في معرض الجواب عنه نقول: يكفي أن تكون صلتنا له وهديتنا لمحضره محطّ قبول نظره المبارك وتفضّله علينا برضاه بصلتنا, وكما قال الشاعر:
أهدي لمجلسه الكريم وإنَّما * * * أهدي له ما حزت من نعمائه
كالبحر يمطره السحاب وما له * * * منٌّ عليه لأنَّه من مائه(1)
وكما قال آخر:
فإن يقبلوا(2) منّي هدية قاصر * * * عددت لكم ذاك القبول من الفضل
وكان قبول عندكم فضل رحمة * * * يعزُّ بها قلب الوليّ من الذلّ
ويوجب شكراً عنده، لمقامكم * * * وفرض حقوق لا يقوم لها مثلي(3)
ولذلك ينبغي التنبّه إلى هذه النقطة وتركيزها في القلب, وهو أنَّنا نحن الذين بحاجة إلى أن يتقبَّل منّا الإمام (عليه السلام) ما نصله به, أمَّا هو (عليه السلام) فغناه من الغني المطلق.
جاء في الحديث الشريف عن أبي عبد الله (عليه السلام): «من زعم أنَّ الإمام يحتاج إلى ما في أيدي الناس فهو كافر, إنَّما الناس يحتاجون أن يقبل منهم الإمام, قال الله (عزَّ وجلَّ): ﴿خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ﴾ [التوبة: ١٠٣]»(4).
وفي آخر عنه (عليه السلام)، قال: «إنّي لآخذ من أحدكم الدرهم وإنّي لمن أكثر أهل المدينة مالاً, ما أُريد بذلك إلّا أن تطهروا»(5).
هذا مضافاً إلى دعائه لنا, ودعاؤه مقبول عند الله قطعاً لأنَّه حائز على جميع شروط قبول الدعاء من الإخلاص والنيّة والتوكّل وغيرها, وقد جاء في الحديث القدسي: «ادعني بلسانٍ لم تعصني به»(6)، وأيّ لسانٍ أفضل من لسان المعصوم (عليه السلام)؟ وجاء في دعاء الندبة: «أيْنَ الْمُضْطَرُّ الَّذِي يُجَابُ إِذَا دَعَا»(7)، في إشارة واضحة لقوله تعالى: ﴿أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذا دَعاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ﴾ (النمل: ٦٢).
وقد جاء في التوقيع الشريف المروي في آخر الاحتجاج عنه (عليه السلام): «لأنَّنا من وراء حفظهم بالدعاء الذي لا يحجب عن ملك الأرض والسماء, فليطمئنّ بذلك من أوليائنا القلوب»(8).
وقال السيّد الأجل علي بن طاووس في المهج: وكنت أنا بسُرَّ من رأى فسمعت سحراً دعاء القائم (عليه السلام) فحفظت منه من الدعاء لمن ذكره من الأحياء والأموات: «وأبقهم - أو قال: وأحيهم - في عزّنا وملكنا وسلطاننا ودولتنا»، وكان ذلك في ليلة الأربعاء ثالث عشر ذي القعدة سنة ثمان وثلاثين وستمائة(9).
وجاء في رسالته (عليه السلام) للشيخ المفيد: «نحن وإن كنّا نائين بمكاننا النائي عن مساكن الظالمين...، فإنّا نحيط علماً بأنبائكم ولا يعزب عنّا شيء من أخباركم...، إنّا غير مهملين لمراعاتكم ولا
ناسين لذكركم، ولولا ذلك لنزل بكم اللأواء - أي الشدَّة وضيق المعيشة -، أو اصطلمكم الأعداء - أي استأصلكم الأعداء -»(10).
ب - ذكر فضائله ومناقبه:
وإقامة مجالس الذكر والحضور الدائم في مثل هذه المجالس فهي من أفضل مصاديق الشعائر التي حثَّنا الشارع المقدَّس على تعظيمها وجعلها علامة لتقوى القلوب, وهي مصداق للسبق إلى الخيرات والمكرمات، قال تعالى: ﴿فَاسْتَبِقُوا الْخَيْراتِ﴾ (البقرة: ١٤٨).
