لعلَّ قائلاً يقول: ما تفسير ما وقع من خروج كتاب ورد من الناحية المقدَّسة حرسها الله ورعاها على الشيخ المفيد أبي عبد الله محمّد بن محمّد بن النعمان (قدَّس الله روحه ونوَّر ضريحه)؟
وما تفسير ما شاع نقله واستفاض من تشرُّف عدَّة من أساطين الفقهاء والعلماء بلقائه (عجَّل الله فرجه)، حتَّى إن ثُلَّة منهم نقل عنه (عجَّل الله فرجه) بعض الأدعية المسطورة في كُتُب الشيعة؟
وكيف يتَّفق مع ما تسالمت عليه الطائفة من انقطاع السفارة، وأنَّ «مَنِ اِدَّعَى اَلمُشَاهَدَةَ قَبْلَ خُرُوجِ اَلسُّفْيَانِيِّ وَاَلصَّيْحَةِ فَهُوَ كَاذِبٌ مُفْتَرٍ»، كما ورد في التوقيع الذي خرج على يد النائب الرابع.
فتفسير ذلك: أنَّه التبس على القائل معنى السفارة والنيابة الخاصَّة والوكالة والبابيَّة مع ما ذكره من الموارد، ولنُوضِّح الفرق بمثال موجود في يومنا هذا.
وهو الفرق بين سفير دولة ما وبين مواطن كأحد المواطنين لتلك الدولة قد أبلغ من قِبَلها بإيصال رسالة ما إلى جهة معيَّنة، فالسفير للدولة له منصب دائم من قِبَلها لإيصال والقيام بنيابة الدولة وتمثيلها، بخلاف ذلك المواطن الذي اتَّفق أنْ أُمِرَ بإيصال رسالة ما، فإنَّه لم يُنصَّب لمقام معيَّن، ولم يُجعَل ممثِّلاً دائميًّا.
ومن ثَمَّ نقول: الفرق بين الباب والسفير وبين مثل المكاتبة التي تشرَّف بها المفيد (رضوان الله تعالى عليه) هو أنَّ السفير كالنُوَّاب الأربعة في الغيبة الصغرى هو الذي يُنصَّب بنحو دائم كحلقة وصل بين الشيعة والإمام، ويكون على اتِّصال دائم بحيث يوصل من وإلى الحجَّة (عجَّل الله فرجه)، وهو يأتمر في كلِّ صغيرة وكبيرة من أعماله وإجراءاته وتنفيذه في المهامِّ الدِّينيَّة من قِبَل الحجَّة (عجَّل الله فرجه)، وتظهر على يديه دلائل وبراهين على النيابة الخاصَّة من قِبَل الحجَّة (عجَّل الله فرجه)، مع إظهار السفير سفارته لأجلاء الطائفة الإماميَّة، وأين هذا من مثل المكاتبة المذكورة؟
وقد تقدَّم ذكر عدَّة ممَّن كانوا يكتبون الأسئلة ويبعثون بها إلى الحجَّة (عجَّل الله فرجه) عبر النُّوَّاب في الغيبة الصغرى، كأبي جعفر محمّد بن عبد الله بن جعفر الحميري المعروف بمكاتبته للحجَّة (عجَّل الله فرجه) عبر النُّوَّاب الأربعة، ومع ذلك فلم يكن سفيراً ولا نائباً خاصًّا ولا وكيلاً بالمباشرة ولا بالواسطة بل كسائر الفقهاء.
وكذلك عدَّة كثيرة من الفقهاء كاتبوا في الغيبة الصغرى عبر النُّوَّاب الأربعة أو كُتِبَ إليهم.
