لم ترِد رواياتٌ كثيرةٌ حولَ الشيصبانيّ وعلاماتِه وحركتِه، والعُمدةُ في ذلكَ ما رواهُ الشيخُ النعمانيّ في [الغيبةِ ص313] بإسنادِه عن جابرٍ الجُعفيّ، قال: « سألتُ أبا جعفرٍ الباقر (عليهِ السلام) عن السفيانيّ، فقال: وأنّى لكُم بالسفيانيّ حتّى يخرجَ قبلَه الشيصبانيّ، يخرجُ مِن أرضِ كوفان، ينبعُ كما ينبعُ الماء، فيقتلُ وفدَكم، فتوقّعوا بعدَ ذلكَ السفيانيّ، وخروجَ القائمِ (عليهِ السلام) ».
ويُستفادُ مِن هذهِ الروايةِ: أنّ خروجَ الشيصبانيّ يسبقُ خروجَ السفيانيّ، وأنّه يخرجُ مِن أرضِ الكوفة، وأنّ أصحابَه يتكاثرونَ في الكوفةِ وينتشرونَ منها، وأنّه يقتلُ وجوهَ المؤمنينَ وشخصيّاتهم، ويمكنُ أن يستفادُ مِن عبارةِ « فتوقّعوا » تقاربَ زمانيّ خروجِ الشيصبانيّ والسفيانيّ.
ومعنى الشيصبانيّ كما ذكرَ الفيروزآباديّ في [القاموسِ المُحيط ج1 ص87]: « والشيصبانُ: ذكرُ النملِ، أو جحرُه، وقبيلةٌ منَ الجنّ، واسمُ الشيطان »، فيبدو أنّ الشيصبانيّ بمعنى الشيطانيّ.
وتجدرُ الإشارةُ إلى أنّ في رواياتِنا اصطلاحُ (بني الشيصبان) كنايةً عن (بني العبّاس):
منها: ما رواهُ الخزّازُ القميّ في [كفايةِ الأثر ص213] بإسنادِه عن علقمةَ بنِ قيس، قالَ: « خطبنا أميرُ المؤمنينَ (عليهِ السلام) على منبرِ الكوفة خُطبتَه اللؤلؤة، فقالَ فيما قالَ في آخرِها:... وتُبنى مدينةٌ يُقالُ لها (زوراء) بينَ دجلةَ والدجيلِ والفرات.. وتوالَت مُلكَ بني الشيصبانِ أربعةً وعشرونَ ملكاً على عددِ سنيّ المُلكِ فيهم؛ السفّاحُ والمقلاصُ والجموحُ والخدوع... ».
قالَ العلّامُة المجلسيّ في [بحارِ الأنوار ج41 ص330] تعليقاً على الخُطبة: « الشيصبانُ: اسمُ الشيطانِ، وبنو العبّاسِ هُم أشراكُ الشيطان، وإنّما عدّهم أربعةً وعشرينَ معَ كونِهم سبعةً وثلاثين؛ لعدمِ الاعتناءِ بمَن قلّ زمانُ مُلكِه وضعفَ سلطانُه منهم، أو يكونُ المرادُ بيانَ عددِ البطونِ التي استولوا على الخلافةِ لا عددَ آحادِهم، فإنّ آخرَهم كانَ الخامسَ والعشرين أو الرابعَ والعشرين مِن أولادِ العبّاس ».
ومنها: ما رواهُ الشيخُ الصدوقُ في [كمالِ الدين ص465] بإسنادِه عن عليٍّ بنِ إبراهيم بنِ مهزيار، في حكايةِ لقائِه بالقائمِ مِن آلِ محمّدٍ (عجّلَ اللهُ فرجه)، قالَ: « .. فقالَ لي: يا ابنَ مهزيار، كيفَ خلّفتَ إخوانَك في العراق؟ قلتُ: في ضنكِ عيشٍ وهناة، قد تواترَت عليهم سيوفُ بني الشيصبان ».
قالَ المجلسيّ في [بحارِ الأنوار ج52 ص46] تعليقاً على الخبر: « والشيصبانُ: اسمُ الشيطان، أي بني العبّاسِ الذينَ هُم شركُ شيطان ».
