الانتظار في الفكر المهدوي ليس مجرد تمني أو قعود عن العمل، بل هو أعلى درجات العمل الإيماني، وسلوكٌ عملي وروحي يربط الفرد بالمشروع الإلهي.
فالمؤمن الحقيقي لا ينتظر الإمام بصمت، بل يُعدّ نفسه والمجتمع ليكونوا جاهزين لاستقبال الحق، ويصنعون شروط ظهوره بنشاطهم وإصلاحهم الذاتي والاجتماعي.
قال الإمام الصادق (ع):
«من سرّه أن يكون من أصحاب القائم فلينتظر، وليعمل بالورع ومحاسن الأخلاق».
أولًا: معنى الانتظار البنّاء
الانتظار البنّاء هو حالة من التهيؤ الروحي والعقلي والاجتماعي، تتجسد في:
الإصلاح الذاتي: تحسين الأخلاق، وترك المعاصي، والتمسّك بالفرائض والواجبات.
التربية المعرفية: فهم صحيح لمفهوم الإمام والغيبة والظهور، ونشر المعرفة بين الناس.
العمل المجتمعي: إصلاح المجتمع، مساعدة المحتاجين، ونصرة الحق في كل ميادين الحياة.
ثانيًا: الفرق بين الانتظار البنّاء والانتظار السلبي
إن المنتظر البنّاء هو جنود الإمام قبل ظهوره، الذين يزرعون القيم الإيمانية والاجتماعية، ويهيئون الأرضية لدولته المباركة.
ثالثًا: وسائل الانتظار البنّاء
الورع والتقوى: المحافظة على حدود الله والابتعاد عن الظلم والفساد.
الإصلاح الاجتماعي: العدل بين الناس، وحل النزاعات، ومساعدة المستضعفين.
نشر الوعي والمعرفة المهدوية: تعليم الناس عن الإمام وأهدافه، وتعميق ولائهم له.
الاستعداد العسكري والمعنوي: التحضير لدعم دولة العدل عند ظهوره، ولو بسهم رمزي.
قال أبو عبد الله (عليه السلام): « ليعدن أحدكم لخروج القائم ولو سهما ».
وهذا يشير إلى أن الاستعداد لأي شكل من أشكال النصر مشروع وواجب.
رابعًا: البعد الروحي للانتظار
الانتظار البنّاء هو ثورة على اليأس، فهو يبقي شعلة الأمل مشتعلة رغم طول الغيبة وصعوبات الزمان.
فالمنتظر الصادق يربط عمله اليومي بالوعد الإلهي، ويعيش حالة تواصل روحي مستمر مع الإمام من خلال الدعاء، والذكر، والنية الصادقة.
خامة: أثر الانتظار البنّاء على المجتمع
الانتظار البنّاء يخلق مجتمعًا مؤمنًا قويًا، واعيًا، قادرًا على مواجهة الظلم والانحراف، ويضمن أن تكون دولة الإمام المهدي مليئة بالعدل والتقوى منذ بدايتها.
إنه يربط الفرد بالمجتمع ويحوّله من مجرد متفرج إلى فاعل في بناء الدولة الإيمانية.
الخاتمة
الانتظار البنّاء هو أعلى درجات العبادة والعمل معًا.
هو استثمار روحي وفكري وعملي، يجعل من المؤمن ركيزة لبناء دولة العدل الإلهية.
فالمنتظر الصادق ليس قاعدًا على الطمأنينة، بل يحرك المجتمع ويصنع أثرًا حقيقيًا في الأرض حتى يفرج الله عن العالم بالإمام المهدي (عج).
اللهم اجعلنا من المنتظرين العاملين، لا من القاعدين الغافلين، ووفقنا لأن نكون من أنصاره وأعوانه والمستشهدين بين يديه.
موقع ديني مختص في مسائل الإمام المهدي (عج) تابع لشعبة البحوث والدراسات - ق. الشؤون الدينية - الأمانة العامة للعتبة الحسينية المقدسة