لماذا طلب الإمام الصادق (ع) من الشيعة عدم التوقيت لظهور المهدي (عج) ؟

, منذ 1 شهر 255 مشاهدة

ان أحاديث الإمام الصادق (عليه السلام) التي بيَّنت أوجه الشبه بين الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) وبين بعض الأنبياء (عليهم السلام)، ومن مراجعة ما حكاه القرآن الكريم في قَصصهم (عليهم السلام)، وما بيَّنته الأحاديث النبويَّة الشريفة في هذا المجال، يُعلَم بأنَّ هدف الإمام الصادق (عليه السلام) في تبيان أوجه الشَّبَه تلك إنَّما هو بهدف التوعية المطلوبة، وذلك على مستويين:

المستوى الأوَّل: مستوى من لم يعاصر الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه):

ويضمُّ هذا المستوى جميع من ماتوا قبل ولادته (عجَّل الله فرجه) من أصحاب الإمام الصادق وأصحاب ولده (عليهم السلام) وصولاً إلى الإمام العسكري (عليه السلام)؛ إذ بإمكان هذه الطبقة أنْ تستحضر هذا الأُسلوب لكي تعرف قيمة ما يظهر بزمانها من دعاوى المهدويَّة، ويتأكَّد لها - حينئذٍ - بطلان تلك الدعاوى؛ لعدم انطباق التشبيه والتمثيل الواردين في الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) عليها.

وما قد يقال بأنَّ هذه الطبقة من الأصحاب لا تحتاج في الواقع إلى كلِّ ذلك؛ إذ يكفيها معرفة إمام زمانها فحسب، وعلى أبعد تقدير معرفة من سيليه على أمر الإمامة، وأمَّا معرفة هويَّة من سيأتي بعد ذلك من الأئمَّة (عليهم السلام) فهي غير مسؤولة عنها ولا ملزمة بها. وأمَّا عن دعاوى المهدويَّة التي عاصرتها، فبإمكانها السؤال من إمام زمانها نفسه عن مدى مصداقيَّتها، وحينئذٍ ستنتفي حاجتها إلى هذا الأُسلوب، خصوصاً وأنَّ في أحاديث أهل البيت (عليهم السلام) ما يدلُّ على ذلك. ويكفي في هذا ما ذكره ثقة الإسلام الكليني (رحمه الله) في (باب أنَّه من عرف إمامه لم يضرّه تقدَّم هذا الأمر أو تأخَّر)، حيث ضمَّ سبعة أحاديث بهذا المعنى، وهذا نموذج منها:

١ - عَنْ زُرَارَةَ، قَالَ: قَالَ أَبُو عَبْدِ الله (عليه السلام): «اعْرِفْ إِمَامَكَ، فَإِنَّكَ إِذَا عَرَفْتَ لَمْ يَضُرَّكَ تَقَدَّمَ هَذَا الأَمْرُ أَوْ تَأَخَّرَ»(1).

٢ - وَعَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ مُحَمَّدٍ الخُزَاعِيِّ، قَالَ: سَأَلَ أَبُو بَصِيرٍ أَبَا عَبْدِ الله (عليه السلام) وَأَنَا أَسْمَعُ، فَقَالَ: تَرَانِي أُدْرِكُ القَائِمَ (عليه السلام)؟ فَقَالَ: «يَا أَبَا بَصِيرٍ، أَلَسْتَ تَعْرِفُ إِمَامَكَ؟»، فَقَالَ: إِي وَالله، وَأَنْتَ هُوَ، وَتَنَاوَلَ يَدَه، فَقَالَ: «وَالله مَا تُبَالِي يَا أَبَا بَصِيرٍ أَلَّا تَكُونَ مُحْتَبِياً بِسَيْفِكَ فِي ظِلِّ رِوَاقِ القَائِمِ (صَلَوَاتُ الله عَلَيْه)»(2).

٣ - وَعَنْ فُضَيْلِ بْنِ يَسَارٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ (عليه السلام) يَقُولُ: «مَنْ مَاتَ وَلَيْسَ لَه إِمَامٌ فَمِيتَتُه مِيتَةُ جَاهِلِيَّةٍ، وَمَنْ مَاتَ وَهُوَ عَارِفٌ لإِمَامِه لَمْ يَضُرَّه تَقَدَّمَ هَذَا الأَمْرُ أَوْ تَأَخَّرَ، وَمَنْ مَاتَ وَهُوَ عَارِفٌ لإِمَامِه كَانَ كَمَنْ هُوَ مَعَ القَائِمِ فِي فُسْطَاطِه»(3).

وكلُّ هذا يدلُّ على انتفاء حاجة الأصحاب إلى التوعية المطلوبة على المستوى الأوَّل في تبيان أوجه الشَّبَه بين المهدي الموعود (عليه السلام) وبين الأنبياء السابقين (عليهم السلام).

