هل يستخدم الإمام المهدي (عج) العنف والقسوة عند ظهوره ؟

, منذ 1 شهر 261 مشاهدة

لغرض الوقوف على حركة الإمام (عليه السلام) وما يصاحبها من عنف أو حوار وإمكانية توصيفها بأحد الوصفين ينبغي أن نقسّم الروايات الواردة في هذا الشأن إلى طائفتين:

الطائفة الأولى: روايات العنف والانتقام:

ولغرض الوقوف على واقع هذا الاتجاه لابدَّ من استعراض هذه الروايات ومناقشتها دلالةً وسنداً.

أولاً: الإمام لا يستتيب أحداً:

علي بن الحسين عن محمد العطار بن الحسن الرازي عن محمد بن علي الكوفي عن البزنطي عن ابن بكير عن أبيه عن زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) قال:

قلت له: صالح من الصالحين سمه لي -أريد القائم (عليه السلام)(١)- فقال اسمه اسمي، قلت: أيسير بسيرة محمد (صلّى الله عليه وآله وسلّم)؟ قال: إن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) سار في أمته باللين كان يتألف الناس، والقائم (عليه السلام) يسير بالقتل بذلك أمر؛ في الكتاب الذي معه: أن يسير بالقتل ولا يستتيب أحداً، ويل لمن ناوأه(٢).

مناقشة السند:

محمد بن الحسن الرازي: مشترك بين الممدوح -دون الوثوق- وبين المجهول.

ومحمد بن علي الكوفي: وهو ابن أخت خلاد بن عيسى وكان يلقب محمد بن علي أبا سمينة، ضعيف جداً، فاسد الاعتقاد لا يعتمد في شيء وكان ورد قم وقد اشتهر بالكذب في الكوفة ونزل على أحمد بن محمد بن عيسى مدة ثم اشتهر بالغلو فجفي وأخرجه أحمد بن محمد بن عيسى عن قم.. هذا ما ذهب إليه القهبائي في مجمع الرجال، إلاّ أن السيد الخوئي في معجمه استبعد أن يكون محمد بن علي الكوفي هو أبا سمينة نفسه واحتمل أن يكون متحداً مع محمد بن علي القرشي الثقة الذي روى في تفسير القمي، إلاّ أن اتحاده مع الثقة غير معلوم، ورجوع السيد الخوئي عن مبنى توثيقاته لبعض الرواة الذين وردوا في تفسير القمي يحتمل قوياً أن يكون توثيق القرشي هذا في غير محله، وقد ضعفه الفضل بن شاذان ووصفه من الكاذبين كما في رجال الكشي، وكاد أن يقنت عليه كما في خلاصة العلامة الحلي، ومهما يكن من شيء فإن محمد بن علي الكوفي أن ثبت تضعيفه وهو المشار إليه في قول الفضل بن شاذان أو ظهر غيره فإنه مهمل ليس بشيء فلا يعتمد على روايته.

وبذلك فإن الرواية ساقطة عن الاعتبار سنداً.

وأما دلالةً: فإن الرواية لعلها حاكية عن ظرف طارئ سيمر به الإمام الحجة (عليه السلام)، يلجئه إلى القتل واستعمال القوة مع مناوئيه الذي لا يكون لهم هم إلاّ قتله وإفشال أطروحته الإصلاحية، وهو أمر طبيعي في ظل مقتضيات معارضة عنيفة تُلجئ الإمام (عليه السلام) إلى استخدام أمثل السبل في إنجاح حركته، وإلا ما الذي ينتظره الإمام (عليه السلام) وهو يواجه حالة التمرد غير المبرر بعد أن يستنفد مع هؤلاء كل سبل الحوار؟!

والروايات تشير إلى أن حركته (عليه السلام) لا تخلو من مواجهة حركات رافضة متصدية له بعنف، وليس للإمام إلاّ مواجهة هذه الحركات بنفس القوة والتحدي وإلا لا يمكن لأن تكتب لحركته المباركة نجاحها المرجو، والرواية التالية تشير إلى ما نذهب إليه من ضرورة وجود القوة واستخدام السطو على كل الحركات المسلحة التي من شأنها إسقاط أو إفشال هذه الحركة الإلهية.

