لقد وُصِفَ الإمام المهدي (عليه السلام) في إحدى زياراته بأنَّه «المنتهى إليه مواريث الأنبياء، ولديه موجودة آثار الأصفياء، السلام على المؤتمن على السرّ، والولي للأمر»(١).
فما معنى مواريث الأنبياء التي هي الآن عند مولانا الإمام المهدي (عليه السلام)؟
إنَّ معنى هذا يتمُّ من خلال بيان أمر مهم، وهو:
للإمام المفترض الطاعة علامات عديدة، ذكرت الروايات أنحاءً عديدة منها، فهناك علائم خَلْقية، وأُخرى خُلُقية، وثالثة نفسية، ورابعة أخلاقية، وعلمية، وغيبية، وليس هنا محلّ تفصيل الكلام.
ومن الروايات الجامعة التي أشارت إلى علائم الإمام، ما ورد عن أبي الحسن علي بن موسى الرضا (عليهما السلام) قال: «للإمام علامات: يكون أعلم الناس، وأحكم الناس، وأتقى الناس، وأحلم الناس، وأشجع الناس، وأسخى الناس، وأعبد الناس، ويلد مختوناً، ويكون مطهَّراً، ويرى من خلفه كما يرى من بين يديه، ولا يكون له ظلّ، وإذا وقع إلى الأرض من بطن أُمّه وقع على راحتيه رافعاً صوته بالشهادتين، ولا يحتلم، وينام عينه ولا ينام قلبه، ويكون محدَّثاً، ويستوي عليه درع رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، ولا يُرى له بول ولا غائط لأنَّ الله (عزَّ وجلَّ) قد وكَّل الأرض بابتلاع ما يخرج منه، ويكون رائحته أطيب من رائحة المسك، ويكون أولى الناس منهم بأنفسهم، وأشفق عليهم من آبائهم وأُمّهاتهم، ويكون أشدّ الناس تواضعاً لله (عزَّ وجلَّ)، ويكون آخذ الناس بما يأمرهم به، وأكفّ الناس عمَّا ينهى عنه، ويكون دعاؤه مستجاباً، حتَّى لو أنَّه دعا على صخرة لانشقَّت بنصفين، ويكون عنده سلاح رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وسيفه ذو الفقار، ويكون عنده صحيفة فيها أسماء شيعتهم إلى يوم القيامة(2)، وصحيفة فيها أسماء أعدائهم إلى يوم القيامة، ويكون عنده الجامعة وهي صحيفة طولها سبعون ذراعاً فيها جميع ما يحتاج إليه ولد آدم، ويكون عنده الجفر الأكبر والأصغر: وإهاب ماعز وإهاب كبش فيهما جميع العلوم، حتَّى أرش الخدش، وحتَّى الجلدة ونصف الجلدة، ويكون عنده مصحف فاطمة (عليها السلام)»(3).
وسنتكلَّم عن معاني بعض هذه الأُمور إن شاء الله تعالى بالتفصيل في مستقبل البحث.
المهمّ أنَّنا نجد عنواناً واضحاً عن علائم الإمام بعنوان (مواريث الأنبياء).
فما هي مواريث الأنبياء؟
إنَّها أشياء يرثها المعصوم الحيّ عن المعصوم الشهيد، وهي رموز ومعانٍ وشعارات متوارثة من الأنبياء، لأجل الترابط الرمزي بين كلّ الأنبياء والديانات والرسالات، قال تعالى: ﴿شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ ما وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ وَما وَصَّيْنا بِهِ إِبْراهِيمَ وَمُوسى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ ما تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ﴾ (الشورى: ١٣).
هذا ويمكن أن تحتوي تلك المواريث على جهة إعجازية يستفيد منها المعصوم لهداية الناس إذا ما توقَّفت الهداية على الأعجاز.
ويمكن أن تكون تلك المواريث مواد إثبات حقيقة المهدي، كما ورد ذلك في قضيَّة الحسني عندما يطلب من الإمام المهدي بعض المواريث التي ورثها من رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وحينئذٍ يؤمن جيش الحسني بأحقانية المهدي، ويتَّبعونه أجمع...(4).
ويمكن أن تكون هناك حِكَم أُخرى وراء تلك المواريث..