فكيف تكون تلك التوعية إذن هدفاً من أهداف الإمام الصادق (عليه السلام) مع انتفاء حاجة الأصحاب إليها؟

والجواب باختصار هو: أنَّ أحاديث الاكتفاء بمعرفة إمام الزمان (عجَّل الله فرجه) إنَّما جاء التأكيد عليها في مقابل استعجال بعض أصحاب الأئمَّة (عليهم السلام) في مسألة ظهور الفرج على يد الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه)؛ إذ سبق إلى أذهانهم دوره الشريف في إنشاء دولة آل محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، دولة الحقِّ الشامل، وذلك من خلال ما بشَّر به النبيُّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وآله الأطهار (عليهم السلام)، والمعروف من انتظار الفرج في ظلِّ الاستبداد والعنف السياسي المقيت المتواصل، عادةً ما يكون مدعاة للسأم والضجر، وقد ينتج عنه اليأس من الظهور، والشكُّ في أصل القضيَّة، ولهذا حاول الإمام الصادق (عليه السلام) تنبيه هذه الشريحة على القاعدة القرآنية القائلة: ﴿يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ﴾ (الإسراء: ٧١)، وذلك من خلال أحاديثه الشريفة المصرِّحة بوجوب معرفة إمام الزمان الحقِّ.

وإذا ما أُضيف هذا إلى تنبيهه (عليه السلام) على مسألة عدم التوقيت، مع ضرورة البقاء في حالة تأهُّب وانتظار، مع بيان فضل الانتظار بأنَّه من أنواع العبادة، عُلِمَ أنَّ الهدف من وراء ذلك إنَّما هو لأجل تثبيت القلوب، والقضاء على عوامل اليأس التي قد تنشأ نتيجة الانتظار الطويل، وهذا لا يعارض أيَّة خطوة من خطوات كشف الطريق، كبيان مستقبل الأُمَّة على يد الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه)، وتشخيص هويَّته (عليه السلام) بالتلميح تارةً، وبالتصريح تارةً أُخرى.

وأمَّا عن حاجتهم إلى هذا على الرغم من معرفتهم إمام زمانهم، فهي حاجة كلِّ إنسان إلى معرفة ما في المستقبل؛ إذ المطلوب أنْ لا يعيش الإنسان يومه فحسب، بل لابدَّ وأنْ تكون عنده نبوءات عن مستقبله، وإلَّا كان فاشلاً، ولهذا نجد في عالمنا المعاصر مؤسَّسات علميَّة وثقافيَّة كثيرة تُعنى بشؤون المستقبل، فضلاً عن وجود مجلَّات علميَّة متخصِّصة بالدراسات المستقبليَّة.

ومن هنا صار التنبُّؤ بالشيء قبل وقوعه من الأُمور الاحترازيَّة المهمَّة لكلِّ مجتمع، وعلى هذا جرى أُسلوب الإمام الصادق (عليه السلام) في خصوص مسألة الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه)، فأخبر عنه وفصَّل هويَّته الشريفة قبل ولادته بعشرات السنين.

كما لا يمكن إغفال دور هذا المستوى من التوعية في حمل الأمانة ونقلها إلى الأجيال اللَّاحقة، خصوصاً أجيال الغيبة الكبرى لإمام العصر والزمان (عجَّل الله فرجه) التي لم تشاهد الإمام ولم ترَه، ولكنَّها آمنت به واستيقنت أنفسهم وجوده، ولولا تلك الأخبار وغيرها لشكَّت حتَّى في أخبار ولادته (عجَّل الله فرجه)، نظراً لما أحاطها من سرّيَّة وتكتُّم كانا مقصودين من أبيه الإمام العسكري (عليه السلام) مباشرةً إلَّا للخاصَّة فالخاصَّة كوكلاء الإمام، وأعمدة التشيُّع يوم ذاك من الثقات الأجلَّاء المعروفين، ومَنْ لابدَّ من اطِّلاعه كالخدم والجواري ونحوهم.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الكافي (ج ١/ ص ٣٧١/ باب أنَّه من عرف إمامه لم يضرّه تقدَّم هذا الأمر أو تأخَّر/ ح ١)؛ ورواه النعماني (رحمه الله) في الغيبة (ص ٣٥٠/ باب ٢٥/ ح ١).

(2) الكافي (ج ١/ ص ٣٧١/ باب أنَّه من عرف إمامه لم يضرّه تقدَّم هذا الأمر أو تأخَّر/ ح ٤)؛ ورواه النعماني (رحمه الله) في الغيبة (ص ٣٥١/ باب ٢٥/ ح ٤).

(3) الكافي (ج ١/ ص ٣٧١ و٣٧٢/ باب أنَّه من عرف إمامه لم يضرّه تقدَّم هذا الأمر أو تأخَّر/ ح ٥)؛ ورواه النعماني (رحمه الله) في الغيبة (ص ٣٥١ و٣٥٢/ باب ٢٥/ ح ٥).

المصدر : غيبة الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) عند الإمام الصادق (عليه السلام) ـ تأليف: السيد ثامر هاشم العميدي.

مواضيع قد تعجبك

Execution Time: 0.0457 Seconds