جـ - السعي في خدمته (عليه السلام):
وتتمثَّل خدمته (عليه السلام) في عصر الغيبة باتّباع أوامره الصادرة عنه, أو أيّ فعلٍ فيه النصرة له وإن لم يأمر به بشكل مباشر.
وينبغي التنبيه على أنَّ الخدمة أخصّ من النصرة فهي تختزن خضوع النفس وتذلّلها أمام المولى (عليه السلام), فالخادم ناصر الإمام وليس العكس, فالنصرة لشخص ربَّما لا تحتوي على مفهوم التذلّل كنصرة القوي للضعيف أو نصرة الله للمؤمنين, وقد جاء في الحديث الشريف عن الصادق (عليه السلام)، قال: «لو أدركته لخدمته أيّام حياتي»(11).
يقول صاحب كتاب مكيال المكارم: (تدبَّر أيها المحبّ اللبيب في هذا الكلام, أتزعم فيه إغراقاً أو خلاف واقع؟ حاشا, وكلاَّ, بل هو عين الحقيقة, ودلالة إلى نكات دقيقة, منها بيان فضل القائم (عليه السلام) وشرفه, ومنها الإشارة إلى أنَّ خدمته أفضل العبادات وأقرب الطاعات، لأنَّ الإمام الصادق الذي لم يصرف عمره الشريف إلّا في صنوف طاعة الله وعبادته في يومه وليلته بيَّن أنَّه لو أدرك القائم لصرف أيّام حياته في خدمته...)(12).
د - الدعوة للإمام المهدي (عليه السلام):
ولا ريب أنَّ الدعوة له والتعريف به (سلام الله عليه) من النقاط المهمّة في طريق الذكر العملي للإمام (عليه السلام) وهي مدعاة لحبّ الإمام وكاشفة عن الارتباط به (عليه السلام) وقد قال تعالى: ﴿ادْعُ إِلى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ﴾ (النحل: ١٢٥)، ولمَّا كان أهل البيت (عليهم السلام) عموماً والإمام المهدي خصوصاً باعتباره إمام عصرنا والواجب علينا طاعته وامتثال أوامره هو السبيل إلى الله كما أكَّدت على ذلك الأحاديث والزيارات: «أنْتُمُ الصّرَاطُ الأقْوَمُ»(13)، «أيْنَ السَّبـِيلُ بَعْدَ السَّبـِيل»(14).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) جمال الأسبوع: ٣٢.
(2) في مكيال المكارم: (تقبلوا).
(3) جمال الأسبوع: ٣٣؛ مكيال المكارم ٢: ٢٤٥.
(4) الكافي ١: ٥٣٧/ باب صلة الإمام (عليه السلام)/ ح ١.
(5) الكافي ١: ٥٣٨/ باب صلة الإمام (عليه السلام)/ ح ٧.
(6) بحار الأنوار ٩٠: ٣٩٠.
(7) المزار لابن المشهدي: ٥٧٩.
(8) الاحتجاج ٢: ٣٢٤ و٣٢٥.
(9) بحار الأنوار ٥٢: ٦١، عن مهج الدعوات: ٣٥٣.
(10) الاحتجاج ٢: ٣٢٢ و٣٢٣.
(11) الغيبة للنعماني: ٢٥٢/ باب ١٣/ ح ٤٦.
(12) مكيال المكارم ٢: ٢٠١.
(13) من لا يحضره الفقيه ٢: ٦١٣/ الزيارة الجامعة.
(14) المزار لابن المشهدي: ٥٧٨.
ثقافة الانتظار ـ تأليف: السيّد محمّد القبانچي
موقع ديني مختص في مسائل الإمام المهدي (عج) تابع لشعبة البحوث والدراسات - ق. الشؤون الدينية - الأمانة العامة للعتبة الحسينية المقدسة