التآمر على القضية المهدوية

, منذ 3 سنة 769 مشاهدة

 

سعيد أيوب

هناك حركة تآمرية على القضيّة المهدويّة، قديمة وجديدة، تتّخذ تارة: طابعاً سياسيّاً، واُخرى: طابعاً فكريّاً، كما يفهم من حلقاتها التأريخية، وتستهدف هذه الحركة التآمرية بصورة عامّة طمس معالم القضيّة المهدويّة في الإسلام، والقضاء عليها في وجدان الاُمّة.

بدأت هذه المؤامرة تأريخياً في عصر الخلافة الاُمويّة في محاولة من معاوية نفسه، لتطبيق فكرة المهديّ ـ عليه السلام ـ على عيسى بن مريم ـ عليه السلام ـ لقتلها في التصوّر الإسلاميّ، والقضاء على جذوتها الايمانيّة وفاعليتها الرسالية والجهاديّة في المجتمع الإسلامي. فقال لجماعة من بني هاشم:

(زعمتم أنّ لكم ملكاً هاشميّاً، ومهديّاً قائماً، والمهديّ عيسى بن مريم، وهذا الأمر في أيدينا حتّى نسلّمه له)

وواضح من هذا الحوار أنّ معاوية يريد أن يقتل فكرة المهدويّة في الإسلام، ويجعلها من خصائص الديانة المسيحيّة، ومع ذلك يحاول تسخيرها لصالح الخلافة الاُموّية، ليخرج الخلافة من أهل البيت ـ عليهم السلام ـ طول التأريخ؛ لتبقى دائماً في بني اُميّة مع المهدي المنتظرـ عليه السلام ـ في دارسة منهجيّة مقارنة

حتّى يسلّموها لعيسى بن مريم عليه السلام.

وكان ابن عبّاس من جملة الحاضرين من بني هاشم في هذا الحوار، فلم يسمح لمعاوية وهو يسعى لتحريف الأحاديث النبويّة، ويتلاعب بعقائد الإسلام وأفكاره ومفاهيمه لصالح السياسة الاُمويّة الظالمة، فماذا قال لمعاوية؟

قال له:

(اسمع يا معاوية، أمّا قولك إنّا زعمنا أنّ لنا ملكاً مهديّاً، فالزعم في كتاب الله شكّ، قال الله سبحانه وتعالى (وَزَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أنْ لَنْ يُبْعَثُوا قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ[1])، أمّا قولك: انّ لنا ملكاً هاشميّاً، ومهديّاً قائماً، فكلّ يشهد أنّ لنا ملكاً ومهديّاً قائماً، لو لم يبقَ من الدنيا إلاّ يوم واحد لملّكه الله فيه، يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً. أمّا قولك: ان المهديّ عيسى بن مريم، فإنما ينزل عيسى لقتال الدجال، والمهديّ رجل منّا أهل البيت، يصلّي عيسى خلفه[2]).

ومن هذه المواجهة بين معاوية وابن عباس، نعلم أنّ الأحاديث التي طبّقت فكرة المهديّ ـ عليه السلام ـ على عيسى بن مريم ـ عليه السلام ـ هي جزء من حلقات المؤامرة السياسيّة الاُموية على القضيّة المهدويّة؛ بهدف اقصاء أئمّة أهل البيت ـ عليهم السلام ـ عن الخلافة.

وقد أجمع علماء الجرح والتعديل من أهل السنّة على ردّ هذه الأحاديث؛ لمعارضتها للمتواتر والصحيح عن رسول الله ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ: من أنّ المهديّ من أهل البيت، ومن ولد فاطمة عليها السلام.

ومن هذه الأحاديث التي وضعوها في المهديّ ـ عليه السلام ـ لصالح السياسة الاُموية: حديث أنس المنسوب لرسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ أنّه قال:

(لا يزداد الأمر إلاّ شدّة، ولا الدنيا إلاّ إدباراً، ولا الناس إلاّ شحّاً، ولا تقوم الساعة إلاّ على شرار الناس، ولا مهديّ إلاّ عيسى بن مريم[3]).

