في غيبة الإمام المهدي (عجّل الله تعالى فرجه الشريف)، يعيش المؤمنون شوقًا لرؤيته وتطلعًا لنصرته، وقد يتبادر إلى أذهان الكثيرين سؤال عقائدي عميق: هل الإمام يدعو لنا؟ هل يذكرنا في غيبته؟ هل يستغفر لنا ويهتم بأحوالنا؟
هذا السؤال يتصل بجانب وجداني وعقائدي في العلاقة بين الإمام وشيعته، وقد تناولته الروايات والنصوص المأثورة عن الأئمة (عليهم السلام) بما يكشف عن عناية الإمام الغائب بالمؤمنين ودعائه لهم واستغفاره بحقهم.
أولًا: الإمام المهدي والدعاء للمؤمنين في الروايات
ورد في عدد من الروايات أن الإمام المهدي يدعو للمؤمنين ويستغفر لهم باستمرار، بل هو يتعهد بذلك بنفسه في بعض التوقيعات المنسوبة إليه.
التوقيع الشريف للإمام إلى الشيخ المفيد:
من أبرز النصوص التي توضح هذا المعنى، التوقيع المعروف الوارد في كتاب الاحتجاج للطبرسي، والذي جاء فيه:
"إنا غير مهملين لمراعاتكم، ولا ناسين لذكركم، ولولا ذلك لنزل بكم اللأواء واصطلمكم الأعداء."
شرح المعنى:
"غير مهملين لمراعاتكم" تعني أن الإمام يعتني بشؤون المؤمنين ويرعاهم.
"ولا ناسين لذكركم" تدل على أن الإمام يذكر المؤمنين بدعائه.
"لولا ذلك" يعني أن وجود هذه العناية هو السبب في دفع البلاء وكفّ الأعداء عنهم.
هذا النص يحمل دلالة واضحة على أن الإمام في غيبته ليس غائبًا عن أحوال المؤمنين، بل هو حاضر بدعائه واستغفاره واهتمامه المستمر.
ثانيًا: في أدعية الإمام المهدي
من الأدعية المنسوبة إليه مباشرة، والتي تكشف عن اهتمامه بالمؤمنين:
دعاؤه في "دعاء الحجة":
ورد عن الإمام المهدي (عج) في أحد الأدعية:
" اللّهُمَّ ارزُقنا تَوفِيقَ الطَّاعَةِ وَبُعدَ المَعصِيَةِ وَصِدقَ النِيَّةِ وَعِرفانَ الحُرمَةِ، وَأَكرِمنا بالهُدى وَالاستِقامَةِ وَسَدِّد أَلسِنَتَنا بِالصَّوابِ وَالحِكمَةِ، وَاملأ قُلُوبَنا بِالعِلمِ وَالمَعرفَةِ، وَطَهِّر بُطُونَنا مِنَ الحَرامِ وَالشُّبهَةِ، وَاكفُف أَيدِيَنا عَن الظُّلمِ وَالسَّرِقَةِ، وَاغضُض أَبصارَنا عَن الفُجُورِ وَالخيانَةِ، وَاسدُد أَسماعَنا عَن اللَّغوِ وَالغِيبَةِ، وَتَفَضَّل عَلى عُلَمائِنا بِالزُّهدِ وَالنَّصِيحَةِ وَعَلى المُتَعَلِّمِينَ بالجِهدِ وَالرَّغبَةِ وَعَلى المُستَمِعِينَ بِالاتِّباعِ وَالمَوعِظَةِ، وَعَلى مَرضى المُسلِمِينَ بِالشِّفاءِ وَالرَّاحَةِ، وَعَلى مَوتاهُم بِالرَّأفَةِ وَالرَّحمَةِ، وَعَلى مَشايِخِنا بِالوِقارِ وَالسَّكِينَةِ، وَعَلى الشَّبابِ بِالإنابَةِ وَالتَّوبَةِ، وَعَلى النِّساءِ بالحَياءِ وَالعِفَّةِ، وَعَلى الاَغنِياءِ بِالتَّواضِعِ وَالسِّعَةِ، وَعَلى الُفَقراءِ بِالصَبرِ وَالقَناعَةِ وَعَلى الغُزاةِ بِالنَصرِ وَالغَلَبَةِ، وَعَلى الاُسَراءِ بِالخَلاصِ وَالرَّاحَةِ، وَعَلى الاُمَراءِ بِالعَدلِ وَالشَّفَقَةِ، وَعَلى الرَّعِيَّةِ بِالإنصافِ وَحُسنِ السَّيرَةِ، وَبارِك لِلحُجّاجِ وَالزُّوّارِ فِي الزَّادِ وَالنَّفَقَةِ، وَاقضِ ما أَوجَبتَ عَلَيهِم مِنَ الحَجِّ وَالعُمرَةِ بِفَضلِكَ وَرَحمَتِكَ يا أرحَمَ الرَّاحِمِينَ.
