ماذا نستفيد من الإمام الغائب إذا كنا لا نراه ولا نلتقي به ؟

, منذ 1 شهر 241 مشاهدة

هناك سؤال ربَّما يدور في الأذهان، وهو: إذا كان الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) كذلك، فما هي الفائدة بالنسبة للأُمَّة وهو غائبٌ مستور، متوارٍ عن الأنظار؟!

والجواب:

أنَّ الذي يُحقِّق ويُدقِّق في هذه المسألة، يجب أنْ يضع في حسابه أوَّلاً الروايات والأخبار الصحيحة التي تتحدَّث عن ظهوره الذي سيكون بصورةٍ مفاجئة وسريعة، أو على حدِّ لسان بعض الروايات (بغتة)، أي دون تحديد زمنٍ مخصوصٍ أو وقتٍ معيَّنٍ، وهذا يترتَّب عليه ترقُّب كلُّ جيلٍ من أجيال المسلمين لظهوره المبارك.

إنَّ المتأمَّل لهذه المسألة سوف لا يصعب عليه أنْ يكتشف فوائد ومزايا جمَّةً تتعلَّق بالأُمَّة المرحومة، منها:

١ - أنَّ ذلك يدعو كلَّ مؤمن إلى أنْ يكون على حالةٍ من الاستقامة على الشريعة، والتقيُّد بأوامرها ونواهيها، والابتعاد عن ظلم الآخرين، أو غصب حقوقهم، وذلك لأنَّ ظهور الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) - الذي سيكون مفاجئاً - يعني قيام دولته، وهي التي يُنتصَف فيها للمظلوم من الظالم، ويُبسَط فيها العدل ويُمحى الظلم من صفحة الوجود.

ولا يقولنَّ أحدٌ: إنَّ الشريعة ودستورها القرآن منعت الظلم والتظالم، وهذا يكفي.

فإنَّ جوابه: أنَّ الشعور والاعتقاد بوجود السلطة وبتمكُّنها وسلطنتها يُعَدُّ رادعاً قويًّا، وقد جاء في الأثر: «إِنَّ اللهَ لَيَزَعُ بِالسُّلْطَانِ مَا لَا يَزَعُ بِالْقُرآنِ»(1 ).

٢ - أنَّ ذلك يدعو كلَّ مؤمن إلى أنْ يكون في حالةِ طوارئ مستمرَّة من حيث التهيُّؤ للانضمام إلى جيش الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه)، والاستعداد العالي للتضحية في سبيل فرض هيمنة الإمام الكاملة وبسط سلطته على الأرض لإقامة شرع الله تعالى. وهذا الشعور يخلق عند المؤمنين حالةً من التآزر والتعاون ورصِّ الصفوف والانسجام؛ لأنَّهم سيكونون جُنداً للإمام (عجَّل الله فرجه).

٣ - أنَّ هذه الغيبة تُحفِّز المؤمن بها للنهوض بمسؤوليَّته، وخاصَّةً في مجال الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فتكون الأُمَّة بذلك متحصِّنة متحفِّزة؛ إذ لا يمكن تقيُّد أنصار الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) بالانتظار فحسب، دون الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر استعداداً لبناء دولة الإسلام الكبرى وتهيئة قواعدها حتَّى ظهور الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه).

٤ - أنَّ الأُمَّة التي تعيش الاعتقاد بالمهدي الحيِّ الموجود تبقى تعيش حالة الشعور بالعزَّة والكرامة، فلا تُطأطئ رأسها لأعداء الله تعالى، ولا تذلُّ لجبروتهم وطغيانهم؛ إذ هي تترقَّب وتتطلَّع لظهوره المظفَّر في كلِّ ساعة، ولذلك فهي تأنف من الذلِّ والهوان، وتستصغر قوى الاستكبار، وتستحقر كلَّ ما يملكون من عدَّةٍ وعددٍ.

إنَّ مثل هذا الشعور سيخلق دافعاً قويًّا للمقاومة والصمود والتضحية، وهذا هو الذي يُخوِّف أعداء الله وأعداء الإسلام، بل هذا هو سرُّ خوفهم ورعبهم الدائم، ولذلك حاولوا على مرِّ التاريخ أنْ يُضعِّفوا العقيدة بالمهدي، وأنْ يُسخِّروا الأقلام المأجورة للتشكيك بها، كما كان الشأن دائماً في خلق وإيجاد الفِرَق والتيَّارات الضالَّة والهدَّامة لاحتواء المسلمين، وصرفهم عن التمسُّك بعقائدهم الصحيحة، والترويج للاعتقادات الفاسدة مثلما حصل في نحلة البابيَّة، والبهائيَّة، والقاديانيَّة، والوهَّابيَّة.

