إنتظار الإمام المهدي (عج) ينقسم إلى إنتظار سلبي وإنتظار إيجابي

, منذ 1 شهر 279 مشاهدة

لقد تكرَّر في الروايات الشريفة التعرّض لانتظار الفرج وفضله، وأنَّه من أفضل العبادات، وأنَّه أحبّ الأعمال إلى الله (عزَّ وجلَّ)، وأنَّ المنتظر لأمرهم كالمتشحّط بدمه في سبيل الله، وأنَّه حتَّى يموت بمنزلة من كان مع القائم في فسطاطه، بل له مثل أجر من قُتِلَ معه، بل هو كمن كان مع رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم)، بل كالشاهر سيفه بين يديه، بل كمن استشهد معه.

والمحصَّل من ذلك كلّه وأمثاله أنَّ الانتظار مطلوب في الشريعة، بل هو من المطلوبات المؤكَّدة نظراً لتعدّد الأدلَّة وتعدّد الألسنة، ولطبيعة الأجر الذي تحدَّثت الروايات عن ثبوته للمنتظر، ولتنزيله منزلة بعض الأعمال العظيمة المنزلة في الشريعة كالكون مع رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) ومع الإمام الثاني عشر في فسطاسه، بل كونه كمن استشهد معه.

وكلّ هذه أعمال عظيمة المنزلة في الشريعة المقدَّسة. ونظراً للسان المستعمل في التعبير عن أهمّيته: (كالمتشحّط بدمه في سبيل الله (عزَّ وجلَّ)، وللمدّة التي يستغرقها أداء ذلك التكليف والتي تستهلك العمر كلّه. كلّ ذلك يثبت أنَّ الانتظار مطلوب بالطلب المؤكَّد جدّاً.

وقد قسَّم بعض العلماء الانتظار إلى سلبي وإيجابي:

فالانتظار السلبي أن يبقى الإنسان مترقِّباً ظهور الإمام (عليه السلام) دون أن يعدَّ العدَّة بما في ذلك تقوية الاستعداد النفسي، وبدون الاستعداد لا يصدق الانتظار. ويُمثِّلون لذلك بمن ينتظر ضيفاً له دون أن يعدَّ له ما يستلزمه مجيئه فإنَّه حينئذٍ لو قال له: كنت منتظراً إيّاك لما صدَّقه إذ لازم الانتظار الاستعداد، فإن انتفى الاستعداد فقد الانتظار معناه.

وأمَّا الانتظار الإيجابي فهو بخلاف الأوّل، فمن أراد أن ينتظر الإمام (عليه السلام) لا بدَّ أن يعدَّ ما يناسب ذلك الظهور من كمالات نفس وعزم على الإطاعة والصبر على المكروهات، وأضافوا لذلك تهيئة الدابّة والسلاح. ويمكن إثبات أنَّ المراد من الروايات المطلقة خصوص الانتظار الإيجابي بالرجوع إلى العرف الذي يسلب صدق مفهوم الانتظار عن السلبي، بل ليس في الانتظار السلبي إلَّا دعوى الانتظار، وهي دعوى يُكذِّبها الواقع ويمنع العرف صدقها. والقاعدة في تحديد معاني المفردات الواردة في الأدلَّة الشرعية تقتضي الرجوع إلى العرف، فما صدق عليه عرفاً أنَّه انتظار يدخل تحت إطلاق الروايات، وما سلب عنه الانتظار عرفاً يخرج عنها، وقد أُطيل الكلام في ذلك.

لا يقال: إنَّه يمكن القول بعدم جريان التعبّد خارج دائرة الفروع، والرجوع إلى الظهور العرفي في تحديد معنى الظهور الوارد في الأدلَّة تمسّك بالتعبّد، إذ لا جدوى من الرجوع إلى العرف مع عدم الالتزام بحجّية الظهور العرفي. وحجّية الظهور تعبّدية لأنَّه ليس كاشفاً وجدانياً عن المراد الجدّي من الكلام.

فإنَّه يقال: إنَّ محلّ الكلام من الفروع لأنَّه فعل شرعي منصبٌّ على فعل للمكلَّفين وهو الانتظار والفروع محلّ التعبّد على رأي الجميع. مضافاً إلى أنَّ المنع من التعبّد في المعتقد على القول به مختصٌّ بأصول الاعتقاد لا فروعه.

كما لا حاجة إلى البحث عن أسانيد الروايات التي تحدَّثت عن مطلوبية الانتظار، إذ يمكن القول: إنَّها متواترة معنوياً، وقد ورد الكثير منها في كتبنا المعتبرة، فهي من جهة الصدور في دائرة القطعيات المستغنية عن التعبّد.

وكيف كان فالمفهوم من مجموع كلماتهم أنَّ الانتظار مطلوب لذاته وأنَّ تهيئة المقدّمات شرط فيه، فهي من مقدّمات الواجب، والقدر المتيقَّن أنَّ مقدّمات الواجب واجبة عقلاً وإن اختلف في تعلّق وجوب شرعي بها.

وقد ورد في بعض الروايات:

(من سرَّه أن يكون من أصحاب القائم فلينتظر وليعمل بالورع ومحاسن الأخلاق وهو منتظر، فإن مات وقام القائم بعده كان له من الأجر مثل أجر من أدركه، فجدوا وانتظروا، هنيئاً لكم أيَّتها العصابة المرحومة)(1).

