إن عناصر الإمام المنتظر (عليه السلام) وصفاته النفسية مشابهة تماماً لصفات آبائه الأئمة الطاهرين (صلوات الله عليهم وعليه) ، الذين هم من عناصر الرحمة والإشراق في الأرض، فقد خلقهم الله أنواراً، هداية لعباده وإرشادا لخلقه، وأدلاء على مرضاته، وطاعته، ومن بين مثله العليا، وصفاته الرفيعة:
١ - سعة علومه:
والشيء المحقق أن الإمام المهدي (عليه السلام) من أوسع الناس علماً، ومن أكثرهم دراية وإحاطة بجميع أنواع العلوم والمعارف فهو من ورثة علوم جده رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ومن خزنة حكمته ومن بين علومه إحاطته الكاملة بأحكام الدين وشؤون شريعة جده سيد المرسلين وقد أدلى الأئمة الطاهرون بسمو مكانته العلمية قبل أن يخلق استمعوا إلى أقوالهم.
١ - قال الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) في صفته"هو أوسعكم كهفاً وأكثركم علماً وأوصلكم رحماً"(1).
٢ - روى الحرث بن المغيرة النضري قال قلت لأبي عبد الله الحسين بن علي (عليه السلام) بأي شيء يعرف المهدي قال: "بمعرفة الحلال والحرام، وبحاجة الناس إليه ولا يحتاج إلى أحد"(2).
٣ - قال الإمام أبو جعفر الباقر (عليه السلام): "فيكون هذا الأمر أي الحكم - في أصغرنا سناً وأجملنا ذكراً، ويورثه الله علما ولا يكله إلى نفسه"(3).
٤ - قال الإمام أبو جعفر الباقر (عليه السلام)"إن العلم بكتاب الله عز وجل وسنة نبيه ينبت في قلب مهدينا كما ينبت الزرع على أحسن نباته فمن بقي منكم حتى يراه، فليقل حين يراه: السلام عليكم يا أهل بيت الرحمة والنبوة ومعدن العلم وموضع الرسالة(4).
وقد ورد عن سعة علومه ومعارفه أنه: "إذا ظهر (عليه السلام) يحاجج اليهود بأسفار التوراة فيسلم أكثرهم "(5).
وكان (عليه السلام) المرجع الأعلى للعالم الإسلامي في أيام الغيبة الصغرى فقد كان نوابه الأربعة يرفعون إليه المسائل التي يسأل المسلمون عن أحكامها فيجيبهم عنها وقد حفلت موسوعات الفقه والحديث بالكثير من أجوبته وإليها يستند فقهاء الإمامية فيما يفتون به من الأحكام ومن الجدير بالذكر أن الشيخ الصدوق نضر الله مثواه قد احتفظ بالقسم الكثير من تلك الفتاوى المكتوبة أجوبتها بخطه الشريف.
٢ - زهده:
أما أئمة أهل البيت (عليهم السلام) فقد تشابهت سيرتهم في جميع مجالاتها الفكرية والعملية والتي منها (الزهد في الدنيا) والرفض الكامل لجميع لذائذها ومباهجها فلا تكاد تقرأ سيرة أحد منهم إلا وتجد البارز فيها الإعراض عن الدنيا فقد طلق سيد العترة وباب مدينة علم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) الدنيا ثلاث مرات لا رجعة له فيها وعلى هذا المنهج المشرق سار أبناؤه وأحفاده الأئمة الطيبون الطاهرون وقد أثرت جمهرة من أحاديث الأئمة الطاهرين في زهد الإمام المنتظر (عليه السلام) قبل أن يولد وهذه بعضها:
١ - روى معمر بن خلد عن الإمام أبي الحسن الرضا (عليه السلام) أنه قال: "وما لباس القائم (عليه السلام) إلا الغليظ وما طعامه إلا الجشب)(6).
٢ - روى أبو بصير عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنه قال: "ما تستعجلون بخروج القائم فوالله ما لباسه إلا الغليظ وما طعامه إلا الشعير الجشب (7).
٣ - روى كل من علي بن أبي حمزة ووهب عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنه قال بحق الإمام المنتظر (عليه السلام): (ما لباسه إلا الغليظ وما طعامه إلا الجشب)(8).
