4 شبهات حول ولادة الإمام (عجّل الله فرجه) والرد عليها

, منذ 5 شهر 740 مشاهدة

كيف تؤمنون بولادة شخص وُلِدَ أربع مرَّات؟

يتردَّد على ألسنة البعض(١) أنَّه لا سبيل للإيمان بمولود وقع التردُّد في سنة ولادته أربع مرَّات.

وهذه الشبهة تأتي على غرار الشبهة السابقة، وقد قرأتها في مواقع عديدة أثناء الحوار مع المخالفين وأقوال الولادة الجارية على ألسنتهم كالتالي:

إنَّها في سنة (٢٥٥) هجريَّة(2)، إنَّها في سنة (٢٥٦) هجريَّة(3)، إنَّها في سنة (٢٥٤) هجريَّة(4)، إنَّها في سنة (٢٥٧) هجريَّة (5).

الجواب عنها:

١ - لا شكَّ أنَّ الإمام (عليه السلام) مولود، دلَّ على ذلك أدلَّة عديدة، منها ما تقدَّم ذكره في الفصل السابق، وأنَّ الاختلاف ليس كبيراً فيما ذُكِرَ، فهو بين سنة (٢٥٤) إلى سنة (٢٥٧)، وهذا لا يُعَدُّ اختلافاً، فإنَّ ضبط التواريخ في العصور المتقدِّمة ليس بالشكل الذي عليه الآن، هذا في ولادة الناس بشكل عامٍّ، أمَّا إذا لوحظت القضيَّة بالنسبة لشخص يُتربَّص به، فدواعي الإخفاء متوافرة، ومعها يحصل الاختلاف بشكل أكثر ممَّا حصل، فهو الموصوف في الروايات بـ(خفيِّ المولد)، ومن تدابير حفظه إخفاء مولده.

٢ - لو تنزَّلنا وقلنا: إنَّ كلَّ شخص يُختَلف في ولادته فهو وهم وخرافة - وهذا ما لا يُلتَزم به - فلا بدَّ أنْ نقول: إنَّ النبيَّ الأكرم (صلّى الله عليه وآله وسلّم) لم يُولَد، لأنَّه وقع خلاف في ولادته (صلّى الله عليه وآله وسلّم) على عدَّة أقوال، منها:

إنَّه وُلِدَ في الأوَّل من ربيع الأوَّل، وإنَّه وُلِدَ في (١٢) من ربيع الأوَّل، وإنَّه وُلِدَ في (١٢) من شهر رمضان وغيرها(6)، بل إنَّ الاختلاف في الولادات قد يكون مقبولاً، ولكنَّهم اختلفوا حتَّى في وفاته مع ما له من مقام كبير يستدعي حفظ تاريخ وفاته، ففي (البداية والنهاية) نجد أنَّ الأقوال في وفاة النبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) عديدة، فقالوا بأنَّه تُوفِّي (٢) ربيع الأوَّل، وأنَّه تُوفِّي (١٠) ربيع الأوَّل، و(١٢) ربيع الأوَّل، وعند هلاله(7).

الإثارة الثانية: لو كان للإمام العسكري (عليه السلام) ولد لما جاز أنْ يقع الخلاف فيه:

هذه الشبهة قديمة جدًّا، فقد ذكرها الشيخ الطوسي (رحمه الله) قال: (لقائل أنْ يقول: إنَّا نعلم أنَّه لم يكن للحسن بن عليٍّ ابن كما نعلم أنَّه لم يكن له عشر بنين، وكما نعلم أنَّه لم يكن للنبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ابن لصلبه عاش بعد موته، فإنْ قلتم: لو علمنا أحدهما كما نعلم الآخر لما جاز أنْ يقع فيه خلاف كما لا يجوز أنْ يقع الخلاف في الآخر...) إلى آخر كلامه(8)، كما وذُكِرَت بعده(9).

والجواب عنها:

١ - أنَّ وقوع الخلاف في الولد لدواعٍ عقلائيَّة أمر واقع، وعليه شهادة الوجدان، فإنَّ العقلاء قد تدعوهم الدواعي إلى كتمان ولادة أولادهم لأغراض مختلفة، فينشأ من ذلك وقوع الاختلاف في أنَّه وُلِدَ أم لم يُولَد، وهل وُلِدَ ومات ومتى وُلِدَ، وهكذا.

٢ - أنَّ النصوص المتقدِّمة التي مرَّت عليك دلَّت على أنَّه خفيُّ المولد، ولازمه حصول الاختلاف فيه، فالاختلاف بالنسبة له لازم لا ينفكُّ عنه، بل هو من موارد الابتلاء والامتحان الذي صرَّح به الأئمَّة (عليهم السلام) على ما سيأتي في الفصل الثالث حول دواعي الغيبة ومبرِّراتها، بل إنَّ أهل البيت (عليهم السلام) صرَّحوا بوقوع الخلاف فيه في روايات عديدة...، فالخلاف شاهد على ولادته لا على عدمها.

الإثارة الثالثة: الوصيَّة تكشف العدم:

وصيَّة الإمام العسكري (عليه السلام) لأُمِّه تدلُّ على عدم الولادة، فكيف (يكون للحسن بن عليٍّ (عليه السلام) ولد مع إسناده وصيَّته في مرضه الذي تُوفِّي فيه إلى والدته المسمَّاة بحديث، المكنَّاة بأُمِّ الحسن، بوقوفه وصدقاته، وأسند النظر إليها في ذلك، ولو كان له ولد لذكره في الوصيَّة)(10).