منهم محمّد بن صالح، وإسحاق بن يعقوب، ومحمّد بن الصالح، والحسن بن الفضل اليماني، وعليُّ بن محمّد الشمشاطي، وأبو رجاء المصري، ومحمّد بن هارون، وأبو القاسم بن أبي حليس، وهارون بن موسى بن الفرات، ومحمّد بن محمّد البصري، ومحمّد بن يزداذ، ومحمّد بن كشمرد، وعليُّ بن محمّد بن إسحاق الأشعري، وإبراهيم بن محمّد بن الفرج، وغيرهم كثير جدًّا، ومع ذلك لم يكونوا وكلاء بالمباشرة ولا بالواسطة.
هذا مع أنَّ الشيخ المفيد (رحمه الله) كُتِبَ إليه من الحجَّة (عجَّل الله فرجه) لأنَّه أرسل كتاباً ثمّ أتاه الجواب، وكيف يُتوهَّم أنَّ الشيخ المفيد (رحمه الله) يدَّعي أنَّه سفير مع أنَّه نفسه (رحمه الله) ذكر في (الرسائل الخمس في الغيبة) انقطاع السفارة والنُّوَّاب بموت النائب الرابع في الغيبة الصغرى، وذكر ذلك في كتاب (الإرشاد) في الفصل الذي عقده للإمام الثاني عشر (عجَّل الله فرجه)(1)، وفي بقية كُتُبه، ومع أنَّ الشيخ المفيد (رحمه الله) نفسه ذكر عن شيخه أبي القاسم جعفر بن محمّد بن قولويه (رحمه الله): (إنَّ عندنا أنَّ كلَّ من ادَّعى الأمر بعد السمري (رحمه الله) فهو كافر منمِّس ضالٌّ مضلٌّ).
نعم، الشيخ المفيد (رحمه الله) كبقيَّة الفقهاء العدول له النيابة العامَّة، وهي المرجعيَّة، والتي يستقي الفقيه علمه بالأحكام الشرعيَّة من الكتاب والأخبار المأثورة عن الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) والأئمَّة (عليهم السلام)، كما تقدَّم شرح ذلك في الأمر الثالث من هذا الفصل.
هذا مع أنَّه يصعب الجزم بصدور هذا الكتاب من الناحية المقدَّسة ووروده للشيخ المفيد (رحمه الله)، وذلك لأنَّ الشيخ الطبرسي (رحمه الله) تفرَّد بذكر ذلك في كتابه (الاحتجاج)، ولم يذكر طريقه وسنده إلى الشيخ المفيد (رحمه الله).
أمَّا تفرُّده فلأنَّ الشيخ الطوسي (رحمه الله) وهو تلميذ الشيخ المفيد (رحمه الله) ومن خواصِّه المقرَّبين إليه لم يذكر ذلك في كتابه (الرجال) و(الفهرست) عند ترجمة شيخه المفيد (رحمه الله)، مع أنَّه أثنى عليه بأبلغ الثناء والمدح، ولو كان مثل هذا الكتاب من الناحية المقدَّسة لناسب ذكره في الترجمة، لأنَّه أبلغ شيء في التعريف بمكانة شيخه، كما لم يذكر الشيخ الطوسي (رحمه الله) هذه الواقعة في بقيَّة كُتُبه.
وكذلك الشيخ الجليل أبو العبَّاس أحمد بن عليٍّ النجاشي تلميذ الشيخ المفيد (رحمهما الله) لم يذكر ذلك في ترجمة شيخه في (رجاله) مع أنَّه أطرى عليه بأحسن الثناء.
وكذلك لم يُعثَر في كُتُب السيِّد المرتضى عليِّ بن الحسين الموسوي (رحمه الله) على ذكر لهذه الواقعة، مع أنَّ السيِّد يأتي بشيء من الإطراء والمدح لأُستاذه الشيخ المفيد (رحمه الله) عند تصادف ذكر شيخه في كُتُبه.
وكذلك لم يذكر ذلك ابن الحلِّي (رحمه الله) في (سرائره) في المستطرفات في ما استطرفه من كتاب (العيون) و(المحاسن) تصنيف المفيد (رحمه الله)، حيث أتى بترجمة للمفيد (رحمه الله) في البدء فيها من المدح والثناء الجميل.
