ما هو الفرق بين المهدوية والرأسمالية والإشتراكية ؟

, منذ 2 سنة 237 مشاهدة

إنّ الأدلّة التي ذكرت - كالآيات الواردة في هذا الخصوص - عن طريق العقل أو الفطرة، والتي تشير إلى تحقق نهضة إصلاحية شاملة في العالم، لم تتطرق إلى شخص معين، بل اقتصرت على مباحث كلية.

ولكن ممّا لا شك فيه أنّ هذه النهضة تتطلب زعيماً كسائر النهضات، زعيماً مقتدراً وعالماً ذا أفق بعيد ونظرة ثاقبة وعالمية، فهل يمكن أن ينبثق هذا الزعيم كسائر زعماء العالم المعاصر من المجتمعات المادية؟ أي كالزعماء الذين يكون هدفهم بالدرجة الأُولى حفظ مناصبهم، ومن ثمّ كلّ ما من شأنه حفظ مكانتهم، وتعظيمهم إزاء المدارس السياسية والاقتصادية المختلفة بمستوى التأثير في حفظ مكانتهم؛ وقد تكون ذروة أهدافهم في المرحلة الحقة الانطلاق نحو تحقيق مصالح شعوبهم، وإن كان ذلك على حساب ذبح الشعوب الأُخرى.

وقد أثبتت حرب فيتنام التي استغرقت عشرين سنة وقد خلفت ملايين القتلى والجرحى وهدم ملايين الأحياء السكنية وملايين الأفراد المشوهين ومليارات الأموال والثروات، أنّ الرأسمالية المعاصرة مستعدة للقتال من أجل حفظ منافعها، بل أحيانًا لا لشيء - بل أبعد من ذلك من أجل سلسلة من الأوهام الفارغة - وقد تغيّر خلال هذه الفترة عدد من هؤلاء الزعماء العظام، غير أنّهم ساروا جميعاً على نهج أسلافهم ليثبتوا أنّ ذلك العمل لم يكن نزعة فردية أو جماعية معيّنة، بل هو مبدأ ثابت من مبادئ وخصائص هذه الأنظمة.

إنّهم ينشدون الحرية كهدف سامٍ، لكنهم يقتصرون بها على أنفسهم، وقد يتبنون شعارها أحيانًا من أجل الآخرين، ولكن ما إن تتعارض مع مصالحهم حتّى يتنصلوا عنها.

إنّهم يتفقون بغية ضمان منافعهم، وهذا هو مبدؤهم المقدس المتفق عليه، وكأنّهم تعاقدوا معاً على الدوام على ذلك الأمر.

كما استغلوا حرية «حقوق الإنسان» و «حرية الشعوب في تقرير مصيرها» لضرب منافسيهم، ولذلك قد تنتكس تلك الحرية إن كان الكلام عن حلفائهم، فيتخلون عن تلك الشعارات حفظًا لمصالحهم ورعاية لتلك العلاقات.

فهل يسع مثل هذه الأنظمة أن ترفع راية الحرية والعدالة في العالم، وهل هناك من فرق بين الدول الكبرى؟ فالظلم والاستعباد والقهر الذي تتميز به الأنظمة الرأسمالية واضح لا يتطلب مزيداً من العناء.

أمّا الأنظمة اليسارية فقد واجهت جميع الأنظمة وحصرت سلطتها في بضعة أفراد - أي الفئة الحزبية الحاكمة - على أساس بسط العدل وترفيه الطبقات المُعدمة والمسحوقة وبناء المجتمع الخالي من الطبقية. ومن هنا، فقد صهرت آلاف الإقطاعيين الكبار والصغار في بوتقة ثورة «البروليتاريا»، ثمّ أطلقت عددًا من كبارهم ليمسكوا بخيوط اللعبة لكافة حركات بيئتهم السياسية والاقتصادية. وقد حكموا جتمعاتهم بقوة غاشمة سلبتهم حتّى التفكير في معارضة زعمائهم. وكأنّهم جعلوا بعض المبادئ المرنة التي يفرزها العقل البشري في إطار مسيرته التكاملية بمثابة مبادئ خالدة لإيقاف عجلة التاريخ عن التطور والحركة والإبقاء عليها ساكنة في موضع معين.

ويطالنا هنا بعض الزعماء المستبدّين الذين يتمكنون بالتدريج من الإطاحة بمعارضتهم ليذكرونا بأساطير الدكتاتوريات المُبادئ كسلاطين المغول. على سبيل المثال، فإنّ الزعيم الفذ ستالين لا يرى من ضير في قتل أكثر من مليون ومئتي شخص من أجل البقاء في منصبه وحفظ مصالحه.

ولكن ما إن مات حتّى سلوا جسده من قبره وعمدوا إلى إزالة اسمه، فتحول إلى عدم كأنّه لم يكن له من وجود، والحال، كان حتّى الأمس المدافع الوحيد عن حقوق الطبقة العاملة وضمان راحتها ورفاهيتها قد تتطلب المصالح أحيانًا الوقوف بشدّة بوجه حلفائهم وأعوانهم، وإبرام اتفاقيات التعاون والصلح والسلام مع أعدائهم والتنازل عن جميع المبادئ والأُصول التي يتشدقون بها.

فهل يسع مثل هؤلاء الزعماء حمل لواء العدل العالمي ونشره خفاقًا على الشعوب؟

وهل تستطيع الأنظمة المادية الرأسمالية أو الاشتراكية أو الشيوعية الماركسية أن ترفد المجتمع بذلك الزعيم المنتظر؟ قطعًا لا.

حقًّا ليس ذلك سوى للمدرسة الإنسانية التي تفوق النزعة المادية، والتي تستطيع تطبيق وتنفيذ ذلك المشروع الإنساني في أرجاء العالم كافّة.

المدرسة التي لا يفكر زعيمها قط في حفظ مكانته ومصلحته، ولا يقتصر بنظره على شعبه. كما لا ينظر إلى ما حوله بعين مادية محدودة، وأن يتمتع بالأفكار السماوية الرفيعة والعميقة والترفع عن الضحالة.

فذلك الشخص الذي تخالف مبادئه نظيرتها لدى المدارس المادية التي تنهض اليوم بإدارة شؤون المجتمعات، هو من يستطيع إنقاذ البشرية من هاوية الهلكة وإيصالها إلى شاطئ الأمن والنجاة.

فمن هو ذاك؟ يعتقد المسلمون أنّ ذلك الرجل هو المهدي (عليه السلام).

المصدر: مكارم الشيرازي، ناصر، الحكومة العالمية للإمام المهدي، ص123- 126.

مواضيع قد تعجبك

Execution Time: 0.0780 Seconds