علاقة الإمام المهدي بكربلاء: بين الحزن والظهور

, منذ 18 ساعة 90 مشاهدة

تعتبر كربلاء ليست مجرد بقعة جغرافية عند الشيعة، بل هي محور روحي وعقائدي، ومسرحٌ خالدٌ للتضحية والفداء. ومن بين أولئك الذين ارتبطوا وجدانياً وكشفياً بكربلاء، الإمام المهدي المنتظر (عجّل الله فرجه). هذا الارتباط يتعدّى البُعد العاطفي، ليتحوّل إلى مشروع إلهي ذي غايات تاريخية وكونية.

أولًا: كربلاء عند الإمام المهدي

الإمام المهدي وُلد بعد واقعة كربلاء بأكثر من قرن، لكنه يحملها في وجدانه كما لو كان شاهداً على تفاصيلها. فقد جاء في الروايات أنه يبكيها صباحاً ومساءً، ومن أشهر ما ورد:

"لأندبنك صباحاً ومساءً، ولأبكينّ عليك بدل الدموع دماً"

(زيارة الناحية المقدسة، المروية عن الإمام المهدي)

فهذا التعبير لا يمكن اعتباره مجازياً فحسب، بل يكشف عن ارتباط شخصي وجودي بين الإمام المهدي وكربلاء.

ثانيًا: كربلاء محطة الحزن في حياة الإمام المهدي

يُروى أن الامام عند ظهوره ينادي من السماء: "يا أهل العالم إن جدي الحسين قُتل عطشاناً"، مما يؤكد أن كربلاء ستكون مفتاح ظهوره ومنطلق ثورته.

ثالثًا: البُعد العقائدي – الإمام المهدي امتداد لثورة كربلاء

نهضة الإمام الحسين (عليه السلام) لم تكن لحظية، بل مشروع تغيير طويل الأمد. الإمام المهدي هو الوريث الشرعي لهذه الثورة، ويُتمّم أهدافها:

الحسين (ع): قام لإحياء الدين وإزالة الظلم.

المهدي (ع): يقوم لإكمال مشروع جده بملء الأرض قسطًا وعدلاً.

وهو ما جاء في النصوص:

" أشهد أنك كنت نوراً في الأصلاب الشامخة... لم تنجسك الجاهلية بأنجاسها، "

(من زيارة عاشوراء)

رابعًا: كربلاء مركز عالمي في دولة المهدي

تشير بعض الروايات أن الكوفة ستكون عاصمة عالمية في عصر الظهور، ومن أبرز ما ورد:

في رواية عن الإمام الصادق (ع):

كأني أنظر إلى القائم عليه السلام على ظهر النجف،، فإذا استوى على ظهر النجف ركب فرسا أدهم أبلق بين عينيه شمراخ ثم ينتفض به فرسه فلا يبقى أهل بلدة إلا وهم يظنون أنه معهم في بلادهم، فإذا نشر راية رسول الله صلى الله عليه وآله انحط إليه ثلاثة عشر ألف ملك و ثلاثة عشر ملكا كلهم ينتظر القائم عليه السلام، وهم الذين كانوا مع نوح عليه السلام في السفينة والذين كانوا مع إبراهيم الخليل عليه السلام حيث القي في النار، وكانوا مع عيسى عليه السلام حيث رفع، وأربعة آلاف مسومين ومردفين، وثلاثمائة وثلاثة عشر ملكاً يوم بدر، وأربعة آلاف ملك الذين هبطوا يريدون القتال مع الحسين بن علي عليهما السلام فلم يؤذن لهم فصعدوا في الاستيذان وهبطوا وقد قتل الحسين عليه السلام فهم شعث غبر يبكون عند قبر الحسين عليه السلام إلى يوم القيامة، وما بين قبر الحسين عليه السلام إلى السماء مختلف الملائكة. كمال الدين وتمام النعمة - للشيخ الجليل الأقدم الصدوق - ج ١ - الصفحة ٧٠٠

وورد أيضاً أن الحسين سيكون أول من يُنشر قبره في الرجعة.

 

وورد في بعض النصوص أن مركز الحكم سيكون الكوفة، وهذا له تأثير على كربلاء.

خامسًا: زيارة كربلاء في عصر الغيبة والتمهيد للظهور

الزيارات المتكررة للإمام المهدي لقبر جده الحسين تُشكّل منهجًا للشيعة في زمن الغيبة. وعليه فمن أراد أن يكون من موالي الإمام المهدي ومحبيه فليُكثِر من زيارة الحسين"، لأن الزيارة إعداد نفسي وروحي للارتباط بالإمام.

سادسًا: كربلاء والرجعة

في فكر أهل البيت، الرجعة إحدى العقائد التي تؤكد عودة بعض المؤمنين والكافرين قبل يوم القيامة. ومن الثابت أن أول الراجعين هو الإمام الحسين، وأن الإمام المهدي سيكون قائد مرحلة الرجعة، فيُقاتل بين يديه من قاتله.

فقد ورد عن الإمام الحسين (عليه السلام): أكون أول من ينشق الأرض عنه، فأخرج خرجة يوافق ذلك خرجة أمير المؤمنين وقيام قائمنا

(ميزان الحكمة للريشهري ج2 ص170)

وستكون كربلاء مسرحاً جديداً للعدل الإلهي بعد أن كانت مسرحاً للظلم.

خاتمة: كربلاء – الحزن المتجدد والبعث المنتظر

إن الإمام المهدي لا يرتبط بكربلاء ارتباط مشاعر فقط، بل هو امتدادها، ووارثها، وقائد مشروعها في مرحلته النهائية.

فكربلاء ليست مجرد ماضٍ في وجدان المهدي، بل هي مستقبله ورسالة ظهوره، ولهذا لا عجب أن تكون كربلاء في خطابه، وزيارته، وبكائه، وأول خطواته.

 

مواضيع قد تعجبك

Execution Time: 0.0720 Seconds