وكذلك لم يذكر ذلك العلَّامة الحلِّي (رحمه الله) في كتاب (الرجال) عند ترجمة الشيخ المفيد (رحمه الله)، مع أنَّه أطرى عليه بالمدح الجزيل، مع أنَّ العلَّامة الحلِّي (رحمه الله) من أعلام الطائفة في القرن السابع، فهو متأخِّر عن الشيخ الطبرسي (رحمه الله) الذي هو من أعلام القرن السادس.
وكذلك لم يذكر ذلك تقي الدِّين ابن داود الحلِّي (رحمه الله) المعاصر للعلَّامة الحلِّي (رحمه الله) في كتاب (الرجال).
وكذلك لم يذكر ذلك الشيخ أبو الفتح الكراجكي تلميذ المفيد (رحمهما الله)، مع أنَّه كرَّر ذكره في كتابه (كنز الفوائد).
نعم، ذكر ابن شهرآشوب السروي (رحمه الله) في (معالم العلماء): (ولقَّبه بالشيخ المفيد صاحب الزمان (صلوات الله عليه)، وقد ذكرت سبب ذلك في مناقب آل أبي طالب)(2)، ولكن لم يُعثَر على ذلك في كتابه (المناقب)، وقد ذكر المصحِّح الذي أشرف على طبع كتاب (المناقب): (وليُعلَم أنَّ الموجود من المناقب في أحوال الأئمَّة (عليهم السلام) إلى العسكري، ولم نعثر على أحوال الحجَّة (عليه السلام) منه، ولا نقله من تقدَّمنا من سدنة الأخبار كالمجلسي (رحمه الله) والشيخ الحرِّ وأمثالهما، وربَّما يُتوهَّم أنَّه لم يُوفَّق لذكر أحواله (عليه السلام)، إلَّا أنَّه قال في (معالم العلماء) في ترجمة المفيد (رحمه الله): إنَّه لقَّبه به صاحب الزمان (عليه السلام)، قال: (وقد ذكرت سبب ذلك في مناقب آل أبي طالب)، والظاهر أنَّه كتبه في جملة أحواله (عليه السلام) في هذا الباب سقط من هذا الكتاب)(3).
وعلى أيَّة حالٍ، فابن شهرآشوب تلميذ الشيخ الطبرسي (رحمهما الله) كما ذكر هو ذلك(4)، فالمظنون قويًّا أنَّه نقله عن الطبرسي (رحمه الله).
وكذلك ما يُحكى عن (رسالة نهج العلوم) ليحيى بن بطريق الحلِّي (رحمه الله) صاحب كتاب (العمدة في عيون صحاح الأخبار في مناقب إمام الأبرار) المتوفَّى سنة (٦٠٠) هجريَّة أنَّه ذكر التوقيعات المذكورة إلى الشيخ المفيد (رحمه الله)، فالمظنون قويًّا أنَّه نقله عن ابن شهرآشوب (رحمه الله)، لأنَّه الراوي عنه(5)، أو نقله عن الشيخ الطبرسي (رحمه الله).
هذا مع أنَّ ابن إدريس (رحمه الله) ذكر في كتاب (السرائر) في ما استطرفه من كتاب (العيون) و(المحاسن) تصنيف الشيخ المفيد (رحمه الله) أنَّ الذي سمَّاه بهذا اللقب عليُّ بن عيسى الرمَّاني عندما أفحمه المفيد (رحمه الله) وكان في بداية نشوه العلمي(6)، لا أنَّ هذا اللقب اشتهر به في آخر عمره كما هو مقتضى تاريخ التوقيع، إلَّا أنْ يريد ابن شهرآشوب (رحمه الله) جري هذا اللقب على لسانه الشريف (عجَّل الله فرجه)، وما في ذلك من المدح للمفيد (رضوان الله تعالى عليه).