ومن المحقق أن هذه سيرته في جميع مجالات حياته ولو لم يكن سلوكه بهذا النحو المشرق لما اختاره الله تعالى للقيام بأعظم دور إصلاحي في جميع فترات التاريخ، فهو الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً بعدما ملئت ظلماً وجوراً وينقذ الإنسانية من غطرسة الحاكمين، ويوزع خيرات الله على جميع البؤساء والمحرومين.
٣ - صبره:
وظاهرة أخرى من نزعات الإمام المنتظر (عليه السلام) وصفاته النفسية الصبر وهو من أعظم الأئمة الطاهرين (عليهم السلام) محنة وأشدهم بلاء فهو يرى في هذه الفترات الطويلة من الزمن الأحداث الجسام التي داهمت العالم الإسلامي ومزقت أشلاءه ووقعت الأمة بجميع شرائحها صريعة بأيدي المستعمرين والكافرين فأشاعوا فيها الباطل والجور وعطلوا أحكام الله وحدوده ونهبوا ثروات الأمة وتحكموا في قضاياها ومصيرها وكل هذه الأحداث بمرأى من الإمام ومسمع وقد نخر الحزن قلبه فإنه بحكم قيادته الروحية والزمنية وأبوته العامة لهذه الأمة يتحرق ألما على جميع ما يحل بها من الخطوب والنكبات وقد خلد (عليه السلام) إلى الصبر وفوض جميع أموره وشؤونه إلى الله تعالى فبيده مقاليد الأمور وهو الحاكم المطلق في عباده، وليس لغيره أي حكم أو رأي.
٤ - عبادته:
والشيء المحقق أن عبادة الإمام المنتظر (عليه السلام) كعبادة آبائه الأئمة الطاهرين الذين وهبوا حياتهم لله تعالى وسرى حبه في أعماق قلوبهم ودخائل نفوسهم وقد قطعوا معظم حياتهم صائمين في نهارهم قائمين في لياليهم قد أحيوها بالصلاة والدعاء والابتهال إلى الله تعالى وقد نقل الرواة جمهرة من أدعيته الشريفة التي كان يدعو في بعضها في قنوته بصلاته، وبعضها في غيرها وهي تنم عن مدى تعلقه بالله تعالى وانقطاعه إليه وفيما يلي:
بعض تلك الأدعية:
دعاؤه في قنوت صلاته:
كان (عليه السلام) يدعو بهذا الدعاء الشريف في قنوت صلاته وهذا نصه:
"اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء بيدك الخير إنك على كل شيء قدير يا ماجد يا جواد يا ذا الجلال والإكرام يا ذا البطش الشديد يا فعال لما يريد يا ذا القوة المتين يا رؤوف يا رحيم يا حي حين لا حي أسألك باسمك المخزون المكنون الحي القيوم الذي استأثرت به في علم الغيب عندك ولم يطلع عليه أحد من خلقك وأسألك باسمك الذي تصور به خلقك في الأرحام كيف تشاء وبه تسوق إليهم أرزاقهم في أطباق الظلمات من بين العروق والعظام وأسألك باسمك الذي ألفت به بين قلوب أوليائك وألفت بين الثلج والنار لا هذا يذيب هذا ولا هذا يطفئ هذا.
وأسألك باسمك الذي كونت به طعم المياه وأسألك باسمك الذي أجريت به الماء في عروق النبات بين أطباق الثرى وسقت الماء إلى عروق الأشجار بين الصخرة الصماء وأسألك باسمك الذي كونت به طعم الثمار وألوانها وأسألك باسمك الذي به تبدي وتعيد وأسألك باسمك الفرد الواحد والمتفرد بالوحدانية المتوحد بالصمدانية وأسألك باسمك الذي فجرت به الماء في الصخرة الصماء وسقته من حيث شئت باسمك الذي خلقت به خلقك ورزقتهم كيف شئت وكيف تشاء.
يا من لا تغيره الأيام والليالي أدعوك بما دعاك به نوح حين ناداك فأنجيته ومن معه وأهلكت قومه وأدعوك بما دعاك به إبراهيم خليلك حين ناداك فأنجيته وجعلت النار عليه بردا وسلاما وأدعو بما دعاك به موسى كليمك حين ناداك ففلقت له البحر فأنجيته وبني إسرائيل، وأغرقت فرعون وقومه في اليم، وأدعوك بما دعاك به عيسى روحك حين ناداك فنجيته من أعدائك وإليك رفعته وأدعوك بما دعاك به حبيبك وصفيك ونبيك محمد (صلى الله عليه وآله) فاستجبت له ومن الأحزاب نجيته وعلى أعدائك نصرته وأسألك باسمك الذي إذا دعيت به أجبت.