هذا، ويمكن أنْ نضيف إلى هذه الثمرات والفوائد المهمَّة فوائد أُخرى يكتسبها المُعتقِد بظهور المهدي (عجَّل الله فرجه) في آخرته، ويأتي في مقدَّمتها تصحيح اعتقاده بعدل الله تعالى، ورأفته بهذه الأُمَّة التي لم يتركها الله سدى ينتهبها اليأس ويفتك بها القنوط لما تشاهده من انحراف عن الدِّين، دون أنْ يمدَّ لها حبل الرجاء بظهور الدِّين على كلِّ الأرض بقيادة المهدي (عجَّل الله فرجه).

ومنها: تحصيل الثواب والأجر على الانتظار، فقد ورد في الأثر الصحيح عن الصادق (عليه السلام): «اَلمُنْتَظِرُ لِأَمْرِنَا كَالمُتَشَحِّطِ بِدَمِهِ فِي سَبِيلِ اَلله»(2).

ومنها: الالتزام بقوله تعالى حكايةً عن وصيَّة إبراهيم (عليه السلام) لبنيه: ﴿يَا بَنِيَّ إِنَّ اللهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ (البقرة: ١٣٢)، وقد مرَّ بأنَّ من مات ولم يعرف إمام زمانه - وفي عصرنا هو المهدي (عجَّل الله فرجه) - مات ميتةً جاهليَّة.

واستناداً إلى كلِّ ما ذكرناه يظهر معنى: إنَّ الأرض لا تخلو من حجَّةٍ لله تعالى.

واخيراً، فإنَّ ممَّا تسعى إليه بُؤَر النفاق وبشكل دؤوب هو بحثها الحثيث بين صفوف المسلمين، لعلَّها تجد فيهم من تتلقَّفه وتحوطه برعايتها، وتمنحه الألقاب العلميَّة الكاذبة التي يَشْرَه إليها؛ لكي تتَّخذه مطيَّة لأغراضها وبوقاً لدعاياتها عبر المجلَّات والمؤتمرات التي تُندِّد بالإسلام وأُصوله الشامخة، ولن تجد بغيتها إلَّا فيمن انحرف عن المحجَّة البيضاء، ورمى بنفسه كالطفل في أحضان مربّية حمقاء تُسخِّره لكلِّ لعبة قذرة، كما نلحظه اليوم في تقريب سلمان رشدي ومن على شاكلته، على أمل أنْ تجد سمومهم طريقها إلى كلِّ جسد ضعيف مسلم.

ولهذا كان من الواجب الإسلامي التنبيه على هذه الوسيلة الدنيئة، وتوعية المسلمين بأهدافها وغاياتها وأخطارها، وتحصينهم بالإيمان الصحيح الذي أمر به هرم الإسلام المقدَّس: (القرآن الكريم، والسُّنَّة المطهَّرة، ومدرسة أهل البيت (عليهم السلام)).

وتلبيةً لنداء الواجب الإسلامي، كان الحديث - في هذا الكتاب - عن الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) الذي هو حديث الإسلام بنقائه وصفائه، وقد تبيَّن بالتفصيل أنّ الاعتقاد بظهور الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) في آخر الزمان إنَّما هو من مستلزمات الوثوق بصدق رسالة الإسلام الخالدة، وأنَّ التكذيب به هو تكذيب برسالة الإسلام التي أخبرت عن ظهوره!

ونحسب أنَّ في فصول هذا الكتاب - الذي اعتنى بسلاسة الأُسلوب وقوَّة الدليل - ما يُميِّزه عن غيره؛ لما فيه من تلبية وافية لحاجة المثقَّف الإسلامي بأيِّ درجةٍ كان لمعرفة حقيقة المهدي المنتظَر في الفكر الإسلامي.

والحمد لله على هدايته، والصلاة والسلام على أفضل أنبيائه ورُسُله محمّد، وعلى آله الطاهرين، وصحبه المخلصين، ومَنْ سار على نهجهم إلى يوم الدِّين.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) سراج الملوك (ص ١٨٧).

(2) كمال الدِّين (ص ٦٤٥/ باب ٥٥/ ح ٦).

المصدر : المهدي المنتظر (عجَّل الله فرجه) في الفكر الإسلامي ـ تأليف : السيد ثامر هاشم حبيب العميدي.

مواضيع قد تعجبك

Execution Time: 0.0604 Seconds