فعن صفوان عن بشير قال: لما قدمت المدينة انتهيت إلى منزل أبي جعفر (عليه السلام) فإذا أنا ببغلته مسرجة بالباب فجلست حيال الدار فخرج فسلمت عليه فنزل عن البغلة وأقبل نحوي فقال لي: ممن الرجل؟ قلت: من أهل العراق. قال: من أيها؟ قلت: من الكوفة، قال: من صحبك في هذا الطريق؟ قلت: قوم من المحدثة، قال: وما المحدثة؟ قلت: المرجئة، فقال: ويح هذه المرجئة، إلى من يلجئون غدا إذا قام قائمنا؟ قلت: إنهم يقولون لو قد كان ذلك كنا ونحن وأنتم في العدل سواء، فقال: من تاب؛ تاب الله عليه، ومن أسر نفاقا فلا يبعد الله غيره، ومن أظهر شيئا يريق الله دمه.

ثم قال: يذبحهم والذي نفسي بيده كما يذبح القصاب شاته -وأومأ بيده إلى حلقه- قلت: إنهم يقولون: إنه إذا كان ذلك استقامت له الأمور، فلا يريق محجمة دم، فقال: كلا والذي نفسي بيده حتى نمسح وأنتم العرق والعلق، وأومأ بيده إلى جبهته(٣).

وبسند آخر عن بشير -وهو بشير النبال- مثله إلاّ أنه قال: لما قلت لأبي جعفر (عليه السلام): انهم يقولون إن المهدي لو قام لاستقامت له الأمور عفوا ولا يريق محجمة دم، فقال: كلا والذي نفسي بيده لو استقامت لأحد عفوا لاستقامت لرسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) حين أدميت رباعيته، وشج في وجهه، كلا والذي نفسي بيده حتى نمسح نحن وأنتم العرق والعلق، ثم مسح جبهته(٤).

وعن المفضل قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) وقد ذكر القائم (عليه السلام) فقلت: إني لأرجو أن يكون أمره في سهولة فقال: لا يكون ذلك حتى تمسحوا العرق والعلق(٥).

ومن هنا نعلم ان هناك قوى متصدية لحركة الإمام (عليه السلام) تلجئه أن يستخدم القوة والسيف وهو أمر معقول في ظل الظروف السياسية المعارضة للإمام (عليه السلام).

إذن كان من المفروض أن تكون حركة الإمام السلمية مسددة بحالة التصدي لأية محاولة من شأنها أن تربك حركته المباركة، وسيأتي بعض الكلام في ذلك لاحقا.

ثانياً: الإمام (عليه السلام) لا يسير بسيرة علي (عليه السلام) في الحرب:

محمد بن علي الكوفي عن عبد الرحمن بن أبي هاشم عن أبي خديجة عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه قال: إن عليا (عليه السلام) قال: كان لي أن أقتل المولي وأجهز على الجريح، ولكن تركت ذلك للعاقبة من أصحابي إن جرحوا لم يقتلوا، والقائم له أن يقتل المولي ويجهز على الجريح(٦).

السند:

محمد بن علي الكوفي: وقد مر الكلام فيه.

وعبد الرحمن بن أبي هاشم المتحد بين الثقة وغيره.

فالرواية غير معتبرة.

أما الدلالة:

فالرواية عللت بأن الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) إنما ترك الإجهاز على الجريح وعدم قتل المولي حفاظاً على أصحابه حينما يقعون بأيدي أعدائهم جرحى، وتعليل الإمام حقيقي وواقعي وليس من باب لعل المفيدة للتمني، فإن بناء الحكم الواقعي عند المعصوم لا يختص لأدنى احتمال بل هو الواقع بعينه ويستثنى من ذلك ما لا تدرك مقاصد المعصوم، والمعروف أن أعداء علي لم يكونوا بمستوى الوفاء والخلق الكريم إذ إنهم انتزعوا كل القيم والمبادئ التي يجب أن يتحلى بها الغيور، وما يوم كربلاء ببعيد فإنهم أسوأ من حفظ الذمار والأعراف، فضلا عن أن أصحاب أهل البيت (عليهم السلام) لم يولوا الأدبار فهذه معارك صفين وتحشدات الإمام الحسن (عليه السلام) قبالة معاوية، وهذه معركة الطف لم يبلغنا عن أحد أنه ولى دبره نعم «إلاّ متحرفاً لقتال» ومع ذلك حتى هذا الاستثناء لم يمارسه أصحاب علي والحسين، وعلي أعلم بأصحابه فلا معنى لأن يجعل لأعدائه مندوحة العفو عن أصحابه عند ذاك.

ولربما تبرير آخر دفع علي (عليه السلام) أن يعفي عن الجريح والمولي، أو هي من مختصاته (عليه السلام). والرواية ساكتة عن سبب قتل الإمام الحجة (عليه السلام) للمولي والجريح مع أنها أعذرت الإمام علي (عليه السلام) عمله ولم تبرر إجراءات القتل للإمام (عليه السلام) سيما يجهز على الجريح والمولي.

