غيبة الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) في روايات أهل البيت (عليهم السلام)

, منذ 1 اسبوع 196 مشاهدة

السيد رياض الحكيم 

اتفق شيعة أهل البيت (عليهم السلام) على أن المهدي المنتظر (عجّل الله فرجه) يغيب عن الأنظار قبل ظهوره مهما طالت فترة غَيبته، وقد دلت على غَيبته عدة أمور:

الأول: النصوص الواردة في فترة الغَيبة الصغرى الدالة على غَيبته (عجّل الله فرجه) عن عموم الناس واقتصار الارتباط به على سفرائه الخاصين المعروفين، وهي عدّة نصوص، منها:

١ - معتبرة عبد الله بن جعفر الحميري عن محمد بن عثمان العمري (رضي الله عنه) قال: سمعته يقول: (والله إن صاحب هذا الأمر ليحضر الموسم كلّ سنة فيرى الناس ويعرفهم، ويرونه ولا يعرفونه)(1).

٢ - معتبرة عبد الله بن جعفر الحميري الثانية قال: سمعت محمد بن عثمان (رضي الله عنه) يقول: (رأيته صلوات الله عليه متعلّقاً بأستار الكعبة في المستجار، وهو يقول: اللهم انتقم لي من أعدائي)(2).

٣ - معتبرته الأخرى قال: قلت لمحمد بن عثمان العمري (رضي الله عنه): إني أسالك سؤال إبراهيم ربه (عزَّ وجلَّ) حين قال له: ﴿رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتى قالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قالَ بَلى وَلكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي﴾ [البقرة: ٢٦٠]، فأخبرني عن صاحب هذا الأمر هل رأيته؟ قال: (نعم، وله رقبة مثل ذي - وأشار بيده إلى عنقه -)(3).

الثاني: النصوص الكثيرة الواردة بخصوص غَيبته، منها:

١ - صحيحة زرارة قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): «يأتي على الناس زمان يغيب عنهم إمامهم»: فقلت له: ما يصنع الناس في ذلك الزمان؟ قال: «يتمسكون بالأمر الذي هم عليه حتى يتبين لهم»(4).

٢ - صحيحة عبد السلام بن صالح الهروي المتقدمة قال: سمعت دعبل بن علي الخزاعي يقول: أنشدت مولاي علي بن موسى الرضا (عليهما السلام) قصيدتي... فقال: «يا دعبل، الإمام بعدي محمد ابني، وبعد محمد ابنه علي، وبعد علي ابنه الحسن، وبعد الحسن ابنه الحجة القائم المنتظر في غَيبته، المطاع في ظهوره، لو لم يبق من الدنيا إلّا يوم واحد لطوّل الله (عزَّ وجلَّ) ذلك اليوم حتى يخرج فيملأ الأرض عدلاً كما ملئت جوراً»(5).

٣ - معتبرة صفوان بن مهران الجمّال قال: قال الصادق جعفر بن محمد (عليهما السلام): «أما والله ليغيبنّ عنكم مهديّكم حتى يقول الجاهل منكم:

ما لله في آل محمد حاجة، ثم يُقبل كالشهاب الثاقب فيلمؤها عدلاً وقسطاً كما مُلئت جوراً وظلماً»(6).

٤ - صحيحة أبي هاشم داوود بن القاسم الجعفري قال: سمعت أبا الحسن صاحب العسكر (عليه السلام) يقول: «الخلف من بعدي ابني الحسن، فكيف لكم بالخلف من بعد الخَلف؟» فقلت: ولِمَ جعلني الله فداك؟ فقال: «لأنكم لا ترون شخصه، ولا يحل لكم ذكره باسمه»، قلت: فكيف نذكره؟ قال: «قولوا: الحجة من آل محمد»(7).

٥ - صحيحة محمد بن مسلم قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: «إن بلغكم عن صاحبكم غَيبة فلا تنكروها»(8) وروى الشيخ الطوسي مثله عن أبي بصير(9).

ونظيرها روايات كثيرة أخرى.