والجواب عنها:

١ - من أغراض الإمام العسكري (عليه السلام) هو الحفاظ على الإمام المهدي (عجّل الله فرجه)، ولكي يتمَّ هذا الغرض قام بذلك لكي يستره عن السلطان، إذ لو ذكره في وصيَّته التي أشهد عليها بعضاً من رجال الدولة لنقض غرضه.

٢ - الوصيَّة لها لا ينفي وجود ولدٍ له، على أنَّ وصيَّته لها بما يملكه ويورثه.

إنْ قلت: إنَّ الوصيَّة لها لم تكن في المواريث بل على الإمامة ممَّا ينفي وجود ولد له.

فإنَّه يقال: لم يثبت ذلك، ولو تنزَّلنا فإنَّ الإمام (عليه السلام) إنَّما أوصى بذلك على مستوى الظاهر لا الواقع، نظير وصيَّة الإمام الحسين (عليه السلام) لزينب (عليها السلام) مع وجود الإمام زين العابدين (عليه السلام)، وقد ورد الخبر بذلك، إذ روى الصدوق (رحمه الله) عن أحمد بن إبراهيم الذي حادث السيِّدة حكيمة عن ذلك الأمر، قائلاً: (... فإلى من تفزع الشيعة؟ فقالت: إلى الجدَّة أُمِّ أبي محمّد (عليه السلام)، فقلت لها: أقتدي بمن وصيَّته إلى امرأة؟ فقالت: اقتداء بالحسين بن عليِّ بن أبي طالب (عليهما السلام)، إنَّ الحسين بن عليٍّ (عليهما السلام) أوصى إلى أُخته زينب بنت عليِّ بن أبي طالب (عليه السلام) في الظاهر، وكان ما يخرج عن عليِّ بن الحسين من علم يُنسَب إلى زينب تستُّراً على عليِّ بن الحسين، ثمّ قالت: إنَّكم قوم أصحاب أخبار، أمَا رويتم أنَّ التاسع من ولد الحسين (عليه السلام) يُقسَّم ميراثه وهو في حياة؟)(11).

الإثارة الرابعة: إنكار جعفر للولادة:

وهي من الشُّبُهات القديمة، فقد ذكرها الشيخ الطوسي (رحمه الله) قائلاً: (إنكار جعفر بن عليٍّ - عمِّ صاحب الزمان (عليه السلام) - شهادة الإماميَّة بولد لأخيه الحسن ابن عليٍّ وُلِدَ في حياته، ودفعه بذلك وجوده بعده، وأخذه تركته وحوزه ميراثه...)(12).

والجواب عنها:

١ - تقدَّم في ردِّ الفِرَق الواقفة إبطال مقالة جعفر، وأنَّه لا يُسمَع منه في هذا الأمر شيئاً.

٢ - أنَّ جعفراً غير مؤتمن على حياة الإمام (عجّل الله فرجه)، فلم يكن أمام الإمام العسكري (عليه السلام) بُدٌّ من إخفائه عنه، فإنكاره له لا يُعَدُّ حجَّة في الباب بعد وضوح فساده وخيانته، فيسقط قوله.

٣ - لو سُلِّم فهو يعارض ما تقدَّم، ولا يصمد أمام تلكم الأدلَّة القطعيَّة على ثبوت الولادة.

٤ - أنَّ نفي الولادة لا يعني العلم بعدمها، وليس عند النافين أكثر من نفي العلم، وهو لا يصحُّ دليلاً يدفع به العلم، فيكون قول من لديه علم بها حجَّة على من ليس لديه علم.

إنْ قلت: إنَّ الأصل هو عدم الولادة، وما لم تثبت بدليل فقول القائل بها ليس بحجَّة.

قلت: تقدَّم ما يدلُّ على الولادة ويحصل به العلم بوقوعها، وليس بيد النافين لها سوى النفي، لا العلم بالعدم.

ــــــــــــــــــــــــــــ

(١) ذكر ذلك أحمد الكاتب في تطوُّر الفكر السياسي الشيعي (ص١٩١ - ١٩٦)؛ وكذلك ذكره يان ريشار في الإسلام الشيعي (ص٧٠)؛ والدهلوي في التحفة الاثنا عشرية (ص٤١).

(2) الكافي (ج١/ ص٥١٤/ باب مولد الصاحب (عليه السلام)).

(3) كمال الدِّين (ص٤٣٢/ باب ٤٢/ ح١٢).

(4) كمال الدِّين (ص٤٧٤/ باب ٤٣/ ح٢٥).

(5) الهداية الكبرى (ص٣٢٧).

(6) البداية والنهاية (ج٢/ ص٣٢٠).

(7) البداية والنهاية (ج٢/ ص٢٧٥).

(8) الغيبة للطوسي (ص٧٦).

(9) ذكرها الدهلوي في التحفة الاثنا عشريَّة (ص٤١ و٢٤٤).

(10) الغيبة للطوسي (ص١٠٧)؛ وذكرها القفاري في أُصول مذهب الشيعة (ج٢/ ص٥٠١).

(11) كمال الدِّين (ص٥٠١/ باب ٤٥/ ح٢٧).

(12) الغيبة للطوسي (ص١٠٦)؛ وذكرها ابن حجر في الصواعق المحرقة (ص١٦٨)، والقفاري في أُصول مذهب الشيعة (ج٢/ ص٥٠٢).

دروس استدلالية في العقيدة المهدوية ـ الشيخ حميد عبد الجليل الوائلي.

 

مواضيع قد تعجبك

Execution Time: 0.0816 Seconds