كيف يتخذ الإمام المهدي التدابير الأمنية للحماية من أعداءه ؟

, منذ 2 شهر 198 مشاهدة

من الواضح التشرُّف لبعض المؤمنين أو لبعض العلماء والصالحين لا يدوم، وإنَّما يكون مقدار لقاء وفترة وجيزة، فهل هذا بالنسبة إلى بقيَّة الناس له مؤدَّى اعتبار وحجّيَّة كأنْ يقوم بدعوى الوساطة مثلاً بين وليِّ الله الغائب وبين بقيَّة الناس؟

كلَّا, فهذا الأمر منفيٌّ، يعني لا حجّيَّة ولا موقعيَّة وساطة بين وليِّ الله الغائب وبين بقيَّة البشر، لأنَّ سُنَّة الله جرت - كما حدَّثتنا الآيات القرآنيَّة عن غيبة حُجَج الله، وأكَّدت عليها روايات أهل البيت (عليهم السلام) حول غيبة الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) - من نفي أيِّ صلاحيَّة سفارة أو وساطة أو تمثيل أو نيابة خاصَّة، لأنَّ هذه الغيبة ستارها الأمني مستفحل، وهذه الوساطة من وإلى الحجَّة لا يدَّعيها إلَّا مفترٍ كذَّاب, لأنَّه لا يُخوَّل لتلك الموقعيَّة أحد، لاسيَّما بعد تصرُّم الغيبة الصغرى ودخولنا في الغيبة الكبرى إلى أنْ يأذن الله بالظهور، والآيات القرآنيَّة في تجويز هذا التشرُّف ليس نطاقها إلَّا إمكان حصول التشرُّف، أمَّا أنْ يكون للمتشرِّف برؤية الغائب دور الوساطة، فهذا ممَّا لا تُثبته الآيات القرآنيَّة، بل وينفيه متواتر روايات أهل البيت (عليهم السلام) في أنَّ من ادَّعى الرؤية في زمن الغيبة الكبرى فهو كذَّاب مفتر(1), والمقصود من الرؤية ليس أصل التشرُّف المقصود، لأنَّ الذي يدَّعي الرؤية يريد أنْ يدَّعي الوساطة، ويريد أنْ يدَّعي أنَّه جسر، أو أنَّه سفير، أو أنَّه نائب خاصٌّ, وما شابه ذلك، فهذه كلُّها دعاوى وأكاذيب ليس أمامها إلَّا الأدلَّة المبطلة لها.

بعد ذلك تتابع الآيات الكريمة في ظاهرة النبيِّ يوسف (عليه السلام): ﴿فَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهَازِهِمْ جَعَلَ السِّقايَةَ فِي رَحْلِ أَخِيهِ﴾, وهنا محطَّة لطيفة أُخرى أيضاً: ﴿ثُمَّ أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ * قَالُوا وَأَقْبَلُوا عَلَيْهِمْ مَا ذَا تَفْقِدُونَ * قَالُوا نَفْقِدُ صُوَاعَ الْمَلِكِ وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ * قَالُوا تَاللهِ لَقَدْ عَلِمْتُمْ مَا جِئْنَا لِنُفْسِدَ فِي الْأَرضِ وَمَا كُنَّا سَارِقِينَ * قَالُوا فَمَا جَزاؤُهُ إِنْ كُنْتُمْ كَاذِبِينَ * قَالُوا جَزَاؤُهُ مَنْ وُجِدَ فِي رَحْلِهِ فَهُوَ جَزَاؤُهُ كَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ * فَبَدَأَ بِأَوْعِيَتِهِمْ قَبْلَ وِعَاءِ أَخِيهِ ثُمَّ اسْتَخْرَجَهَا مِنْ وِعَاءِ أَخِيهِ كَذَلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللهُ﴾ (يوسف: ٧٠ - ٧٦).

اُنظر كيف يُكرِّر القرآن المرَّة بعد الأُخرى الإشارة إلى التدبير الأمني الذي يودعه الله لوليِّه الغائب، والذي هو أرقى من تدبير نُظُم البشر، فقد تكون تلك النُّظُم فائقة القدرة أمنيًّا وتدبيريًّا وإداريًّا وإحاطةً بالمعلومات وبالأحداث وبتداعياته، إلَّا أنَّها تبقى دون مستوى التدبير الإلهي، هذا ما يُؤكِّده القرآن, حيث يُسدِّد الله (عزَّ وجلَّ) وليَّه الغائب في اضطلاعه بالمسؤوليَّة وضمان حراسة تدبيره وأدائه لمسؤوليَّة الحجَّة، ليكون مصلحاً ومنقذاً للبشريَّة في غيبته وفي ظهوره، فالتدبير الإلهي نافذ ثابت لا تصل إليه علميَّة البشر ولا إحاطتهم، لذلك يُعبِّر القرآن الكريم: ﴿كَذَلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللهُ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ﴾ (يوسف: ٧٦).

