هل يتوجب علينا معرفة إمام زماننا (عليه السلام) ؟

, منذ 8 شهر 245 مشاهدة

هناك العديد من الروايات التي دلَّت على ضرورة معرفة إمام الزمان (عليه السلام)، وهذا يستدعي وجوده، ونحن لا نعرف أحداً سواه منذ رحيل الحسن العسكري (عليه السلام).

ومن هذه الروايات: صحيحة زرارة، فقد روى الكليني (رحمه الله) عن محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن الحسن بن محبوب، عن هشام بن سالم، عن زرارة، قال: قلت لأبي جعفر (عليه السلام): أخبرني عن معرفة الإمام منكم واجبة على جميع الخلق؟

فقال: «إنَّ الله (عزَّ وجلَّ) بعث محمّداً (صلّى الله عليه وآله وسلّم) إلى الناس أجمعين رسولاً وحجَّةً لله على جميع خلقه في أرضه، فمن آمن بالله وبمحمّد رسول الله واتَّبعه وصدَّقه فإنَّ معرفة الإمام منّا واجبة عليه، ومن لم يؤمن بالله وبرسوله ولم يتَّبعه ولم يُصدِّقه ويعرف حقَّهما فكيف يجب عليه معرفة الإمام وهو لا يؤمن بالله ورسوله ويعرف حقَّهما؟!».

قال: قلت: فما تقول فيمن يؤمن بالله ورسوله ويُصدِّق رسوله في جميع ما أنزل الله، يجب على أُولئك حقُّ معرفتكم؟

قال: «نعم، أليس هؤلاء يعرفون فلاناً وفلاناً؟».

قلت: بلى.

قال: «أترى أنَّ الله هو الذي أوقع في قلوبهم معرفة هؤلاء؟ والله ما أوقع ذلك في قلوبهم إلَّا الشيطان، لا والله ما ألهم المؤمنين حقَّنا إلَّا الله (عزَّ وجلَّ)»( ١).

ومنها صحيحة محمّد بن مسلم، فقد رواها الكليني (رحمه الله) عن محمّد بن يحيى، عن محمّد بن الحسين، عن صفوان بن يحيى، عن العلاء بن رزين، عن محمّد بن مسلم، قال: سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول: «كلُّ من دان الله (عزَّ وجلَّ) بعبادة يجهد فيها نفسه ولا إمام له من الله فسعيه غير مقبول، وهو ضالٌّ متحيِّر، والله شانئ لأعماله، ومَثَله كمَثَل شاة ضلَّت عن راعيها وقطيعها، فهجمت ذاهبة وجائية يومها، فلمَّا جنَّها الليل بصرت بقطيع غنم مع راعيها، فحنَّت إليها واغترَّت بها، فباتت معها في مربضها، فلمَّا أنْ ساق الراعي قطيعه أنكرت راعيها وقطيعها، فهجمت متحيِّرة تطلب راعيها وقطيعها، فبصرت بغنم مع راعيها، فحنَّت إليها واغترَّت بها، فصاح بها الراعي: الحقي براعيكِ وقطيعكِ، فأنت تائهة متحيِّرة عن راعيكِ وقطيعكِ، فهجمت ذعرة متحيِّرة تائهة، لا راعي لها يُرشِدها إلى مرعاها أو يردُّها، فبينا هي كذلك إذا اغتنم الذئب ضيعتها، فأكلها، وكذلك والله يا محمّد من أصبح من هذه الأُمَّة لا إمام له من الله (عزَّ وجلَّ) ظاهر عادل، أصبح ضالًّا تائهاً، وإنْ مات على هذه الحالة مات ميتة كفر ونفاق...» الخبر»(٢).

وهذه الرواية وإن أمكن التشكيك في إمكان الاستناد إليها من جهة أنَّها مثَّلت للذي لا يعرف إمامه بالشاة التائهة التي يتربَّص الذئب بها، والمؤمن في زمن الغيبة هذا حاله، لأنَّه لا يتمكَّن من الوصول إلى إمامه. وقد يجعل ذلك قرينة على إرادة خصوص زمن الحضور حيث يمكن التواصل مع الإمام (عليه السلام)، إلَّا أنَّ الرواية لا تخلو من دلالة احتماليَّة وبمستوى جيِّد عن ضرورة وجود إمام في كلِّ زمان.