يا من له الخلق والأمر يا من أحاط بكل شيء علما يا من أحصى كل شيء عددا يا من لا تغيره الأيام والليالي ولا تتشابه عليه الأصوات ولا تخفى عليه اللغات ولا يبرمه إلحاح الملحين أسألك أن تصلي على محمد وآل محمد خيرتك من خلقك فصل عليهم بأفضل صلواتك وصلى على جميع النبيين والمرسلين الذين بلغوا عنك الهدى وعقدوا لك المواثيق بالطاعة وصل على عبادك الصالحين يا من لا يخلف الميعاد انجز لي ما وعدتني واجمع لي أصحابي وصبرهم وانصرني على أعدائك وأعداء رسولك ولا تخيب دعائي فإني عبدك وابن أمتك أسير بين يديك سيدي أنت الذي مننت علي بهذا المقام وتفضلت به علي دون كثير من خلقك أسألك أن تصلي على محمد وآل محمد وأن تنجز لي ما وعدتني إنك أنت الصادق ولا تخلف الميعاد وأنت على كل شيء قدير...(9)
وحكى هذا الدعاء الشريف مدى القدرات الهائلة لله تعالى خالق الكون وواهب الحياة فهو المكون والمبدع لجميع ما في الكون من مخلوقات كما حكى دعاء الإمام (عليه السلام) طلبه للنصر من الله على أعدائه وأعداء رسوله وأن يجمع له أصحابه ليقوم بإحياء الدين وإعلاء كلمة التوحيد.
دعاء آخر له في القنوت:
وكان الإمام (عليه السلام) يدعو بهذا الدعاء الشريف في قنوت بعض صلواته وهو:
"اللهم صل على محمد وآل محمد وأكرم أوليائك بإنجاز وعدك وبلغهم درك ما يأملونه من نصرك واكفف عنهم بأس من نصب الخلاف عليك وتمرد بمنعك على ركوب مخالفتك واستعان برفدك على فل حدك وقصد لكيدك بك وأوسعته حلما لتأخذه على جهرة وتستأصله على غرة فإنك اللهم قلت وقولك الحق (حتى إذا أخذت الأرض زخرفها وازينت وظن أهلها أنهم قادرون عليها أتاها أمرنا ليلا أو نهارا فجعلناها حصيدا كأن لم تغن بالأمس كذلك نفصل الآيات لقوم يتفكرون)(10) وقلت (فلما آسفونا انتقمنا منهم)(11) وإن الغاية عندنا قد تناهت وإنا لغضبك غاضبون وإنا على نصر الحق متعاصبون وإلى ورود أمرك مشتاقون ولإنجاز وعدك مرتقبون ولحلول وعيدك بأعدائك متوقعون، اللهم فأذن بذلك وافتح طرقاته وسهل خروجه ووطئ مسالكه واشرع شرائعه وأيد جنوده وأعوانه وبادر بأسك القوم الظالمين واسط سيف نقمتك على أعدائك المعاندين وخذ بالثأر إنك جواد(12) وأعلن الإمام (عليه السلام) في هذا الدعاء الشريف عن شوقه العارم إلى الظهور ليقيم معالم الدين ويحيي سنة جده سيد المرسلين (صلى الله عليه وآله) وينتقم من أعداء الإسلام وأعداء التوحيد.
٥ - شجاعته:
أما الإمام المنتظر (عليه السلام) فهو من أشجع الناس ومن أربطهم جأشا وأقواهم عزيمة فهو كجده رسول الله (صلى الله عليه وآله) في قوة بأسه وشجاعته لقد قاوم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قوى الشرك وحطم ركائز الجهل والبغي وأعلن حقوق الإنسان وكرامته وحقه في الحياة وقد قابل (صلى الله عليه وآله) ذئاب الشرك وضروس الكفر الذين جهدوا على أن يلغوا لواء الإسلام ويقبروا الدين في مهده إلا أنه (صلى الله عليه وآله وسلم) سحق رؤوسهم ومزق جنودهم ورفع كلمة الله عالية في الأرض وبنفس هذا الدور المشرق يقوم سبطه وخليفته الإمام المنتظر (عليه السلام) فيسقي الظالمين والمتجبرين كأساً مصبرةً ويعيد للإسلام كرامته ومجده بحزم ثابت لا يعرف الوهن ولا يخضع لأي عامل من عوامل الضعف والخوف.