إذن لا يمكن التساؤل أنَّه كيف يقوم إمام غائب بأدواره ونحن لا نلمسها؟ فها هي القوى العظمى مع امتلاكها أحدث التقنيات من أقمار صناعيَّة وأشعَّة فوق البنفسجيَّة تحت الحمراء، وأجهزة تجسُّس وتنصُّت وشبكات من الغُرَف والدوائر الأمنيَّة المافيويَّة العجيبة الداهية الدهياء لا تعرف أين موطنه ولا تقف على وجوده.

وقوله (عزَّ وجلَّ): ﴿نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ﴾ (يوسف: ٧٦), أي إنَّ الله تعالى يرفعه في درجة التدبير وفي درجة الإدارة وفي درجة الحيطة الأمنيَّة بحيث لا تصل إليه البشريَّة، فهي أنظمة فائقة على قدرات وتصوُّر وتطوُّر البشر.

الإنسان عندما يجهل شيئاً عليه أنْ يقف ويفحص ويتدبَّر، لا أنَّ يُنكِر ما لا يعلم، وخصيصة المكذِّب أنَّه يبني على أنَّ الحقائق هي بقدر علمه، وأنَّ كلَّ شيء تخطَّى دائرة علمه فهو باطل، والحال أنَّ أكثر الحقِّ في ما يجهله الناس وما يُنكِرونه، فإنَّ ما لا يعلم الناس بالقياس إلى ما يعلمونه أكثر، بل لا نسبة هناك حتَّى ننسب ما يجهلون بالإضافة إلى ما يعلمون.

هنا القرآن الكريم يُؤكِّد على أنَّ درجات العلم لا تقف عند حدٍّ, وأنَّ ما لا يعلمه الناس لا يُسوغ لهم إنكاره، كيف والله (عزَّ وجلَّ) عنده ما لا يتناهى مع درجة العلم والتدبير والنظم، كيف يُنكِرون ويُكذِّبون ما يجهلون, شأنهم شأن من كان قبلهم من الأُمَم السابقة من إنكار أنبيائهم (عليهم السلام)، والحال أنَّ الإنسان يجب عليه أنْ يتثبَّت عندما لا يعلم بشيء، فهناك نُظُم وتدبيرات أمنيَّة واقتصاديَّة وإداريَّة وقياديَّة لإدارة البشر من دون أنْ تصل إليها قافلة العلم البشري، لكن مع ذلك يُزوِّد الله بها أولياءه.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) لـمَّا دنا أجل السفير الرابع الشيخ عليِّ بن محمّد السمري (رضي الله عنه), قيل له: إلى من تُوصي؟ فأخرج لهم توقيعاً نسخته: «بِسْمِ اَلله اَلرَّحْمَنِ اَلرَّحِيمِ، يَا عَلِيَّ بْنَ مُحَمَّدٍ اَلسَّمُرِيَّ، أَعْظَمَ اَللهُ أَجْرَ إِخْوَانِكَ فِيكَ، فَإِنَّكَ مَيِّتٌ مَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ سِتَّةِ أَيَّامٍ، فَاجْمَعْ أَمْرَكَ، وَلَا تُوصِ إِلَى أَحَدٍ يَقُومَ مَقَامَكَ بَعْدَ وَفَاتِكَ، فَقَدْ وَقَعَتِ اَلْغَيْبَةُ اَلثَّانِيةُ (اَلتَّامَّةُ)، فَلَا ظُهُورَ إِلَّا بَعْدَ إِذْنِ اَلله (عزَّ وجلَّ)، وَذَلِكَ بَعْدَ طُولِ اَلْأَمَدِ، وَقَسْوَةِ اَلْقُلُوبِ، وَاِمْتِلَاءِ اَلْأَرْضِ جَوْراً، وَسَيَأْتِي شِيعَتِي مَنْ يَدَّعِي اَلمُشَاهَدَةَ، أَلَا فَمَنِ اِدَّعَى اَلمُشَاهَدَةَ قَبْلَ خُرُوجِ اَلسُّفْيَانِيِّ وَاَلصَّيْحَةِ فَهُوَ كَذَّابٌ مُفْتَرٍ، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِالله اَلْعَلِيِّ اَلْعَظِيمِ». كمال الدِّين (ص ٥١٦/ باب ٤٥/ ح ٤٤)، الغيبة للطوسي (ص ٣٩٥/ ح ٣٦٥).

مواضيع قد تعجبك

Execution Time: 0.0484 Seconds