ومنها: ما نقله الميرزا النوريّ في [مُستدركِ الوسائلِ ج13 ص126]: « الشيخُ المفيدُ في الروضةِ: عن ابنِ أبي عمير، عن الوليدِ بنِ صبيح الكابليّ، عن أبي عبدِ الله (عليهِ السلام) قالَ: مَن سوّدَ اسمَه في ديوانِ بني شيصبان حشرَه اللهُ يومَ القيامةِ مسودّاً وجهه ».
قالَ السيّدُ الخُمينيّ في [المكاسبِ المُحرّمة ج2 ص101] تعليقاً على الرواية: «وبني شيصبان كنايةٌ عن بني العبّاس، وشيصبان اسمُ شيطانٍ على ما في القاموس ».
فيُعدُّ اصطلاحُ (بني الشيصبان) كنايةً عن بني العبّاس، كغيرِها منَ الكناياتِ كـ(بني سابعٍ) و(بني السباع) و(ولد مرداس) وغيرِها، ينظر: [الأسرارُ فيما كُنّيَ وعُرفَ بهِ الأشرار ج4 ص358].
وممّا يشهدُ لكونِ المُرادِ بالشيصبانيّ هوَ أمارةُ بني العبّاسِ، أنّ الشيخَ النعمانيّ في [الغيبةِ ص314] أوردَ عقيبَ روايةِ الشيصبانيّ المُتقدّمة، بإسنادِه عن عليٍّ بنِ أبي حمزة، قالَ: « رافقتُ أبا الحسنِ موسى بنِ جعفرٍ (عليه السلام) بينَ مكّةَ والمدينة، فقالَ لي يوماً: يا عليّ، لو أنّ أهلَ السماواتِ والأرضِ خرجوا على بني العبّاسِ لسُقيَت الأرضُ مِن دمائِهم حتّى يخرجَ السفيانيّ، قلتُ له: يا سيّدي، أمرُه منَ المحتوم؟ قالَ: نعم، ثمَّ أطرفَ هنيئةً، ثمّ رفعَ رأسَه وقال: ملكُ بني العبّاسِ مكرٌ وخداع، يذهبُ حتّى يُقال: لم يبقَ منهُ شيء، ثمّ يتجدّدُ حتّى يُقال: ما مرّ بهِ شيءٌ »، وروى في [الغيبةِ ص315] بإسنادِه عن الحسنِ بنِ الجهم، قالَ: « قلتُ للرّضا (عليهِ السلام): أصلحكَ الله، إنّهم يتحدّثونَ أنّ السفيانيّ يقومُ وقد ذهبَ سلطانُ بني العبّاس، فقالَ: كذبوا، إنّه ليقومُ وإنّ سلطانَهم لقائمٌ »، وروى بعدَها بإسنادِه عن عبدِ اللهِ بنِ أبي يعفور، قالَ: « قالَ لي أبو جعفرٍ الباقر (عليهِ السلام): إنّ لولدِ العبّاسِ والمروانيّ لوقعةً بقرقيسياء، يشيبُ فيها الغلامُ الحزور، ويرفعُ اللهُ عنهم النصرَ، ويوحي إلى طيرِ السماءِ وسباعِ الأرض: اشبعي مِن لحومِ الجبّارين، ثمّ يخرجُ السفيانيّ ».
وبناءً عل ما تقدّم: يقوى احتمالُ إرادةِ مُلكِ بني العبّاسِ مِن خروجِ الشيصبانيّ الذي يعقبُه خروجُ السفيانيّ.
وأمّا تطبيقُ هذهِ العلامةِ على الواقعِ الخارجيّ حالياً، فهوَ غيرُ متيسّر؛ لأنّه لا يخرجُ عن دائرةِ الاحتمالِ والظنِّ غيرِ المُعتبر؛ إذ بأيّ وجهٍ يُشارُ لشخصٍ مُعيّنٍ بأنّه المرادُ بهذهِ العلامةِ الخاصّةِ المذكورةِ في كلامِ الإمامِ (عليه السّلام)؟! فإنّ هذا تخرّصٌ ورجمٌ بالغيب، فينبغي للمؤمنينَ الحذرُ منَ التساهلِ والتهاونِ في تطبيقِ علاماتِ الظهورِ على الواقعِ الخارجيّ.
موقع ديني مختص في مسائل الإمام المهدي (عج) تابع لشعبة البحوث والدراسات - ق. الشؤون الدينية - الأمانة العامة للعتبة الحسينية المقدسة