والذي يلوح من الأدلَّة أنَّ الانتظار ليس مطلوباً نفسياً، بل المراد لازمه الواحد أو المتعدِّد، ولذلك جملة من الشواهد:

الأوّل: الألسنة المختلفة في الروايات، والتي منها:

أ - ما ورد ممَّا يُستظهر منه أنَّ الأصل معرفة الإمام:

ففي رواية ثعلبة بن ميمون، قال: (اعرف إمامك فإنَّك إذا عرفته لم يضرّك تقدَّم هذا الأمر أو تأخَّر، ومن عرف إمامه ثمّ مات قبل أن يرى هذا الأمر ثمّ خرج القائم (عليه السلام) كان له من الأجر كمن كان مع القائم في فسطاطه)(2).

وهي ظاهرة في أنَّ الأصل معرفة الإمام (عليه السلام).

وفي رواية الحسن بن جهم، قال: سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن شيء من الفرج، فقال: (أوَلست تعلم أنَّ انتظار الفرج من الفرج؟)، قلت: لا أدري إلَّا أن تُعلِّمني، فقال: (نعم، انتظار الفرج من الفرج)(3).

وإنَّما عدَّ انتظار الفرج من الفرج لأنَّ أعظم كربة تمرُّ بالإنسان ضياع الحقّ وعدم الإقرار بأئمّة الحقّ. ومن وُفِّقَ لانتظار الفرج عرف إمامه وانتظر فرج الله له فيكون بذلك قد وُفِّقَ لدفع هذه الكربة العظيمة وكفى بذلك فرجاً له.

وفي رواية أبي خالد الكابلي، عن علي بن الحسين (عليهما السلام)، قال: (تمتدُّ الغيبة بوليّ الله (عزَّ وجلَّ) الثاني عشر من أوصياء رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) والأئمّة بعده. يا أبا خالد، إنَّ أهل زمان غيبته القائلين بإمامته والمنتظرين لظهوره أفضل من أهل كلّ زمان، لأنَّ الله تبارك وتعالى أعطاهم من العقول والأفهام والمعرفة ما صارت به الغيبة عندهم بمنزلة المشاهدة، وجعلهم في ذلك الزمان بمنزلة المجاهدين بين يدي رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) بالسيف، أُولئك المخلصون حقّاً وشيعتنا صدقاً، والدعاة إلى دين الله (عزَّ وجلَّ) سرّاً وجهراً)(4).

فقد استحقّوا هذا المدح للمعرفة التي لم تترك عليها الغيبة أثراً. وحينما يقول (عليه السلام): (ما صارت به الغيبة بمنزلة المشاهدة)، والغائب هو الإمام (عليه السلام)، فهذا يعني أنَّ الحيثية التي استحقّوا عليها المدح هي عدم شكّهم بالإمام (عليه السلام) ومعرفتهم به.

وفي رواية أبي بصير، قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): جُعلت فداك، متى الفرج؟ فقال: (يا أبا بصير، وأنت ممَّن يُريد الدنيا؟ من عرف هذا الأمر فقد فُرِّجَ عنه لانتظاره)(5).

وفي أُخرى عن إسماعيل بن محمّد الخزاعي، قال: سأل أبو بصير أبا عبد الله (عليه السلام) وأنا أسمع، فقال: تراني أدرك القائم (عليه السلام)؟ فقال: (يا أبا بصير، ألست تعرف إمامك؟)، فقال: إي والله، وأنت هو - وتناول يده -، فقال: (والله ما تبالي يا أبا بصير ألَّا تكون محتبياً بسيفك في ظلّ رواق القائم صلوات الله عليه)(6).

وغير ذلك من الروايات.

ب - ما ورد بلسان بيان أجر الثبات في زمن الغيبة:

فعن أبي بصير، قال: قال الصادق جعفر بن محمّد (عليهما السلام): (طوبى لمن تمسَّك بأمرنا في غيبة قائمنا فلم يزغ قلبه بعد الهداية)، فقلت له: جُعلت فداك، وما طوبى؟ قال: (شجرة في الجنَّة أصلها في دار علي بن أبي طالب (عليه السلام)، وليس من مؤمن إلَّا وفي داره غصن من أغصانها، وذلك قول الله (عزَّ وجلَّ): (طُوبى لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ) [الرعد: ٢٩])(7).

وعن عمرو بن ثابت، قال: قال علي بن الحسين سيّد العابدين (عليهما السلام): (من ثبت على موالاتنا في غيبة قائمنا أعطاه الله (عزَّ وجلَّ) أجر ألف شهيد من شهداء بدر وأُحُد)(8).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الغيبة للنعماني: ٢٠٧/ باب ١١/ ح ١٦.

(2) الغيبة للطوسي: ٤٥٩/ ح ٤٧٢.

(3) الغيبة للطوسي: ٤٥٩/ ح ٤٧١.

(4) كمال الدين: ٣٢٠/ باب ٣١/ ح ٢.

(5) الكافي ١: ٣٧١/ باب أنَّه من عرف إمامه لم يضرّه تقدَّم هذا الأمر أو تأخَّر/ ح ٣.

(6) الكافي ١: ٣٧١/ باب أنَّه من عرف إمامه لم يضرّه تقدَّم هذا الأمر أو تأخَّر/ ح ٤.

(7) كمال الدين: ٣٥٨/ باب ٣٣/ ح ٥٥.

(8) كمال الدين: ٣٢٣/ باب ٣١/ ح ٧.

المصدر : علامات الظهور (قراءة في المعرفة والتطبيق) ـ تأليف: الشيخ كاظم القره غولّي

 

مواضيع قد تعجبك

Execution Time: 0.0615 Seconds