإن لم تكن حقيقتها نبوة ورسالة، لكنها سنخ آخر من أنواع الارتباط الغيبي.

وقد حدثنا القرآن الكريم بنماذج كثيرة من هذا القبيل نظير، مريم بنت عمران التي كان يجيئها وحي غير نبوي، ويخاطبها جبرئيل وتخاطبها الملائكة، ويخاطبها الله عزّوجل وحياً مباشراً بلا واسطة حتى جبرئيل: (قَالَتْ رَبِّ أَنَّىٰ يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ ۖ قَالَ كَذَٰلِكِ اللَّهُ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ) (1)، وذي القرنين وطالوت وآصف بن برخيا صاحب سليمان في سور النمل: (قَالَ الَّذِي عِندَهُ عِلْمٌ مِّنَ الْكِتَابِ) (2)، ولم يقل القرآن الكريم وقال نبي، وقال رسول الله، هذا العلم من الكتاب يؤهله للارتباط بعرش الله وبما وراء الغيوب.

قنوات الغيب في القرآن الكريم إذن غير محصورة بالنبوة والرسالة أبداً، ومن يقصر ويحصر قنوات الغيب والارتباط بالغيب بهما فلابد أن يشطب على كثير من سور القرآن. الإيمان بالكتاب كله إذن يلجئنا للإيمان بوجود ارتباط غيبي بقنوات أخرى غير قنوات النبوة والرسالة، وهي قناة الإمامة

والاصطفاء والحُجية، كما أشار القرآن الكريم إلى ذلك في آية التطهير لأهل البيت عليهم السلام وربط التطهير فيها بهذه الآيات من سورة الواقعة: (فَلا أُقْسِمُ بِمَواقِعِ النُّجُوم *وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظيم *إِنَّهُ لَقُرآنٌ كَرِيم) (3).

ماذا يريد أن يبرهن الباري بهذا القسم العظيم؟

يقول: (إِنَّهُ لَقُرآنٌ كَرِيم * فِي كِتابٍ مَكْنُون) القرآن له ظرف آخر علوي ملكوتي، في كتاب مكنون في _ كن _ يعني محفوظ لا يصل إليه أحد الاّ المطهرون، ولم يعبّر الباري تعالى ب (الاّ المتطهرون) مما يدلل على انّ هذا الكتاب العلوي الغيبي لا يصل إليه الاّ أناس ذواتهم مطهرة، أي ذوو عصمة ذاتية مشروطة في آية التطهير من قبل الله، لا اّنهم يتطهرون.

ومن أين نقول بأنّه علم غيبي؟

الجواب: بالآية الكريمة نفسها، أنظروا إلى الترسيم القرآني: (تَنزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ) يعني هذا الكتاب «القرآن الكريم» في كَن علويّ غيبي ملكوتي لا يرتفع إليه وإلى الغيب والملكوت الاّ المطهرون.

وهذا هو حديث الثقلين في هذه الآية من سورة الواقعة كما أفصح بذلك صادق آل محمد صلوات الله عليه والأئمة عليهم السلام: الثقل الأول: هو الكتاب العلوي حيث لا نظن انّ القرآن هو القرآن المنزل فقط، وإن كان مقدساً وعظيماً فللقرآن وجودات هو ينادي بها، بل هو قرآن كريم، في لوح محفوظ (ا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ، تَنزِيلٌ مِّن رَّبِّ الْعَالَمِينَ) (4).

بعد ذلك يضيف الباري تعالى في ذيل الآية: (أَفَبِهَٰذَا الْحَدِيثِ) هذا الذي قد قسم عليه الباري (أَنتُم مُّدْهِنُونَ) ترتابون؟

انّ أسّ معرفة إمامة أهل البيت إذن والتي بدونها تكون معرفتنا ضلالاً ونقصاً هو كون الإمام مرتبطاً بالغيب ارتباطاً متواصلاً ومستمرا ، وليست له قيادة سياسية ظاهرة معلنة فقط، بل هذه أدنى شؤون الإمامة النازلة.

