ما هي العلاقة بين الإمام المهدي (عج) وبين أصحاب الكهف ؟

, منذ 1 شهر 359 مشاهدة

هناك نوع من التشابه الوطيد الصلة جدًّا بين ظاهرة أصحاب الكهف من جانب, والإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) وغيبته من جانب آخر, فقد ابتُلِيَ أصحاب الكهف بالمَلِك دقيانوس رأس الضلالة وقومه وأصحابه, وكانوا هم ثُلَّة مستضعفة, فحماها الله وحرسها بالخفاء والغيبة, هكذا نجد في عهد الإمام الهادي والإمام العسكري (عليهما السلام), كانوا مسجونين في قاعدة عسكريَّة تُدعى بـ (سُرَّ من رأى) وهي سامرَّاء حاليًّا, وكانت أكبر قاعدة عسكريَّة في العالم الإسلامي حينذاك, بل حتَّى ربَّما على وجه الأرض, وسُجِنَ فيها الإمام الهادي والإمام العسكري (عليهما السلام) كسجينين عسكريَّين تخوُّفاً من دور الإمامين (عليهما السلام) ومن تولُّد ابنهم الموعود على لسان النبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ولسان جميع الأنبياء (عليهم السلام) بأنْ يكون المصلح المنقذ المنجي للبشريَّة والذي يملأها قسطاً وعدلاً, فالبشارة بالإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) لم تقتصر على القرآن الكريم فقط: ﴿لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ﴾ (التوبة: ٣٣), ﴿وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ﴾ (القَصَص: ٥), إلى غيرها من الآيات العديدة التي مرَّت بنا, وأنَّ القرآن وعد بأنَّ الإصلاح سيكون على يد من نصَّبهم الله أئمَّة يرثون الأرض, وإنْ كانوا في فترة طويلة جدًّا متطاولة مستضعفين من قِبَل الظالمين المفسدين, بل هذا قد ورد في الزبور والتوراة والإنجيل وكُتُب السماء السابقة: ﴿وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ﴾ (الأنبياء: ١٠٥), وقد فُسِّر الزبور هنا بزُبُر الكُتُب السماويَّة. فجملة الكُتُب السماويَّة قد تعرَّضت إلى البشارة بسيِّد الأنبياء (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وبالأئمَّة الاثني عشر (عليهم السلام), وكذلك بالبشارة بالإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) وظهوره وإصلاح الأرض على يديه, وكأنَّه هو خاتمة وثمرة سلسلة مسار الأنبياء والمرسَلين (عليهم السلام) أجمع والأئمَّة (عليهم السلام) في كلِّ حقبة, فمن ثَمَّ وردت البشارة به وبغيبته في الصُّحُف الأُولى.

هنا نلاحظ أنَّ ظاهرة أصحاب الكهف قد وردت فيها جملة من العناوين العقائديَّة استعملها القرآن الكريم مشاكلة ومشابهة للعقيدة بالإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) وغيبته الواردة في آيات أُخَر وسور أُخَر, فضلاً عن الأحاديث النبويَّة الواردة, مثلاً التعبير: ﴿وَكَذَلِكَ أَعْثَرْنَا عَلَيْهِمْ لِيَعْلَمُوا أَنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ﴾ (الكهف: ٢١), أنَّ هناك وعداً من الله (عزَّ وجلَّ)، وهذا الوعد قد فُسِّر من قِبَل المفسِّرين بالمعاد والبعث, ولا ضير في هذا التفسير, لكنَّه لا ينحصر في ذلك, ففي الحقيقة أنَّ الإعادة والوعد كما استعملها القرآن الكريم في القيامة الكبرى والمعاد الأكبر, استعملها أيضاً على ما وعد به الله (عزَّ وجلَّ) البشريَّة من وعود أُخرى قطعها الباري تعالى في القرآن على نفسه, مثلاً إظهار هذا الدِّين كلِّه على جميع أجزاء الأرض, هذا وعد أيضاً ومعاد, وليس المعاد المصطلح المراد منه الآخرة, فذلك هو المعاد الأكبر, وذلك هو القيامة الكبرى, ولكن قد عبَّر القرآن الكريم أيضاً عن كلِّ وعد بيوم معيَّن فيه من ظهور الآيات الربَّانيَّة وآيات القضاء والقدر الإلهي والحكمة الإلهيَّة البارزة العظيمة, هو ذاك اليوم, يوم العدل, يوم وعد يتحقَّق فيه إنجاز الوعد الإلهي, وبالتالي فكلُّ وعود الله حقٌّ.

حقيقة الرجعة بين القبول والرفض:

إنَّ ظاهرة أصحاب الكهف ظاهرة خفاء وغيبة ورجعة, والرجوع ليس كما يقوله التناسخيَّة وبعض الفِرَق الباطلة من حلول روح في بدن آخر، وما شابه ذلك من هذه الأُمور الباطلة الواهية, وإنَّما هي رجوع هذه الأرواح إلى نفس هذه الأبدان الدنيويَّة, كما هو في النوم, فالنوم كما ورد في الحديث الشريف وكما ورد في الآية الكريم: ﴿اللهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا﴾ (الزمر: ٤٢), فعبَّر عن النوم أيضاً بأنَّه نوع توفِّي للأنفس, فهو صنف شبيه يشاكل الموت, فرجوع أصحاب الكهف في الحقيقة ظاهرة بيِّنة على عقيدة الرجعة التي تؤمن بها مدرسة أهل البيت (عليهم السلام), من رجوع الأئمَّة الاثني عشر (عليهم السلام) إلى دار الدنيا, طبعاً في أبدانهم لا في أبدان أُخرى, كي يكون هنا فرز وتمييز بين قول الرجعة وأقوال باطلة أُخرى من أقوال التناسخيَّة والمخمِّسة وغيرهما من الفِرَق الباطلة, بل هو رجوع الأرواح إلى نفس أبدانها, كما في النفس البشريَّة عندما تنام, هي نوع توفٍّ للأنفس شبيه للموت, فالاستيقاظ نوع من الرجوع, لكن هذه في فترة قصيرة ستّ ساعات أو ثماني ساعات, أمَّا في نوع أصحاب الكهف فكان قروناً, ثمّ بعثهم الله كما عبَّر القرآن الكريم في قصَّة أصحاب الكهف: ﴿وَكَذَلِكَ بَعَثْنَاهُمْ لِيَتَسَاءَلُوا بَيْنَهُمْ﴾ (الكهف: ١٩), لكنَّه ليس هو البعث الأكبر, فذلك في يوم القيامة, وإنَّما هذا بعث آخر, كما ورد أيضاً أنَّ الإيقاظ من النوم وإيلاج الروح بعد مفارقتها للبدن في المقام ليس مفارقة كلّيَّة طبعاً هو نوع من البعث الإلهي, ﴿وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُمْ بِالنَّهَارِ ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ﴾ (الأنعام: ٦٠), فإذن عنوان (البعث) ورد في القرآن الكريم لليقظة من المنام, وكذلك ورد في أصحاب الكهف, وهذا غير التناسخ الباطل، أو ما تقوله الفِرَق الباطلة, وإنَّما هو في نفس بدنه وليس في بدن آخر, علقة بين الروح ونفس البدن, كما هي في الآخرة حيث تُبعَث الأرواح في أبدانهم وليس بأبدان أُخرى, ولا صلة له بالمقولة التناسخيَّة الباطلة.

إذن هناك بعث أكبر ومعاد أكبر وقيامة كبرى, ويُبيِّن لنا القرآن الكريم أنَّ هناك عدَّة حُقَب من البعث أيضاً, ورجعة الأرواح إلى الأبدان نفسها لا أبدان غيرها في دار الدنيا مهما تطاولت القرون, هذه ظاهرة موجودة في أصحاب الكهف, وتقع في هذه الأُمَّة, وهي عقيدة الرجعة التي تُشيِّدها مدرسة أهل البيت (عليهم السلام).

والجانب المهمُّ في مقام حديثنا الذي نحن فيه هو ظاهرة غيبة الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه), وأنَّها قد استُعمِلَ فيها عناوين في القرآن الكريم وفي الحديث النبوي, ووردت بنفسها أيضاً في ظاهرة أصحاب الكهف, إنَّما هي ظاهرة خفاء مجموعة طالت عدَّة قرون, وأنَّ الله وعدهم بأنْ يظفرهم ولو بإلهام الفطرة وبيقين الفطرة, أو أنَّ الله وعد في منشور كُتُبه بأنَّ العاقبة تكون للمتَّقين, وهؤلاء متَّقون, فأنجز الله هذا الوعد. كما أنَّ هناك وعداً إلهيًّا أيضاً في الآخرة بالمعاد والقيامة الكبرى, فهاهنا استعمل الظهور كمصداق من مصاديق تحقُّق الوعد الإلهي.

الوعد القرآني في ظهور الإمام الحجَّة (عجَّل الله فرجه):

كذلك الحال في ظاهرة الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) وغيبته, هناك وعد قرآني لإظهاره, وعود في آيات قرآنيَّة وبألسن مختلفة وببيانات قرآنيَّة متنوِّعة، وببيانات في الحديث النبوي المتواتر متعدِّدة، أنْ يُظهر الله المهدي (عجَّل الله فرجه) من ذرّيَّة الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وذرّيَّة فاطمة وعليٍّ (عليهما السلام) ليملأها قسطاً وعدلاً.

والتعبير الآخر الثاني المشاكل لما ورد في العقيدة بالإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) وغيبته بالساعة, مع أنَّ الساعة هنا أُريد بها الساعة الكبرى, وهي يوم القيامة الكبرى, ولكن في سياق آخر طُبِّق على ساعة ظهور أصحاب الكهف, حيث إنَّ هناك نوعاً من المشاكلة بين إظهار الله (عزَّ وجلَّ) لأصحاب الكهف حيث هو مقدَّر في القضاء الإلهي مع تلك الساعة الكبرى, وهذا هو الذي ورد أيضاً أنَّ أحد معاني الساعة ظهور المهدي (عجَّل الله فرجه), وإنْ كان هذا لا ينافي الساعة الكبرى وهي القيامة الكبرى, وربَّما أُطلِقَ على ظهور المهدي (عجَّل الله فرجه) القيامة الصغرى, والرجعة القيامة الوسطى, وهي رجعة أئمَّة أهل البيت (عليهم السلام) إلى الدنيا.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المصدر : الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) والظواهر القرآنية ، دراسة تستعرض الحركات الإصلاحية عبر التاريخ من خلال الرؤية القرآنية وتقارنها مع حركة الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه).

تأليف : سماحة الشيخ محمد السند.

مواضيع قد تعجبك

Execution Time: 0.0544 Seconds