وقد نقل الكليني في هذا الباب(٣) (١٤) رواية بعضها لا دلالة لها على المدَّعى كالرواية الأخيرة، وهي ما رواه بسند ضعيف فيه معلّى بن محمّد(٤)، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: «قال أبو جعفر (عليه السلام): دخل أبو عبد الله الجدلي على أمير المؤمنين، فقال (عليه السلام): يا أبا عبد الله، ألَا أُخبرك بقول الله (عزَّ وجلَّ): ﴿مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْها وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ * وَمَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ [النمل: ٨٩ و٩٠]؟

قال: بلى يا أمير المؤمنين، جُعلت فداك.

فقال: الحسنة معرفه الولاية وحبُّنا أهل البيت، والسيِّئة إنكار الولاية وبغضنا أهل البيت، ثمّ قرأ عليه هذه الآية»(٥).

ولا دلالة فيها على وجود الإمام الثاني عشر المستقبلي.

والرواية التاسعة كذلك.

والرواية الثامنة كذلك؛ لأنَّه ورد فيها: «من أصبح من هذه الأُمَّة لا إمام له من الله (عزَّ وجلَّ) ظاهر عادل، أصبح ضالًّا تائهاً...»( ٦)، وقد قُيِّد الإمام بصفة (الظاهر)، وهذا ما لا ينطبق على الإمام الثاني عشر في زمن الغيبة.

والرواية السابعة؛ إذ جاء فيها: «أبى الله أنْ يجري الأشياء إلَّا بأسباب، فجعل لكلِّ شيء سبباً، وجعل لكلِّ سبب شرحاً، وجعل لكلِّ شرح علماً، وجعل لكلِّ علم باباً ناطقاً، عرفه من عرفه، وجهله من جهله، ذاك رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ونحن»(٧).

ولا دلالة فيها، مضافاً إلى أنَّها مرسَلة.

والسادسة أيضاً لم يأتِ فيها إلَّا الأمر باتِّباع الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وأهل بيته (عليهم السلام)، والإشارة إلى وصل طاعة وليِّ الأمر بطاعة الرسول.

بل والأُولى، وفيها: جُعلت فداك، فما معرفة الله؟

قال: «تصديق الله (عزَّ وجلَّ) وتصديق رسوله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وموالاة عليٍّ (عليه السلام) والائتمام به وبأئمَّة الهدى (عليهم السلام)، والبراءة إلى الله (عزَّ وجلَّ) من عدوِّهم، هكذا يُعرَف الله (عزَّ وجلَّ)»( ٨).

والخامسة لم تتحدَّث إلَّا عن الأئمَّة الخمسة الأوائل.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(١) الكافي (ج ١/ ص ١٨٠ و١٨١/ باب معرفة الإمام والردِّ إليه/ ح ٣).

(٢) الكافي (ج ١/ ص ١٨٣ و١٨٤/ باب معرفة الإمام والردِّ إليه/ ح ٧).

(٣) باب معرفة الإمام (عليه السلام) والردِّ إليه.

(٤) راجع: معجم رجال الحديث (ج ١٩/ ص ٢٧٩ - ٢٨٢/ الرقم ١٢٥٣٦ و١٢٥٣٧).

(٥) الكافي (ج ١/ ص ١٨٥/ باب معرفة الإمام والردِّ إليه/ ح ١٤).

(٦) الكافي (ج ١/ ص ١٨٣ و١٨٤/ باب معرفة الإمام والردِّ إليه/ ح ٨).

(٧) الكافي (ج ١/ ص ١٨٣/ باب معرفة الإمام والردِّ إليه/ ح ٧).

(٨) الكافي (ج ١/ ص ١٨٠/ باب معرفة الإمام والردِّ إليه/ ح ١).

المصدر : إرساء المحكمات وتبديد الشبهات في القضية المهدوية  ـ الشيخ كاظم القره غولي

مواضيع قد تعجبك

Execution Time: 0.0547 Seconds