وأمَّا عدم ذكر الطريق، فلأنَّ الشيخ الطبرسي (رحمه الله) لا يروي مباشرةً عن المفيد (رحمه الله)، بل لا بدَّ من الواسطة، ولم تُذكر في كلامه (رفع الله مقامه).
وهو وإنْ ذكر في أوَّل كتاب (الاحتجاج) حيث يقول: (ولا نأتي في أكثر ما نورده من الأخبار بإسناده إمَّا لوجود الإجماع عليه، أو موافقته لما دلَّت العقول إليه، أو لاشتهاره في السِّيَر والكُتُب بين المخالف والمؤالف)(7).
لكن شيئاً من الأقسام الثلاثة غير متحقِّق لدينا.
أمَّا الإجماع والاتِّفاق، فقد عرفت خلوَّ كُتُب التراجم والرجال المصنَّفة ممَّن هو أقرب زمناً من الشيخ الطبرسي (رحمه الله) من ذلك، ومن ذلك لا يتحقَّق لدينا وجود الشهرة أيضاً في تلك الأعصار(8).
وأمَّا الموافقة للدليل العقلي، فلا دليل عقلي في البين على وقوع ذلك.
نعم، الشيخ الطبرسي (رحمه الله) لا محالة قد تحقَّق لديه أحدها، ولكن لم يتحقَّق لدينا كما عرفت.
وهنا إشكال آخر ذكره السيِّد المحقِّق الخوئي (قدّس سرّه) في (المعجم) بقوله:
(هب أنَّ الشيخ المفيد جزم بقرائن أنَّ التوقيع صدر من الناحية المقدَّسة، ولكن كيف يمكننا الجزم بصدوره من تلك الناحية؟)(9).
ووجه هذا الإشكال أنَّ المفيد (رحمه الله) ليس سفيراً خاصًّا وباباً للحجَّة (عجَّل الله فرجه) كي يُجزَم بما قد جزم به المفيد (رحمه الله) أنَّه من الناحية، إذ قد لا يحصل الجزم من تلك القرائن فيما لو علمنا بها.
وهذا بخلاف الحال في السفير والباب الخاصِّ بالحجَّة (عجَّل الله فرجه)، فإنَّ مقتضى سفارته حجّيَّة قوله فيما يُؤدِّيه عن الحجَّة من دون احتمال الخطأ والغفلة، كما ورد في قول الإمام العسكري (عليه السلام) عند تنصيصه على نيابة العمري وابنه: «اَلْعَمْرِيُّ وَاِبْنُهُ ثِقَتَانِ، فَمَا أَدَّيَا إِلَيْكَ عَنِّي فَعَنِّي يُؤَدِّيَانِ، ومَا قَالَا لَكَ فَعَنِّي يَقُولَانِ»، «فَاقْبَلُوا مِنْ عُثْمَانَ (النائب الأوَّل العمري) مَا يَقُولُهُ، وَاِنْتَهُوا إِلَى أَمْرِهِ، وَاِقْبَلُوا قَوْلَهُ، فَهُوَ خَلِيفَةُ إِمَامِكُمْ، وَاَلْأَمْرُ إِلَيْهِ».
ومن ذلك كلِّه يظهر لك تفسير تشرُّف عدَّة من أكابر العلماء والفقهاء والأتقياء بلقاء الحجَّة (عجَّل الله فرجه) وسعادتهم بجمال محضره الشريف، فإنَّ ذلك ليس يعني سفارتهم وبابيَّتهم وأنَّهم منصوبون لذلك.
بل إنَّ ذلك نتيجة الطهارة من الذنوب ومن النزعات الشيطانيَّة والحيوانيَّة، إذ قد ورد في بعض الروايات أنَّ الحاجب بيننا وبين نور مطلعه الباهر (عليه أفضل صلوات المَلِك القادر) هي ذنوبنا وسيِّئات أعمالنا(10).