هذه معارف يجب علينا أن نعتنق ونعتقد بها، وبحمد الله كلنا معتقدون بها ارتكازاً، ولكن يجب أن نلتفت إليها بشكل أكثر بسطاً وتفصيلا.

انّ إحدى المعارف المطروحة في مذهب أهل البيت عليهم السلام هي ما جاء في زيارة الحجة

حيث نقول: «أتولى آخركم بما تولّيت به أولكم» (5).

ويعني أنّ الارتباط بالغيب حقيقة متصلة عند أئمة أهل البيت عليهم السلام، كما كان النبي صلى الله عليه وآله مرتبطاً بالغيب بقنوات عديدة لأنّه سيد البشرية ومرتبط بقناة النبوة والإمامة، هذا الارتباط بالغيب لم ينقطع منذ نزول آدم إلى المهدي الخاتم عجل الله فرجه.

لماذا ورد أنّ المنكر لأحدنا كالمنكر لجميعنا، وكمن أنكر النبي صلى الله

عليه وآله؟

النكتة هي أنّ هذا الارتباط بالغيب إذا أٌنكر في قطعة من قطع الزمان فانّه يدل على أنّ معرفة الشخص بالأئمة معرفة ناقصة، كأن يعرف علي بن أبي طالب رئيسا للدولة، وإنّه نُصّب من قبل السماء لرئاسة المجتمع، وهذه معرفة ناقصة وليست معرفة بالإمامة. معرفة الإمام تعني انّه لا يمكن للبشر أن يُقطع عنهم الاتصال بالغيب والباري تعالى، ولا يمكن أن تُقطع يدا الرحمن يعني تصرفه، فقد قالت اليهود (يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ)(6)؛ ف (يد) تعني التصرف، والاّ فانّ الله عزّوجل ليس بجسم له يد وجارحة وأصابع وما شابه، جل الباري عن أن يوصف بالجسمية، والجسم محدود وهذه صفات المخلوقين العاجزين، فعندما يقال: (غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا ۘ بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ)

فإنّه يعني انّ تصرفه في المجتمعات البشرية موجود دائما، ومن ثمّ يكون أحد ألقاب الإمام المعصوم (يد الله) (7) يعني مظهر تصرف الله عزّوجل في خلقه، حينئذ من أنكر أحدنا فكأنّما أنكر الأئمة جميعاً وأنكر النبي صلى الله عليه وآله (8)، لأنّه يدل على أنّ معرفته بالأئمة ناقصة، وهي أنّ الإمام قائد سياسي غاية الأمر إنّه مرشح من قبل السماء.

في عيد الغدير وغيره عندما نتعايد بولاية أهل البيت وولاية أمير المؤمنين (عليه السلام) يجب في الواقع أن نتعايد أيضاً بأنّ الولاية بيد المهدي من آل محمد

صلى الله عليه وآله أي إنّ من يشكّل الآن حلقة الوصل والربط بين البشر حينئذ تكون وعالم الغيب والباري تعالى هو المهدي من آل محمد (عليه السلام) حيث تكون معرفة الإمامة، هذه بداية لمعرفة إمامة المهدي (عليه السلام).

  1. مریم: ٢٠.
  2. النمل: ٤٠.
  3. الواقعة: 75-77.
  4. الواقعة: 78-79.
  5. راجع كامل الزیارات لابن قولویه: ٥١٩.
  6. المائدة: ٦٤.
  7. عن أمیر المؤمنین (عليه السلام) قال: «... انا عین لله، وانا ید لله» راجع كتاب الكافي ج1، ص١٤٥، ح ٨ «باب النوادر».

الشيخ محمد السند، محاضرات حول الإمام المهدي، ص13-19.

 

مواضيع قد تعجبك

Execution Time: 0.1106 Seconds