هل اختلاف شخصية المهدي عند فرق المسلمين تسبب ضياع الرمزية؟

, منذ 3 سنة 227 مشاهدة

الشيخ معتصم سيد أحمد

لابد أن نحدد معنى للرمزية حتى نتمكن من مقاربة القضية المهدوية في إطارها، فإذا ابتعدنا عن العمق الفلسفي للرمزية وحاولنا التدبر فيها ضمن دلالاتها العرفية لوجدناها تعني تركيز قيمة محورية في مثال حسي أو معنوي، وهذا المخزون الدلالي يوقفنا على مقدار ما تكنه المجتمعات لرموزها، في حين أن الدراسات اللغوية والشعرية أو حتى بعض البحوث الفلسفية نجدها تتحدث عن الرمز بوصفه نوعاً من أنواع العلاقة بين الدال والمدلول، على نحو الالفاظ وعلاقتها بمعانيها أو الإشارات وما تشير إليه أو الرسومات وما تعبر عنه، في حين أن الرمزية بالنسبة للمجتمعات والشعوب قد تتجاوز مجرد العلاقة بين الدال والمدلول إلى كونها مثال أعلى وصورة جامعة لحقيقة ما، فعندما نتحدث عن رمزية كربلاء الحسين (عليه السلام) نتحدث عن المثال والنموذج الذي تندرج تحته جميع الثورات، وعندما نتحدث عن فرعون إنما نتحدث عنه بوصفه رمزاً للطغيان والتجبر، وكذلك عندما نتحدث عن رمزية (العَلم) بالنسبة للدول إنما نتحدث عن السقف الذي يستظل تحته جميع المواطنين بوصفه الإطار الجامع لهويتهم الحضارية، فيدافعون عنه ويضحون من اجل بقائه يرفرف في سماء بلدانهم.

ومن هنا لا يخلو مجتمع أو حضارة من رموز تشكل قيم محورية يلتف حولها الجميع بوصفها السمة والاتجاه الذي تتحرك تحته أو نحوه المجتمعات، وضمن هذا الوصف يمكننا تصنيف الكثير من الأمور في الدائرة الإسلامية على أساس كونها رموزاً تمثل قمة القيم ومثال الحق، ابتداءً من قادته وانتهاءً بتعاليمه وتوجيهاته، فالتقوى والإيمان والإخلاص وغيرها من قيم الإسلام السامية تتحول إلى رموز عندما تتجسد في امثلة محسوسة ومعاشه، فرسول الله وأهل بيته الأطهار يمثلون رموزاً سامية لكل مسلم يسعى للتقوى والإيمان والإخلاص، والعلاقة بين القيم وبين الشخوص التي تجسد هذه القيم تشبه العلاقة بين المثالية والواقعية أو النظرية والمصداق، والإنسان بطبعه لا يكتشف عمق المعنى ولا يدرك كنه الحقيقة إلا لحظة تجسدها العيني وتطبيقها الخارجي؛ لأن هذه القيم كمفاهيم مطلقة، لا يستوعبها الإنسان، ولا يجد لها معنىً إلا إذا تجلّت في تمظهرات محسوسة، فالعقل كقيمة، لا يُعرف إلا من خلال (العاقل)، والقدرة كقيمة لا تُعرف إلا من خلال (القادر)، والرحمة كقيمة لا تعرف إلا من خلال الفعل الذي يجسدها، وكذلك العدل، والحرية، والتسامح، والمودّة، والحب، والجمال.. وغيرها، فإن الإنسان أنما يتحسسها ويتفاعل معها بمقدار ما يجدها ظاهرة لدى العيان. ومن هنا، لو كان هناك شيء جسد لنا قيمة من القيم وكان تجسيداً لا يدانيه شيء آخر، سيصبح ذلك الشيء باقياً في نفوس الناس، ما لم يأتِ ما هو أكثر ظهوراً منه في تجسيد تلك القيمة؛ لأنه حينئذ سيتحول إلى رمز، نقارب من خلاله فهم تلك القيمة المطلقة، وهذه هي طبيعة المعرفة عند الإنسان لا يمكنه أن يستوعب المعاني ذات الدلالات المطلقة إلا بحجم المثال الذي يمثلها، فنحن نعرف من الجمال، والعدل، والرحمة، بمقدار ما نرى من جميل، وعادل، ورحيم، وهذا مبلغ علم الإنسان لهذه الحقائق، وكلما تجلت تلك القيم في الخارج تحقق علمنا بتلك القيم بمقدار تجليها في الخارج، وهذا سر بقاء الأنبياء والأئمة والصالحين، لأنهم مصاديق عليا لتلك القيم والمثل، فلا يمكن أن نقف عند الرحمة إلا من خلال الرمز الذي يجسدها وهو رسول الله، (ص)، ولا يمكن أن نتحدث عن العدل من غير الاقتراب من رمزها السامي وهو الأمام علي بين ابي طالب (ع) وهكذا تتحول قيادات الإسلام ومنارات الهدى إلى رموز نتفهم معاني الإسلام من خلالهم وهذا هو معنى القدوة الحسنة التي امرنا الله بالبحث عنها والتمسك بها.

وإذا اتضحت هذه المعادلة وفهمنا الرمزية بوصفها قيمة محورية، حينها نفهم الرمزية التي تشكلها قضية المهدوية، فإذا كان الأنبياء والمرسلين وكل الصالحين يمثلون رموزاً للحق في قبال الطواغيت والجبابرة الذي يمثلون رموزاً للباطل، فإن المهدية هي تتويج لجهود الأنبياء، وإذا كان إقامة دولة الحق والعدل هو الهدف الأسمى لكل المصلحين فعلى يد المهدي سيتحقق ذلك، ومن هنا يمكننا أن نقول أن دولة المهدي العادلة هي الرمز الذي تتصاغر امامه كل مشاريع العدالة، كما أنها الرمز الذي تحلم به وتطلع إليه كل الشعوب المحرومة والمضطهدة. وليس بالضرورة أن يكون الرمز معروفاً للجميع بل يكفي أن يكون رمزاً لبعض المجتمعات أو بعض الشعوب، فعندما نتحدث عن رمزية الامام المهدي بوصفه قمة العدالة إنما نتحدث عنه ضمن الدائرة الإسلامية، ولا يقلل من قيمته الرمزية عدم اعتراف الاخرين به، وعليه فإن الاختلاف حول شخصية الامام المهدي لا يؤثر في رمزيته؛ وذلك لأن القضية المسلم بها بين جميع المسلمين ظهور رجل من ذرية رسول الله ومن ولد فاطمة يملأ الأرض قسطاً وعدلاً بعد أن ملئت ظلماً وجوراً، وهذا كافي في جعل قضية المهدي من الضرورات الإسلامية المسلم بحدوثها، والمهدية ضمن هذا الفهم تشكل رمزاً بحتمية انتصار الحق على الباطل، أما الاختلاف في تحديد شخصية الإمام المهدي (عجل الله فرجه) فلا تؤثر في رمزية القضية نفسها وهي إقامة العدل ودحر الظلم، وتبقى رمزية الشخص حاضرة في نفوس شيعة أهل البيت (عليهم السلام) العارفين به حق المعرفة ولا تهتز هذه الصورة بسبب عدم أيمان الأخرين، كما أن رمزية رسول الله تبقا محفوظة حتى وإن شكك فيه الاخرين.

مواضيع قد تعجبك

Execution Time: 0.0523 Seconds