نعم؛ ربما توجه الرواية بأن الإمام (عليه السلام) سيرى من المصلحة تصفية هؤلاء الخصوم الذين سيحملون بذور الفتنة والشقاق في مجتمع ينبغي أن يكون سليماً ومعافى من فتنة وخلاف.

ثالثاً: ليس هذا من آل محمد:

علي بن الحسين عن محمد العطار عن محمد بن الحسن عن محمد بن علي الكوفي عن البزنطي عن العلا عن محمد قال: سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول: لو يعلم الناس ما يصنع القائم إذا خرج لأحب أكثرهم أن لا يروه مما يقتل من الناس أما إنه لا يبدأ إلاّ بقريش فلا يأخذ منها إلاّ السيف ولا يعطيها إلاّ السيف حتى يقول كثير من الناس: ليس هذا من آل محمد، لو كان من آل محمد لرحم(٧).

مناقشة السند:

محمد العطار: لعله محمد بن يزيد العطار الكوفي من أصحاب الصادق (عليه السلام) مجهول.

محمد بن الحسن: مشترك؛ والتمييز إنما هو بالراوي والمروي عنه، كما عن السيد الخوئي في معجمه. ومحمد العطار هو مشترك بين الثقة وغيره.

ومحمد بن علي الكوفي في حاله معروف كما تقدم.

فالرواية غير معتبرة.

ودلالة الرواية تشير إلى أن الإمام (عليه السلام) سيكون اعتماده على السيف في تعامله مع قريش، وقريش مصطلح يشير إلى المخالفين لأهل البيت (عليهم السلام) ولعل هؤلاء سيقفون موقفهم العدائي مع حركة الإمام (عليه السلام) الإصلاحية وسيقطعون الطريق على تقدم هذه الحركة المباركة ومن المناسب جداً أن يتخذ الإمام (عليه السلام) إجراء القوة والتنكيل بهم حفاظا على أطروحته الإلهية.

إلاّ أن الرواية تشعر بأن أسلوب القتل والبطش هو السائد في حركته الإصلاحية وهو أمرٌ غير مقبول، إذ أشرنا إلى أن الإمام (عليه السلام) سيدعو إلى فتح حوار يكلل حركة السلام هذه، والعنف لم يكن هو الأصل في حركته إذن، ومن غير الصحيح أن يواجه الإمام (عليه السلام) في تعامله هذا نقدا من قبل الناس ليرفضوا هذا التحرك بقولهم «ليس هذا من آل محمد، ولو كان من آل محمد لرحم» وهذا الموقف يصدر من أناس يعرفون آل محمد بالرحمة والتسامح وأعدائهم لم يزل لديهم هذا التصور، فلذا نتحفظ مما ورد في الرواية المشعرة أن الإمام سيكون أسلوبه فقط القتل حتى أن الناس يشكون في انتسابه لآل البيت (عليهم السلام) بسبب ما يمارسه من عنف وقتل. من هنا فإن الرواية بعيدة عن حركة الإمام السلمية وطابع الحلم والعفو.

رابعاً: لا يستتيب أحداً:

بنفس الإسناد المتقدم عن البزنطي عن عاصم بن حميد الحناط عن أبي بصير قال:

قال أبو جعفر (عليه السلام): يقوم القائم بأمر جديد، وكتاب جديد، وقضاء جديد على العرب شديد، ليس شأن إلاّ السيف، لا يستتيب أحدا ولا يأخذه في الله لومة لائم(٨).

وسندها: كسابقتها، لا يمكن الاعتماد عليه لوجود محمد بن علي الكوفي الضعيف ومحمد بن الحسن المشترك وبذلك تسقط عن الاعتبار.

ودلالتها: غير تامة إذ ورود عبارة «لا يستتيب أحدا» مشعر بأنه (عليه السلام) لا يجد للحوار وإلقاء الحجة مكاناً في حركته وشأناً في أطروحته وإلا ما معنى أن الروايات تشير إلى أن الإمام (عليه السلام) يبذل جهده في إلقاء الحجة قبل مقاتلتهم فإن أمل منهم الرشد استتابهم وفاؤا إلى الحق وهو مبتغاه (صلوات الله عليه)، وإن يأس من صلاحهم وخشي فتنتهم وضع فيهم السيف كما كان عليه آباؤه الطاهرون من قبل. وما ورد في الرواية أن أمره جديد وكتابه جديد وقضاءه جديد في محله إذ سيأتي بكل مالم يألفه الناس نتيجة لإعراضهم عن الحق بتركه أحكام الله وكتابه.