قال الصدوق (رحمه الله): (إن الأئمة (عليهم السلام) قد أخبروا بغَيبته ووصفوا كونها لشيعتهم في ما نُقل عنهم واستُحفظ في الصحف ودُوِّن في الكتب المؤلفة من قبل أن تقع الغَيبة بمأتي سنة أو أقل أو أكثر، وليس أحد من أتباع الأئمة (عليهم السلام) إلّا وقد ذكر ذلك في كثير من كتبه ورواياته ودوّنه في مصنفاته، وهي الكتب التي تُعرف بالأصول المدوَّنة مستحفَظة عند شيعة آل محمد من قبل الغَيبة بما ذكرناه من السنين... فلا يخلو حال هؤلاء الأتباع المؤلفين للكتب أن يكونوا قد علموا بما وقع الآن من الغَيبة، فألّفوا ذلك في كتبهم ودوّنوه في مصنَّفاتهم من قَبلِ كونِها، وهذا محال عند أهل اللب والتحصيل، أو أن يكونوا [قد] أسّسوا في كتبهم الكذب فاتفق الأمر لهم كما ذكروا، وتحقَّق كما وضعوا من كذبهم على بُعد ديارهم واختلاف آرائهم وتباين أقطارهم ومحالّهم، وهذا أيضاً محال كسبيل الوجه الأول، فلم يبق في ذلك إلّا أنهم حفظوا عن أئمتهم المستحفَظين للوصية عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) من ذكر الغَيبة وصفة كونها في مقام بعد مقام إلى آخر المقامات ما دوّنوه في كتبهم وألّفوه في أصولهم، وبذلك فلج الحق وزهق الباطل)(10).

ونظير ذلك قاله الشيخ المفيد (رحمه الله): (فقد كانت الأخبار عمّن تقدّم من أئمة آل محمد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) متناصرة بأنه لابدّ للقائم المنتظر من غَيبتين: إحداهما أطول من الأخرى... والأخبار بذلك موجودة في مصنَّفات الشيعة الإمامية قبل مولد أبي محمد وأبيه وجدّه (عليهم السلام)، وظهر حقها عند مضي الوكلاء والسفراء الذين سميناهم (رحمهم الله) وبان صدق رواتها بالغَيبة الطُّولى، وكان ذلك من الآيات الباهرات في صحة ما ذهبت إليه الإمامية ودانت به في معناه...)(11).

وقال أبو علي الطبرسي: (ومن جملة ثقات المحدّثين والمصنِّفين من الشيعة الحسن بن محبوب الزراد، وقد صنّف كتاب (المشيخة) الذي هو من أصول الشيعة - أشهر من كتاب المُزني [ت١٧٥ه] - وأمثاله قبل زمان الغَيبة بأكثر من مائة سنة، فذكر فيه بعض ما أوردناه من أخبار الغَيبة، ومن جملة ما رواه عن إبراهيم المخارفي عن أبي بصير عن أبي عبد الله قال: قلت له: كان أبو جعفر (عليه السلام) يقول: «لقائم آل محمد غَيبتان واحدة طويلة والأخرى قصيرة...»(12).

وما حكاه الطبرسي هنا عن كتاب المشيخة، يؤكد تسالم الشيعة في عصور الأئمة السابقين (عليهم السلام) على غَيبة المهدي المنتظر (عجّل الله فرجه)، وانتشار أخبارها والتأليف عنها بينهم.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) كمال الدين وتمام النعمة: ٢/٤٤٠.

(2) المصدر: ٤٤٠.

(3) المصدر: ٤٣٥.

(4) المصدر: ٤٤٠.

(5) كمال الدين وتمام النعمة: ٢/٢٧٢.

(6) المصدر: ٣٢١.

(7) كمال الدين وتمام النعمة: ٣٨١.

(8) الكافي: ١/٣٤٠.

(9) إثبات الهداة: ٥/٥١.

(10) كمال الدين وتمام النعمة (يراجع المقدمة).

(11) عدة رسائل للشيخ المفيد، الفصل الخامس من الفصول العشرة في الغَيبة: ٣٦٢.

(12) إعلام الورى: ٢/٢٥٩؛ واثبات الهداة: ٥/١٤٧- ١٤٨.

مواضيع قد تعجبك

Execution Time: 0.0574 Seconds