ذكر السيِّد حسن الأبطحي في كتابه (اللقاء مع صاحب الزمان)، قائلاً: (يُعتَبر المرحوم آية الله العظمى السيِّد أبو الحسن الأصفهاني من المراجع العليا في زماننا. وكان (رضوان الله تعالى عليه) كثيراً ما يحظى بلقاء صاحب الزمان (عليه السلام)، والحكاية التالية هي إحدى تلك اللقاءات التي تشرَّف بها السيِّد أبو الحسن الأصفهاني مع الوجود المقدَّس لصاحب الأمر والزمان (عليه السلام).
ونقل هذه الحكاية العلَّامة المتتبِّع الحاجُّ السيِّد حسن ميرجهاني في كتاب (كنز العارفين)، فقال:
(كان أحد علماء اليمن - واسمه بحر العلوم - يراسل العديد من علمائنا في النجف طالباً منهم إثبات الوجود المقدَّس لبقيَّة الله في أرضه (عليه السلام).
وكان السيِّد بحر العلوم زيديًّا غير مصدِّق بوجود الحجَّة (عليه السلام)، فكتب له العلماء الأعلام رسائل عديدة وشرحوا له إثبات وجوده، ولكنَّه لم يقتنع حتَّى كتب رسالة إلى المرجع الأعلى للشيعة آنذاك السيِّد أبي الحسن الأصفهاني (رضوان الله تعالى عليه) يطلب منه إثبات ذلك.
وفي جوابه، قال السيِّد أبو الحسن الأصفهاني للسيِّد بحر العلوم: إذا أردت إثبات ذلك والتأكُّد من الوجود المقدَّس لصاحب العصر فعليك المجيء إلى النجف الأشرف لأُثبت لك ذلك حضوريًّا، وبعد عشرة أشهر وصل بحر العلوم وابنه وعدد من أتباعه إلى النجف الأشرف وزاروا السيِّد أبا الحسن، وطلب منه أنْ يُثبِت له ذلك بعد أنْ حضر شخصيًّا إلى النجف مع ابنه.
فقال له المرحوم السيِّد أبو الحسن الأصفهاني: تعال غداً أنت وابنك إلى داري حتَّى أُعطيك جواب سؤالك.
ثمّ جاء بحر العلوم وابنه وبعض أتباعه، وبعد تناول العشاء والأحاديث الدِّينيَّة وانصراف الضيوف وانتصاف الليل، قال السيِّد أبو الحسن إلى خادمه مشهدي حسين: هات المصباح معك، ووجَّه كلامه للسيِّد بحر العلوم وابنه وقال لهما: اتبعاني.
ثمّ أضاف السيِّد ميرجهاني: كنتُ أحد الذين بقوا بعد انصراف الضيوف، فأردت أنْ أذهب مع السيِّد أبي الحسن لكنَّه قال لي: يجب أنْ تبقى هنا ويأتي معي فقط بحر العلوم وابنه.
ثمّ ذهب الثلاثة في تلك الليلة المظلمة ولم نعرف وجهة سيرهم ولا إلى أين ذهبوا.
ولكن وفي الصباح وعندما التقيت مع بحر العلوم وابنه وسألته عن أحداث الليلة الماضية قال: الحمد لله لقد تشرَّفنا ليلة أمس بخدمة وليِّ العصر (عليه السلام)، وأصبحت من المعتقدين بوجوده المقدَّس.
فسألته: وكيف ذلك؟
فقال: لقد أراني السيِّد أبو الحسن الأصفهاني الحجَّة بن الحسن (عليه السلام).
فسألته: وكيف كان ذلك؟
فقال: عندما تركنا الدار لم ندرِ إلى أين وجهتنا، حتَّى وصلنا إلى وادي السلام، وفي وسط الوادي دخلنا مكاناً قال: إنَّه مقام صاحب الزمان (عليه السلام).
وعندما وصل السيِّد أبو الحسن إلى باب المقام أخذ المصباح من خادمه مشهدي حسين ودخل منفرداً إلى المقام، ثمّ أشار إليَّ أنْ أدخل وحدي معه، ثمّ توضَّأ وبدأ بالصلاة وصلَّى أربع ركعات ثمّ قال شيئاً لم نفهمه، ولكن شاهدت فجأةً أنواراً خاطفة وقد غمر المكان نور ساطع.
وهنا يُكمِل الحكاية ولده فيقول: كنت في هذه اللحظات خارج المقام ولكنَّني بعد دقائق سمعت صيحة عظيمة من قِبَل والدي ثمّ أُغمي عليه، فتقدَّمت قليلاً فوجدت السيِّد أبا الحسن الأصفهاني يُمَسِّد كتفيه حتَّى استفاق من غيبوبته، فقال مباشرةً: لقد رأيتُ وليَّ العصر والزمان (عليه السلام)، وأصبحتُ من شيعته الاثني عشريَّة، ولكنَّه لم يزد شيئاً على هذا الكلام، ولم يُوضِّح لقاءه بالحجَّة (عليه السلام)، ثمّ عدنا إلى اليمن بعد عدَّة أيَّام، وتشيع أكثر من أربعة آلاف من أتباعه)( ١).
بحث حول الحكاية:
١ - سند الحكاية:
نقل هذه الحكاية السيِّد الأبطحي المعاصر - وهو من علماء
٢ - تاريخ الحكاية:
يظهر من التواريخ الآنفة الذكر في سند الحكاية أنَّ الحكاية واقعة بين سنة (١٣٢٩هـ) وهي سنة تصدِّي أبي الحسن الأصفهاني للمرجعيَّة وسنة (١٣٦٥هـ) وهي وفاة السيِّد نفسه.
٣ - عمارة المقام:
أ) (... حتَّى وصلنا إلى وادي السلام، وفي وسط الوادي دخلنا مكاناً قال: إنَّه مقام صاحب الزمان).
ب) (... ودخل منفرداً إلى المقام، ثمّ أشار إليَّ أنْ أدخل...)(٦٢).
فالمستفاد من هذه الحكاية شهرة المقام في القرن الرابع عشر الهجري بنسبته إلى الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه)، وعناية العلماء الأعلام بزيارته كأمثال السيِّد أبي الحسن الأصفهاني (رحمه الله) وغيره.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(١) اللقاء مع صاحب الزمان ((عليه السلام) للسيِّد حسن الأبطحي (ص ١٢٨ - ١٣٠).
خراسان - عن كتاب (كنز العارفين)، والكتاب هذا من تآليف السيِّد محمّد حسن الميرجهاني الأصفهاني المذكور في كتاب (الذريعة) عدَّة مرَّات، مع ذكر تآليفه، والميرجهاني عاصر تلك الحكاية الواقعة مع السيِّد أبو الحسن الأصفهاني ذلك العالم الورع الذي لم يشكّ أحد في تقواه، وخروج الكرامات على يديه الواحدة تلو الأُخرى، والمتولِّد في (١٢٨٤هـ) والمتوفَّى في تاسع ذي الحجَّة سنة (١٣٦٥هـ)، والذي عُرِفَ بحسن إدارته للحوزة العلميَّة بعد أُستاذه الآخوند الخراساني المتوفَّى (١٣٢٩هـ).
المصدر : تاريخ مقام الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) في وادي السلام ـ تأليف : الأستاذ أحمد علي مجيد الحلي.
موقع ديني مختص في مسائل الإمام المهدي (عج) تابع لشعبة البحوث والدراسات - ق. الشؤون الدينية - الأمانة العامة للعتبة الحسينية المقدسة