والمواريث التي ورثها أهل البيت (عليهم السلام) عموماً والإمام المهدي (عليه السلام) خصوصاً عديدة، والبحث فيها يطول، ويمكن أن نجد في بطون الروايات الكثير منها..
والملاحظ أنَّه يمكن أن نُنوِّع تلك المواريث إلى نوعين:
النوع الأوَّل: مواريث الأنبياء ما قبل النبيّ الأكرم (صلّى الله عليه وآله وسلّم).
النوع الثاني: مواريث النبيّ الأكرم (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وآل البيت الطاهرين (عليهم السلام).
ولنتكلَّم عن بعض مفردات ذينك النوعين:
النوع الأوَّل: مواريث الأنبياء ما قبل النبيّ الأكرم (صلّى الله عليه وآله وسلّم):
١ - عصا موسى (عليه السلام) وحجره:
عن أبي سعيد الخراساني، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: قال أبو جعفر (عليه السلام): «إنَّ القائم إذا قام بمكّة وأراد أن يتوجَّه إلى الكوفة نادى مناديه: ألَا لا يحمل أحد منكم طعاماً ولا شراباً، ويحمل حجر موسى بن عمران وهو وقر بعير، فلا ينزل منزلاً إلَّا انبعث عين منه، فمن كان جائعاً شبع ومن كان ظامئاً روى، فهو زادهم حتَّى ينزلوا النجف من ظهر الكوفة»(5).
وعن محمّد بن الفيض، عن أبي جعفر (عليه السلام)، قال: «كانت عصا موسى لآدم (عليه السلام)، فصارت إلى شعيب، ثمّ صارت إلى موسى بن عمران، وإنَّها لعندنا، وإنَّ عهدي بها آنفاً، وهي خضراء كهيئتها حين انتزعت من شجرتها، وإنَّها لتنطق إذا استنطقت، أُعِّدَت لقائمنا (عليه السلام)، يصنع بها ما كان يصنع موسى، وإنَّها لتروع وتلقف ما يأفكون وتصنع ما تؤمر به، إنَّها حيث أقبلت تلقف ما يأفكون يفتح لها شعبتان: إحداهما في الأرض والأُخرى في السقف، وبينهما أربعون ذراعاً، تلقف ما يأفكون بلسانها»(6).
وعن عبد الله بن سنان، قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: «عصا موسى قضيب آس من غرس الجنَّة، أتاه بها جبرائيل (عليه السلام) لمَّا توجَّه تلقاء مدين، وهي وتابوت آدم في بحيرة طبرية، ولن يبليا، ولن يتغيّرا حتَّى يُخرِجهما القائم (عليه السلام) إذا قام»(7).
إشارات:
١ - تقدَّم أنَّ وجود هذه المواريث لدى الإمام المهدي (عليه السلام) فيه إشارة إلى وحدة الهدف العامّ للرسالات، فتكون حركة الإمام المهدي (عليه السلام) خلاصة ونتيجة لكلِّ حركات الأنبياء السابقين، ووجود عصا موسى لديه (عليه السلام) فيه إشارة إلى ذلك.
وهذه الملاحظة عامَّة لجميع هذا النوع من المواريث.
٢ - كان لعصا موسى آثار عديدة عندما كانت عنده، كالانقلاب إلى أفعى، وشقّ البحر بها، وانبجاس عيون الماء من الصخر بضربة منها، وغيرها، وليس من الضروري أن يكون الهدف من وجودها عند الإمام المهدي (عليه السلام) هو نفس ترتّب تلك الآثار، بقدر ما تكون مشيرة إلى هدفية حركته بالنسبة لحركة النبيّ موسى كما تقدَّم قبل قليل.
وهذا ما أشارت إليه الرواية الشريفة عندما ذكرت تاريخ هذه العصا وكيف أنَّها انتقلت من نبيّ إلى آخر.
