كيفية صناعة الجيل المهدوي

, منذ 4 سنة 4K مشاهدة

علي القروص  

في زمن الانفجار المعلوماتي وتطور وسائل التواصل الاجتماعي صار انتشار الشبهات ووصولها لكل فرد سهل يسير، فجهاز صغير بيد أي شخص باحثاً كان أو من عامة الناس قد يصله من خلاله كم هائل من الشبهات المبلورة في قوالب شتى من مقاطع فيديو أو صور أو مقالات، ومن هذه الشبهات ما له دخل بالقضية المهدوية فمنذ بداية الغيبة الصغرى وإلى اليوم لم يتوقف سيل الشبهات من إنكار الولادة وادعاء المهدوية والسفارة الخ ..

ولأجل هذا السبب قد يُخاف على انحراف الجيل الناشئ عقدياً، فواجب الأب كمربي تحصين أبنائه عقدياً لدرء خطر الضلال،  فالسؤال المهم هو: كيف نحصن أبناءنا عقائديا ونربطهم بإمام العصر (عج)؟ ونكون مصداقاً لما روي عن الإمام أبي عبدالله الصادق (ع) قال: (بادروا أولادكم بالحديث قبل أن يسبقكم إليهم المرجئة)

حيث أن تحصين الفرد عقدياً يريحنا من ملاحقة الشبهات وتبديدها، فلو كان المجتمع محصناً علمياً لن يتأثر بالشبهات وينتهي عمل تجار الضلال.

 وقبل الجواب لابد من ذكر ملاحظة مهمة وهي أننا قد نجد أن الوالدين بعيدان كل البعد عن إمام زمانهم، ولا يشعران بوجوده أبداً، فيكونان من قبيل أن فاقد الشيء لا يعطيه.

فعليه ـ والحال هذه ـ أن نبدأ بمجموعة خطوات للوصول الى الغاية المرتجاة .

الخطوة الأولى: تثقيف الآباء:

 وتثقيف الآباء إنما يتم بواسطة تنوع مصادر المعرفة، ففي هذا الزمن ـ وهو زمن وفرة المعلومة وسرعة إنتقالها  من غير المستحسن أن يجمد الإنسان على مصدر معرفي واحد ـ كالمنبر مثلاً ـ لأنه مرتبط بمواسم معروفة ومحددة لاقصوراً به كوسيلة تثقيف مهمة، فلو جعل الأب أو الأم وقتاً لمطالعة الكتب أو النشرات المختصة بالإمام المهدي (عج) فسيلحظ بعد مدة وجيزة مدى حصول وفرة في المعلومات تنعكس إيجاباً الى كمٍ معرفي.

أو لا أقل المواظبة على قراءة دعاء الفرج والندبة والعهد وغيرها من الأدعية والزيارات، والقيام بالمستحبات وإهداء ثوابها له (عج)، وإخراج الصدقة بنية حمايته وتعجيل فرجه، حيث أن لهذه الأعمال تأثير روحي يربط المؤمن بإمامه ويجعله يستشعر وجوده، وإذا رأى الطفل من أبويه ذلك استفسر منهما لماذا يفعلان ذلك؟

الخطوة الثانية: تربية الأطفال مهدوياً:

 إن إدراك الأطفال يقصر عن إدراك البالغين ، لذلك لن يتحملوا الإجابات المجردة من الحس، فقد لا يفهمون إجابات علم الكلام حول غيبة الإمام (عج) وطول عمره.

لذلك يجب ربطها بواقع هم يعيشونه، وهذا الربط يمكن تقسيمه الى جانب نظري وجانب عملي، وكل منهما يكمل الآخر.

أما الجانب النظري: فالأب من خلال معرفته بشخصية ابنه يستطيع استحضار مثال قريب لذهن ابنه، فلو كان الابن مثلاً مولعاً بالسيارات وسأل عن كيفية طول عمر الإمام (عج) يستطيع الأب أن يخبره بأن الله وهو الخالق الصانع خلق جسداً للإمام يعيش لفترة أطول، كما تصنع بعض الشركات سيارات قوية بمواصفات خاصة تعيش لفترة طويلة

وأما الجانب العملي: فإن استجابة الطفل قد لا تكون مثمرة للأوامر المباشرة بالفعل والنهي، ولذلك يجب تحبيب شخصية  الامام المهدي لنفسه وإشعاره بأنه شخصية رحيمة، وأنه لو قام بفعل الطاعة فإنه سيُفرح قلب هذه الشخصية بذلك، وأنه إذا أهدى ثواب أعماله المستحبة لإمامه سيعود عليه ذلك بالتوفيق في حياته وبرضى الإمام (عج)، إضافة لتحفيزه بالهدايا المادية والمدح.