٦ - صلابته في الحق:
الإمام المنتظر (عليه السلام) من أصلب المدافعين عن الحق ومن أكثرهم تفانياً واندفاعاً لنصرة المظلومين والمضطهدين لا تأخذه في إقامة الحق لومة لائم شأنه شأن الأئمة المطهرين الذين ناصروا الحق وقاوموا الباطل وقدموا أرواحهم قرابين للعدل الاجتماعي بين الناس.
وإذا أشرقت الدنيا بظهور قائم آل محمد (صلى الله عليه وآله) وسعدت الإنسانية بخروجه فإنه سلام الله عليه يقيم الحق بجميع رحابه ومفاهيمه ولا يدع ظلا للغبن والظلم إلا حطمه وقضى عليه.
٧ - سخاؤه:
أما الإمام المنتظر (عليه السلام) فهو من أندى الناس يداً ومن أكثرهم جوداً وأعظمهم سخاءً ويجمع الرواة أنه في أيام دولته وحكومته يوزع خيرات الله على جميع الفقراء بحيث لا يبقى فقير أو محتاج على وجه الأرض وحتى لا يجد من وجبت عليه الزكاة فقيراً يعطيها له ولنستمع إلى بعض ما أثر عن كرمه من الأحاديث:
١ - روى أبو سعيد عن النبي (صلى الله عليه وآله) في قصة الإمام المهدي (عليه السلام) أنه قال: (فيجيء الرجل إليه فيقول: يا مهدي أعطني أعطني فيحثي له في ثوبه ما استطاع أن يحمله)(13).
٢ - روى ابن عساكر عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه قال: "يكون في آخر الزمان خليفة يحثي المال حثياً(14).
٣ - روى جابر قال: "أقبل رجل على أبي جعفر (عليه السلام) وأنا حاضر فقال: رحمك الله اقبض هذه الخمس مئة درهم فضعها في مواضعها فإنها زكاة أموالي، فقال له أبو جعفر :
بل خذها أنت فضعها في جيرانك والأيتام والمساكين وفي إخوانك من المسلمين إنما يكون هذا إذا قام قائمنا فإنه يقسم بالسوية ويعدل في خلق الرحمن البر منهم والفاجر فمن أطاعه فقد أطاع الله ومن عصاه فقد عصى الله فإنما سمي المهدي لأنه يهدي لأمر خفي يستخرج التوراة وسائر الكتب من غار بـ (أنطاكية) فيحكم بأهل التوراة بالتوراة وبين أهل الإنجيل بالإنجيل وبين أهل الزبور بالزبور وبين أهل الفرقان بالفرقان وتجمع إليه أموال الدنيا كلها ما في بطن الأرض وظهرها فيقول للناس:
تعالوا إلى ما قطعتم فيه الأرحام وسفكتم فيه الدماء وركبتم فيه محارم الله (فيعطي شيئا لم يعطه أحد كان قبله)(15).
إلى غير ذلك من الأخبار التي أعلنت أنه (سلام الله عليه) بحر من المكارم والجود وأنه يبر بخلق الله ويحسن إليهم وينقذهم من العرى والجوع والحرمان ويشيع فيهم الغنى والأمن والاستقرار.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) غيبة النعماني.
(2) عقد الدرر.
(3) عقد الدرر (ص ١٠٩).
(4) كمال الدين.
(5) البحار وغيره.
(6) غيبة النعماني.
(7) غبية الشيخ الطوسي.
(8) غيبة النعماني.
(9) مهج الدعوات (ص ٨٤ – ٨٦).
(10) سورة يونس آية ٢٤.
(11) سورة الزخرف آية ٥٥.
(12) مهج الدعوات (ص ٨٤).
(13) مصابيح السنة منتخب كنز العمال (٦ / ٢٩) ينابيع المودة (ص ٤٣١).
(14) تاريخ ابن عساكر ١ / ١٨٦ منتخب كنز العمال ٦ / ٣ إسعاف الراغبين.
(15) كمال الدين والبحار.
المصدر : حياة الإمام المنتظر (عليه السلام) المصلح الأعظم ـ تأليف: الشيخ باقر شريف القرشي (رحمه الله).
موقع ديني مختص في مسائل الإمام المهدي (عج) تابع لشعبة البحوث والدراسات - ق. الشؤون الدينية - الأمانة العامة للعتبة الحسينية المقدسة