٣ - على أنَّ الروايات المتقدّمة أشارت إلى أنَّ تلك الخصائص ما زالت في تلك العصا، وأنَّ الإمام المهدي (عليه السلام) سيستعملها فيها، ولكن لا بدَّ أن نعلم أنَّه ليس الطابع العامّ لحركة الإمام المهدي هو طابع الإعجاز (الذي كان وراء صدور تلك الآثار من تلك العصا)، وهذا يعني أنَّ استعمال تلك الخصائص للعصا من قِبَل الإمام المهدي (عليه السلام) سيكون محدوداً بحدود ما لا يثبت من الحقِّ إلَّا بها، أو بحدود الحكمة التي يراها الإمام المهدي (عليه السلام) مناسبةً حسب الظرف الموضوعي.
٢ - خاتم سليمان (عليه السلام):
وهو الخاتم الذي ملك به النبيّ سليمان ملكاً وصفه القرآن الكريم بـ ﴿مُلْكاً لا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ * فَسَخَّرْنا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخاءً حَيْثُ أَصابَ * وَالشَّياطِينَ كُلَّ بَنَّاءٍ وَغَوَّاصٍ * وَآخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفادِ﴾ (ص: ٣٥ - ٣٨).
ورد عن الحسين بن موسى بن جعفر، قال: رأيت في يد أبي جعفر محمّد بن علي الرضا (عليهما السلام) خاتم فضَّة ناحل (أي رقيق، رقَّ من كثرة اللبس)، فقلت: مثلك يلبس هذا؟ قال: «هذا خاتم سليمان بن داود (عليهما السلام)»(8).
ولكن هذه الرواية لم تُصرِّح بأنَّ هذا الخاتم هو عند الإمام المهدي (عليه السلام)، فكيف نُثبِت ذلك؟
الجواب:
١ - لا نحتاج إلى رواية خاصَّة تُصرِّح بأنَّ الخاتم هو عند الإمام المهدي (عليه السلام)، حيث تكفينا الروايات العامَّة التي دلَّت على أنَّ كلّ مواريث الأنبياء هي عند الأئمَّة (عليهم السلام)، ومن ذلك ما ورد عن أبي حمزة الثمالي، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: سمعته يقول: «ألواح موسى (عليه السلام) عندنا، وعصا موسى عندنا، ونحن ورثة النبيّين»(9).
ولا شكَّ أنَّها ستنتهي إلى الإمام المهدي (عليه السلام)، ولا شكَّ أنَّ الخاتم المذكور هو من تلك المواريث.
٢ - هذا فضلاً عن وجود روايات أُخرى صرَّحت بأنَّ الإمام المهدي (عليه السلام) سيخرج ومعه خاتم سليمان، فمن ذلك ما جاء عن جابر، عن أبي جعفر (عليه السلام)، قال: «أوَّل ما يبدأ القائم (عليه السلام) بأنطاكية فيستخرج منها التوراة من غار فيه عصا موسى وخاتم سليمان»، قال: «وأسعد الناس به أهل الكوفة»، وقال: «إنَّما سُمّي المهدي لأنَّه يهدي إلى أمر خفي، حتَّى أنَّه يبعث إلى رجل لا يعلم الناس له ذنب فيقتله، حتَّى أنَّ أحدهم يتكلَّم في بيته فيخاف أن يشهد عليه الجدار»(١0).
وعن أبي الجارود زياد بن المنذر، قال: قال أبو جعفر محمّد بن علي (عليهما السلام): «إذا ظهر القائم (عليه السلام) ظهر براية رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وخاتم سليمان، وحجر موسى وعصاه...»(١1).
وعن الريّان بن الصلت، قال: قلت للرضا (عليه السلام): أنت صاحب هذا الأمر؟ فقال: «أنا صاحب هذا الأمر، ولكنّي لست بالذي أملؤها عدلاً كما ملئت جوراً، وكيف أكون ذلك على ما ترى من ضعف بدني؟ وإنَّ القائم هو الذي إذا خرج كان في سنِّ الشيوخ ومنظر الشبّان، قويَّاً في بدنه حتَّى لو مدَّ يده إلى أعظم شجرة على وجه الأرض لقلعها، ولو صاح بين الجبال لتدكدكت صخورها، يكون معه عصا موسى، وخاتم سليمان (عليهما السلام). ذاك الرابع من ولدي، يُغيبه الله في ستره ما شاء، ثمّ يُظهِره فيملأ [به] الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً»(١2).