هذا الدعاء وإن كان عامًا، إلا أن مضمونه يتناول أحوال شيعته في كل تفاصيلها: من التوفيق، إلى ترك المعصية، إلى نور اليقين، إلى إصلاح ذات البين. ومن الطبيعي أن يكون صدوره من الإمام الحجة (عج) موجهًا إلى المؤمنين من أمّته.
ثالثًا: العلاقة الروحية بين الإمام وشيعته
الإمام ليس مجرد قائد سياسي أو رمز روحي غائب، بل هو الواسطة بين العبد وربّه في الهداية والتوفيق، كما ورد عن الإمام الصادق (ع) :
" نحن أئمة المسلمين، وحجج الله على العالمين، وسادة المؤمنين، وقادة الغر المحجلين، وموالي المؤمنين، ونحن أمان أهل الارض كما أن النجوم أمان لاهل السماء، ونحن الذين بنا يمسك الله السماء أن تقع على الارض إلا بإذنه، وبنا يمسك الارض أن تميد بأهلها، وبنا ينزل الغيث، وبنا ينشر الرحمة، ويخرج بركات الارض، ولولا ما في الارض منا لساخت بأهلها.."
(كمال الدين وتمام النعمة: ص 207)
فكما أن وجود الإمام سبب في بقاء نظام الكون، فهو أيضًا سبب في استغفار دائم ورحمة مستمرة للمؤمنين، فهو كالوالد الشفيق على شيعته، يدعو لهم دائمًا بالهداية والثبات.
رابعًا: دعاء المؤمنين له يستوجب دعاءه لهم
جاء في العديد من الأدعية الواردة في زمن الغيبة كـ"دعاء العهد" و"دعاء زمن الغيبة" وغيرها، أن المؤمن يطلب من الله أن يجعل له نصيبًا في دعاء الإمام، وهذا فيه إشارة إلى أن الإمام يدعو لشيعته، وأنهم يتوسلون إلى الله أن يكونوا من المشمولين بذلك الدعاء.
خامسًا: نتائج دعاء الإمام للمؤمنين
إذا ثبت أن الإمام يدعو للمؤمنين، فما هي ثمرة هذا الدعاء؟
دفع البلاء عنهم.
توفيقهم للطاعة.
ثباتهم على الولاية.
تفريج كرباتهم الفردية والاجتماعية.
حفظ الإيمان في القلوب رغم المحن والفتن.
ولهذا فإن العديد من العلماء يرون أن من بركات وجود الإمام وإن كان غائبًا، هو الستر الرباني الذي يشمله بدعائه، كما ورد في مضمون بعض الراوايات:
"إنه كالشمس وراء السحاب، ينتفع الناس بنوره دون أن يروه."
خاتمة
نعم، الإمام المهدي (عجّل الله تعالى فرجه الشريف) يدعو ويستغفر للمؤمنين، ويرعاهم في غيبته، ويذكرهم دعاءً وشفقةً، ويهتم بأحوالهم، ويعرض عليه أعمالهم.
فالاستغفار والدعاء للمؤمنين من الإمام الحجة حقيقة ثابتة في تراث أهل البيت، وهي باب رجاء عظيم للمؤمنين في هذا الزمن المضطرب، ودليل على استمرار العلاقة الروحية بين الإمام وشيعته رغم غيبته.
موقع ديني مختص في مسائل الإمام المهدي (عج) تابع لشعبة البحوث والدراسات - ق. الشؤون الدينية - الأمانة العامة للعتبة الحسينية المقدسة