وقد ذكر الصدوق (رحمه الله) في (كمال الدِّين) عدَّة كثيرة ممَّن تشرَّف بلقائه (عجَّل الله فرجه) في الغيبة الصغرى فترة النُّوَّاب الأربعة(11)، ولم تكن تلك العدَّة التي تشرَّفت بلقائه (عجَّل الله فرجه) سفراء ونُوَّاباً.
وأمَّا توافق ذلك مع ما خرج من التوقيع على يد عليِّ بن محمّد السمري النائب الرابع والأخير: «مَنِ اِدَّعَى اَلمُشَاهَدَةَ قَبْلَ خُرُوجِ اَلسُّفْيَانِيِّ وَاَلصَّيْحَةِ فَهُوَ كَاذِبٌ مُفْتَرٍ».
فلأنَّ معنى التوقيع المبارك كما هو الراجح لدى العلماء هو ادِّعاء النيابة الخاصَّة والسفارة، بقرينة أنَّ التوقيع صدر قرب وفاة السمري (رحمه الله)، حيث إنَّ في أوَّله تعزية الإمام (عجَّل الله فرجه) المؤمنين بموت السمري ما بينه وبين ستَّة أيَّام، ثمّ أمره (عجَّل الله فرجه) بعدم الوصاية إلى أحد يقوم مقامه بعد وفاته، إذ قد وقعت الغيبة التامَّة، وأنَّه لا ظهور حتَّى يأذن الله تعالى ذكره. هذه كلُّها قرائن أنَّ سياق الكلام دالٌّ على تكذيب ادِّعاء النيابة والسفارة بعد السمري (رضوان الله تعالى عليه).
ونصُّ التوقيع كما ذكره الشيخ (رحمه الله) في (الغيبة)، قال: وَأَخْبَرَنَا جَمَاعَةٌ (وهم مشايخه)، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ اَلْحُسَيْنِ بْنِ بَابَوَيْهِ (الصدوق)، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو مُحَمَّدٍ اَلْحَسَنُ بْنُ أَحْمَدَ اَلمُكَتِّبُ (الذي ترحَّم عليه الصدوق (رحمه الله) في كمال الدِّين)، قَالَ: كُنْتُ بِمَدِينَةِ اَلسَّلَامِ فِي اَلسَّنَةِ اَلَّتِي تُوُفِّيَ فِيهَا اَلشَّيْخُ أَبُو اَلْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ اَلسَّمُرِيُّ (قدّس سرّه)، فَحَضَرْتُهُ قَبْلَ وَفَاتِهِ بِأَيَّامٍ، فَأَخْرَجَ إِلَى اَلنَّاسِ تَوْقِيعاً نُسْخَتُهُ: «بِسْمِ اَلله اَلرَّحْمَنِ اَلرَّحِيمِ، يَا عَلِيَّ بْنَ مُحَمَّدٍ اَلسَّمُرِيَّ، أَعْظَمَ اَللهُ أَجْرَ إِخْوَانِكَ فِيكَ، فَإِنَّكَ مَيِّتٌ مَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ سِتَّةِ أَيَّامٍ، فَاجْمَعْ أَمْرَكَ وَلَا تُوصِ إِلَى أَحَدٍ فَيَقُومَ مَقَامَكَ بَعْدَ وَفَاتِكَ، فَقَدْ وَقَعَتِ اَلْغَيْبَةُ اَلتَّامَّةُ، فَلَا ظُهُورَ إِلَّا بَعْدَ إِذْنِ اَلله تَعَالَى ذِكْرُهُ، وَذَلِكَ بَعْدَ طُولِ اَلْأَمَدِ، وَقَسْوَةِ اَلْقُلُوبِ، وَاِمْتِلَاءِ اَلْأَرْضِ جَوْراً. وَسَيَأْتِي شِيعَتِي مَنْ يَدَّعِي اَلمُشَاهَدَةَ، أَلَا فَمَنِ اِدَّعَى اَلمُشَاهَدَةَ قَبْلَ خُرُوجِ اَلسُّفْيَانِيِّ وَاَلصَّيْحَةِ فَهُوَ كَذَّابٌ مُفْتَرٍ، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِالله اَلْعَلِيِّ اَلْعَظِيمِ»(12).