خامساً: ما هو إلاّ السيف:

وبنفس الإسناد عن محمد بن علي الكوفي عن ابن محبوب عن البطائني عن أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام) انه قال: ما تستعجلون بخروج القائم؟ فو الله ما لباسه إلاّ الغليظ، ولا طعامه إلاّ الجشب، وما هو إلاّ السيف، والموت تحت ظل السيف(٩).

والسند: فضلا عن سابقته ففيه البطائني وهو علي بن أبي حمزة البطائني كذاب متهم كما قاله ابن فضال وأحد أعمدة الواقفة بل أصلهم ولم يعترف بإمامة الرضا (عليه السلام)، والتفصيل في معجم رجال الحديث للسيد الخوئي قدس سره، فراجع.

ودلالتها: توحي بأن لا هم للإمام (عليه السلام) إلاّ السيف نافية بذلك الحوار الذي يسعى إليه الإمام (عليه السلام) لإلقاء الحجة على الناس، والرواية فيها من التشاؤم ما لا ينبغي له في حركةٍ هي للسلام أقرب منها إلى القتل، وللعفو أقرب منها إلى عدم الاستتابة، وللسعادة أقرب منه إلى الحرمان، كما أن خروج الأرض بركاتها كما في نصوص بعض الروايات لا يستقيم أمرها مع ما ورد هنا من أن الحرمان والفاقة تسيطران على الوضع الاقتصادي لعصره الشريف، ولعل ذلك دفع به حكام الأمويين والعباسيين الذين يصورون حركة الإمام (عليه السلام) إلى اليأس والقنوط، ويضمرون طابع الحرمان والعوز والفقر، مع أن الروايات التي تشير بأنه (عليه السلام) يحثو المال حثواً لا يستقيم مع ما أوردته هذه الرواية، نعم إلاّ أن يقال إن الزهد هو الأنسب في سلوكية الإمام (عليه السلام) وأصحابه الميامين ولمصلحة تقتضي إظهار الأصلح وهو الزهد، لكن يبقى التساؤل وهو هل أن الزهد هو الأوفق في حركة الإصلاح العالمية التي يرنو إليها الملايين من محرومي القوت وكل متطلبات العيش والحياة الكريمة أم أن الحرمان هو ما يصبو إليه الحكام لإفشال حركة الإمام (عليه السلام) وإحباط أمل المستضعفين المحرومين؟!!

سادساً: قتل بعض أصحابه:

ابن عقدة عن علي بن الحسن التيملي عن أبيه عن الحسن بن علي بن يوسف ومحمد بن علي عن سعدان بن مسلم عن بعض رجاله عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه قال: بينا الرجل على رأس القائم (عليه السلام) يأمره وينهاه إذ قال أديروه فيديرونه إلى قدامه فيأمر بضرب عنقه فلا يبقى في الخافقين شيء إلاّ خافه(١٠).

السند: علي بن يوسف: مجهول، ومحمد بن علي مشترك بين الثقة وغيره، فضلا عن إرسالها ببعض رجال سعدان بن مسلم الثقة. وبذلك لا يمكن الاعتماد على الرواية سنداً.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(١) الراوي يحذر من ذكر اسمه الشريف للمنع من ذلك تبعاً للروايات الواردة، ويبدو أن مسألة تحريم الاسم الشريف مرتكز عند الراوي وغيره وهو أمر يتسالم عليه الجميع، وظاهر الحكمة من المنع حذرا من تشخيص الإمام (عليه السلام) في حياته وملاحقة الظالمين له، وكأن أئمة أهل البيت (عليهم السلام) أرادوا تثقيف شيعتهم على عدم ذكر اسمه (عليه السلام) ليكون أمرا مركوزاً في الأذهان وعلى هذا قامت سنة أهل البيت (عليهم السلام)، إلاّ أن البحث هل المنع من ذكر الاسم الشريف ساريا حتى بعد الغيبة الكبرى وتطاول العهد ومعرفته لدى الناس، أم أن المحذور مرتفع بعد إشاعة الاسم ومعرفته أي هل أن حرمة ذكر الاسم في زمن الغيبة تعبدية أم إرشادية؟ وعلى هذا يقوم النزاع بين العلماء من إباحة الذكر أم حظره؟

(٢) البحار ٥٢: ٣٥٣.

(٣) البحار ٥٢: ٣٥٧.

(٤) نفس المصدر السابق.

(٥) المصدر نفسه.

(٦) البحار ٥٢: ٣٥٣.

(٧) المصدر السابق.

(٨) المصدر نفسه.

(٩) البحار ٥٢: ٣٥٤.

(١٠) نفس المصدر.

مواضيع قد تعجبك

Execution Time: 0.0655 Seconds