 الخطوة الثالثة: مرحلة المراهقة

 في هذه المرحلة يبدأ الذهن باستيعاب الأجوبة العقلية المجردة، فيجب تثقيف الأبناء بعلوم أهل البيت (ع) والنقطة المهمة في هذه المرحلة هي مراقبة أصدقائهم حيث أن رفاق السوء لهم تأثير عكسي يهدم تعب الوالدين، كما يجب اختيار المعلم جيداً، فتأثير المعلم على الابن قد يكون أقوى حتى من تأثير الأب.

كما يجب زيادة الجانب التعبدي بتعويد وتحبيب الابن على الأعمال الواردة في زمن الغيبة كدعاء الندبة والعهد والفرج والزيارة الواردة بعد صلاة الفجر للإمام (عج) وأخذه لمجالس العلماء والصالحين.

 فقد روي عن النبي الأكرم (ص) (أفضل أعمال أمتي انتظار فرج الله عز وجل) فلاحظ أن الرواية عبرت عن الانتظار بأنه أفضل الأعمال، فهو ليس مجرد الجلوس والترقب بل يحتاج للتهيؤ الفكري والمادي فلو ظهر إمامنا سيحتاج لنصرته مختلف الطاقات الفكرية والجسدية، وعليه فمن مصاديق الانتظار التفوق العلمي وبذلك يكون انتظار الفرج مصدر قوة وعمل جاد لشيعة أهل البيت (ع)

فكيف يخرج الإمام دون تهيؤ الشيعة لنصرته؟

ويعلق آية الله الشيخ عبد الله الجوادي الآملي بعد ذكر رواية انتظار الفرج قائلاً: أنه يلزم توافر أتباع أهل البيت (ع) على المعنى الحقيقي لانتظار الموجود الموعود، كما ينبغي التسلح بسلاحي العلم والإيمان لغرض المجاهدة في سبيل الله.

 ثم إن لهذه العبادة العظيمة مصاديق متعددة تتجلى في كل مجال من مجالات الانتظار بتجلٍ خاص وتظهر بنحو مختلف عن ظهورها في المجال الآخر. ولعل ظهور العبادة أوضح في المجال الثقافي الذي يشكل الأرضية الممهدة لبزوغ شمس المهدوية والعامل المؤثر في إنجاز الوعد الإلهي.

 الخاتمة:  إذا صنعنا جيلاً مسلحاً بالعلم والإيمان فإنه سيحمل زمام الدفاع عن المذهب ورد الشبهات ولن يتأثر بأي شبهة من مدعي مهدوية أو صاحب راية ضلالة وبذلك يتضح لنا ما روي عن معاوية ابن عمار قال: قلت لابي عبدالله (ع): رجل راوية لحديثكم يبث ذلك في الناس ويشدده في قلوبهم وقلوب شيعتكم ولعل عابدا من شيعتكم ليست له هذه الرواية أيهما أفضل؟ قال: الرواية لحديثنا يشد به قلوب شيعتنا أفضل من ألف عابد)

وعن الفضل بن عمر أنه قال : سمعت أبا عبد الله ( ع ) يقول : (عليكم بالتفقه في الدين ، لا تكونوا أعرابا ، فان من لم يتفقه في دين الله لم ينظر الله إليه يوم القيامة ،ولم يزك له عملا)

وغيرها الكثير من الروايات الحاثة عن طلب العلم والعمل به، وأخيراً نختم بهذه الرواية التي تختصر ما يجب أن يكون عليه الموالي لأهل البيت (ع) من طلب العلم والتقوى

عن أبي حمزة عن علي بن الحسين (ع) قال: (لو يعلم الناس ما في طلب العلم لطلبوه ولو بسفك المهج وخوض اللجج.

إن الله تبارك وتعالى أوحى إلى دانيال أنّ أمقت عبيدي إليّ الجاهل المستخفّ بحقّ أهل العلم، التارك للاقتداء بهم، وأن أحب عبيدي إليّ التقيّ الطالب للثواب الجزيل، اللازم للعلماء، التابع للحلماء، القابل عن الحكماء.)

والحمد لله رب العالمين

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المصادر:

أصول الكافي كتاب فضل العلم

كمال الدين وتمام النعمة

الإمام المهدي الموجود الموعود

 

مواضيع قد تعجبك

Execution Time: 0.1303 Seconds