وقد أنبأ (عجَّل الله فرجه) شيعته بمجيء المدَّعين الكذَّابين المفترين، وقد حصل مجيئهم كرَّات ومرَّات ولا زال في يومنا هذا، وهذا الإنباء بالمستقبل من معجزاته (عجَّل الله فرجه). وواضح أنَّ من يدَّعي المشاهدة للحجَّة (عجَّل الله فرجه) ليس غرضه إلَّا إظهار نفسه كوسيط وسفير للحجَّة (عجَّل الله فرجه)، وهذه قرينة أُخرى على أنَّ المعنى المراد في التوقيع المبارك هو ادِّعاء النيابة والسفارة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) راجع: الإرشاد (ج ٢/ ص ٣٤٠).
(2) معالم العلماء (ص ١٤٨).
(3) مناقب آل أبي طالب (ج ٤/ ص ٤٤٦ و٤٤٧)، وإلى ذلك أشار الميرزا النوري (قدّس سرّه) في خاتمة المستدرك (ج ٣/ ص ٢٣٤) في ترجمة المفيد (رحمه الله).
(4) معالم العلماء (ص ٦١/ الرقم ١٢٥).
(5) راجع: الذريعة إلى تصانيف الشيعة (ج ١٥/ ص ٣٣٤/ الرقم ٢١٥٥).
(6) راجع: مستطرفات السرائر (ص ٦٤٨ و٦٤٩).
(7) الاحتجاج (ج ١/ ص ١٠).
(8) نعم، حكى صاحب لؤلؤة البحرين (رحمه الله) في (ص ٣٥٠)، عن ابن بطريق الحلِّي (رحمه الله) في رسالة نهج العلوم أنَّ التواقيع ترويها كافَّة الشيعة وتتلقَّاها بالقبول، فلاحظ.
(9) معجم رجال الحديث (ج ١٨/ ص ٢٢٠).
(10) مثل الرواية التي أخرجها الطبري الشيعي (رحمه الله) في دلائل الإمامة (ص ٥٣٩ - ٥٤٢/ ح ٥٢٢/١٢٦) من مشاهدة ابن مهزيار له (عجّل الله فرجه) عند قوله (عجّل الله فرجه): «فَمَا اَلَّذِي أَبْطَأَ بِكَ عَلَيْنَا؟».
(11) راجع: كمال الدِّين (ص ٤٣٤ - ٤٧٩/ باب ٤٣ ذكر من شاهد القائم (عليه السلام) ورآه وكلَّمه).
(12) الغيبة للطوسي (ص ٣٩٥/ ح ٣٦٥)؛ ورواه الصدوق (رحمه الله) في كمال الدِّين (ص ٥١٦/ باب ٤٥/ ح ٤٤)، والشيخ الطبرسي (رحمه الله) في إعلام الورى (ج ٢/ ص ٢٦٠)، وابن حمزة (رحمه الله) في الثاقب في المناقب (ص ٦٠٣ و٦٠٤/ ح ٥٥١/١٥)، والراوندي (رحمه الله) في الخرائج والجرائح (ج ٣/ ص ١١٢٨ و١١٢٩/ ح ٤٦)، وأحمد بن عليٍّ الطبرسي (رحمه الله) في الاحتجاج (ج ٢/ص ٢٩٧).
المصدر : دعوى السفارة في الغيبة الكبرى ـ تأليف : سماحة الشيخ محمد السند.
موقع ديني مختص في مسائل الإمام المهدي (عج) تابع لشعبة البحوث والدراسات - ق. الشؤون الدينية - الأمانة العامة للعتبة الحسينية المقدسة