وأسقط العلماء هذا الخبر من الاعتبار بدليلين:

الأوّل: من جهة السند، فاتفقوا على أنّ آفته من محمّد بن خالد الجنديّ، وهو من الوضّاعين المعروفين؛ لثبوت تلاعبه بالأحاديث الصحيحة، كما فعل في حديث المساجد التي تشدّ اليها الرحال، وهو حديث صحيح، لكنّه رواه هكذا:

(تعمل الرحال الى أربعة مساجد: مسجد الحرام، ومسجدي، ومسجد الأقصى، ومسجد الجند[4]).

فجعل محمّد الجنديّ لمسجد بلدته، مكاناً مقدّساً بين المساجد المعظّمة.

الثاني: من جهة المتن، فاتفقوا على أنّ هذا الخبر منكر؛ لمعارضته لما جاء متواتراً عن رسول الله ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ: من أنّ المهديّ ـ عليه السلام ـ من ولده، ومن عترته، ومن أهل---

بيته، ومن أبناء فاطمة، وأنّ عيسى بن مريم ـ عليه السلام ـ ينزل في زمانه من السماء، ويصلّي خلفه، ويقتدي به؛ تأييداً لخلافته الالهيّة.

وقد جاء خبر اقتداء عيسى ـ عليه السلام ـ بصلاة المهديّ المنتظر ـ عليه السلام ـ في الصحاح الستّة، وفي طليعتها (صحيح البخاري) و(مسلم)[5].

وعلى أيّ حال: فانّ محاولة الاُمويّين تطبيق فكرة المهديّ ـ عليه السلام ـ على عيسى ابن مريم عليه السلام، قد باءت بالفشل، لذلك استخدموا اُسلوباً آخر لاستغلال القضيّة المهدويّة لصالح السياسة الاُمويّة، فوضعوا بعض الأحاديث المصرّحة: بأنّ المهديّ ـ عليه السلام ـ من بني اُميّة.

ومن ذكائهم ودهائهم أنّهم نسبوا هذه الأحاديث لرواة من الصحابة والتابعين من بني هاشم؛ لتكون مقبولة عند عامّة المسلمين، فرووا عن ابن عبّاس أنّه سئل عن المهديّ ـ عليه السلام ـ فقال: (إنّه من عدنان من بني عبد شمس[6]).

وفي رواية عن محمّد بن الحنفيّة قال: (إنّه اذا كان فانّه من ولد عبد شمس)[7].

وعبد شمس هو الجدّ الأعلى للاُمويين.


[1] التغابن: 8.

[2] الملاحم والفتن لابن طاووس: ص116 ـ 117 نقلاً عن تأريخ الطبري، وروى هذا الحوار ابن أبي شيبة في مصنّفه بسند صحيح، لكنّه لم يصرّح باسم معاوية، كما رواه نعيم بن حمّاد في الفتن: ص102 بسند صحيح أيضاً، وفيه بعض الاختلاف، ونقله المتقي الهندي عن ابن أبي شيبة وعن نعيم في كتابه البرهان في علامات مهديّ آخر الزمان 2: 592 ـ 593 وقال محقّق الكتاب في الهامش التخريج صحيح.

[3] سنن ابن ماجة ج2 ح4039.

[4] تهذيب التهذيب 9: 125 ـ 126.

[5] راجع مناقشة علماء أهل السنة لهذا الحديث في (الأحاديث الضعيفة والموضوعة) للألباني و(عقيدة أهل السنّة والأثر في المهديّ المنتظر) للشيخ عبد المحسن العبّاد، وهو بحث روائي نشر في مجلة الجامعة الإسلامية في الحجاز العدد 3 السنة الاُولى أي سنّة 1388 في ذي القعدة، الموافق 1969 شباط.

[6] الفتن لابن حماد: ص103.

[7] المصدر السابق: ص102.

مواضيع قد تعجبك

Execution Time: 0.1485 Seconds