وقال الصدوق (رحمه الله): (روي أنَّ القائم (عليه السلام) إذا خرج يكون عليه قميص يوسف، ومعه عصا موسى، وخاتم سليمان (عليهم السلام))(١3).
٣ - قميص يوسف (عليه السلام):
عن مفضَّل بن عمر، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: سمعته يقول: «أتدري ما كان قميص يوسف (عليه السلام)؟»، قال: قلت: لا، قال: «إنَّ إبراهيم (عليه السلام) لمَّا أُوقدت له النار أتاه جبرئيل (عليه السلام) بثوب من ثياب الجنَّة فألبسه إيّاه، فلم يضرّه معه حرّ ولا برد، فلمَّا حضر إبراهيم الموت جعله في تميمة وعلَّقه على إسحاق، وعلَّقه إسحاق على يعقوب، فلمَّا وُلِدَ يوسف (عليه السلام) علَّقه عليه، فكان في عضده حتَّى كان من أمره ما كان، فلمَّا أخرجه يوسف بمصر من التميمة وجد يعقوب ريحه وهو قوله: ﴿إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ لَوْ لا أَنْ تُفَنِّدُونِ﴾ [يوسف: ٩٤]، فهو ذلك القميص الذي أنزله الله من الجنَّة»، قلت: جُعلت فداك، فإلى من صار ذلك القميص؟ قال: «إلى أهله»، ثمّ قال: «كلّ نبيّ ورث علماً أو غيره فقد انتهى إلى آل محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلّم)»(١4).
إشارة:
الرواية التي ذكرناها وإن لم تُصرِّح بأنَّ القميص عند الإمام المهدي (عليه السلام) لكن تكفينا العمومات - كما تقدَّم في خاتم سليمان -، بالإضافة إلى وجود روايات صرَّحت بهذا، ومنها ما جاء في (كمال الدين)(١5) مرسلاً، قال: (روي أنَّ القائم (عليه السلام) إذا خرج يكون عليه قميص يوسف، ومعه عصا موسى، وخاتم سليمان (عليهم السلام)).
وفي (الصراط المستقيم)(١6): (وفي رواية المفضَّل: يخرج وعليه قميص يوسف، فيشمُّ المؤمنون رائحته شرقاً وغرباً، وهو الذي شمَّ رائحته يعقوب في قوله: ﴿إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ...﴾).
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
(١) المزار لابن المشهدي: ٥٩٠.
(2) وهو ما ذكرته الروايات باسم الناموس.
(3) عيون أخبار الرضا (عليه السلام) ١: ١٩٢ و١٩٣/ ح ١.
(4) راجع: الهداية الكبرى: ٤٠٤.
(5) الكافي ١: ٢٣١/ باب ما عند الأئمَّة (عليهم السلام) من آيات الأنبياء (عليهم السلام)/ ح ٣.
(6) الكافي ١: ٢٣١/ باب ما عند الأئمَّة (عليهم السلام) من آيات الأنبياء (عليهم السلام)/ ح ١.
(7) الغيبة للنعماني: ٢٤٣/ باب ١٣/ ح ٢٧.
(8) بحار الأنوار ٢٦: ٢٢٢/ ح ٤٨، عن سعد السعود: ٢٣٦.
(9) الكافي ١: ٢٣١/ باب ما عند الأئمَّة (عليهم السلام) من آيات الأنبياء (عليهم السلام)/ ح ٢.
(10) بحار الأنوار ٥٢: ٣٩٠/ ح ٢١٢.
(١١) الغيبة للنعماني: ٢٤٤/ باب ١٣/ ح ٢٨.
(١2) كمال الدين: ٣٧٦/ باب ٣٥/ ح ٧.
(١3) كمال الدين: ١٤٣.
(١4) الكافي ١: ٢٣٢/ باب ما عند الأئمَّة (عليهم السلام) من آيات الأنبياء (عليهم السلام)/ ح ٥.
(١5) كمال الدين: ١٤٣.
(١6) الصراط المستقيم ٢: ٢٥٣.
شذرات مهدوية ـ تأليف: حسين عبد الرضا الأسدي.
موقع ديني مختص في مسائل الإمام المهدي (عج) تابع لشعبة البحوث والدراسات - ق. الشؤون الدينية - الأمانة العامة للعتبة الحسينية المقدسة