هناك تساؤل عند الكثيرين، حاصله :
أن الإمام المهدي (عجل الله فرجه الشريف) عند ظهوره الشريف هل سيقوم بقتل جميع بني البشر بحيث لا يبقي منهم باقية ؟
ولأجل هذه الشبهة تجد البعض يتخوف من فتح سيرة الإمام (صلوات الله عليه) لتركز هذه الشبهة في ذهنه بسبب بعض موروثاته المسموعة، ولحل هذه الشبهة، نطرح عدة وجوه :
الوجهُ الأوّل: إنّهُ عليهِ السلام إذا كانَ يقتلُ كلَّ الناسِ فمَن أنصارُه؟ أليسَ أنصارُه منَ الناس؟.
الوجهُ الثاني: إنَّ الإمامَ عليهِ السلام سيبعثُه اللهُ تعالى رحمةً منهُ للعالمين لإنقاذِهم، وليسَ لإهلاكِهم، لأنَّ مَن يقتلهُ الإمامُ عليهِ السلام فهوَ في النارِ لا محالةَ وهوَ المُصلِحُ لأمّةِ جدِّه المُصطفى صلّى اللهُ عليهِ وآله، فهل يكونُ الإصلاحُ بقتلِ كلِّ الناس! إذَن أينَ الإصلاح، ومَن هوَ المُصلحُ إذا كانَ القتلُ سيعمُّ الجميع ؟
الوجهُ الثالث: لا دليلَ على ذلك، بل الدليلُ قائمٌ على خلافِ ذلك فإنّهُ صلواتُ اللهِ عليه مُحيي المِلّةِ والشريعة وليسَ مُميتاً لها، وإنّه عليهِ السلام سيقتلُ خصوصَ أعداءِ الدين، وليسَ كلَّ الناس، على ما سيتّضحُ في الأثناء.
أمّا لو تساءلنا عن الناسِ الذينَ سيقومُ الإمامُ المهدي روحي لهُ الفداء بقتلِهم.
فجوابُه: يتّضحُ مِن خلالِ مُراجعةِ الرواياتِ الموثوقِ بها، وخُلاصتها أنّه عليهِ السلام سيقتلُ فئةً خاصّةً منَ الناس وهُم خصوصُ أعداءِ الله، وإن تعدّدَت أسماؤهم بحسبِ تلكَ الرواياتِ وإليكَ طائفةً مِنها.
أوّلاً: روايةُ أبي الجارود عن الإمامِ الباقر عليهِ السلام أنّه قال: (... ويسيرُ إلى الكوفةِ، فيُخرِجُ مِنها ستّةَ عشرَ ألفاً منَ البتريّة، شاكّينَ في السلاحِ، قُرّاءَ القرآن، فقهاءَ في الدين، قد قرّحوا جباهَهم، وشمّروا ثيابَهم، وعمَّهم النفاق، وكلّهم يقولونَ: يا بنَ فاطمة، ارجِع لا حاجةَ لنا فيك. فيضعُ السيفَ فيهم على ظهرِ النجفِ عشيّةَ الاثنينِ منَ العصرِ إلى العشاء، فيقتلُهم أسرعَ مِن جزرٍ جزور، فلا يفوتُ مِنهم رجلٌ، ولا يصابُ مِن أصحابِه أحد، دماؤهم قربانٌ إلى الله. ثمَّ يدخلُ الكوفةَ فيقتلُ مُقاتليها حتّى يرضى اللهُ عزَّ وجل).
دلائلُ الإمامة- محمّدٌ بنُ جرير الطبري (الشيعيّ) (ص: 152)
ولا شكَّ أنَّ المُرادَ مِن (فقهاء في الدين) ليسَ معناهُ المعروف في زمانِنا وهُم المُجتهدونَ ومراجعُ التقليد، بل المُرادُ مِنه المُتفقّهونَ في الدين.
لأنَّ العددَ الذي ذكرَته الروايةُ لا يمكنُ أن يصلَه الفقهاءُ إلى آخرِ الزمان بحسبِ العادة.
ولو تنازَلنا عن ذلكَ فلا يمكنُ أن يصلَ العددُ الضالُّ منَ الفُقهاء هذا المِقدار ولا معشارَ عُشرِه.
ثانياً: ما رواهُ الشيخُ المُفيد رحمَه الله عن أبي الجارود، عن أبي جعفرٍ عليهِ السلام في حديثٍ طويل أنّه " إذا قامَ القائمُ عليهِ السلام سارَ إلى الكوفة، فيخرجُ مِنها بضعةَ عشرَ ألفَ نفسٍ يُدعونَ البتريّةَ عليهم السلاح، فيقولونَ له: ارجِع مِن حيثُ جِئت فلا حاجةَ لنا في بني فاطمة، فيضعُ فيهم السيفَ حتّى يأتي على آخرِهم، ويدخلُ الكوفةَ فيقتلُ بها كلَّ مُنافقٍ مُرتاب، ويهدمُ قصورَها، ويقتلُ مُقاتلتِها حتّى يرضى اللهُ عزَّ وعلا.
الإرشادُ - الشيخُ المفيد (ج2/ص109)
والبتريّةُ هُم أصحابُ كثيرٍ النوّاء، والحسنِ بنِ صالحٍ بنِ حي، وسالمٍ بنِ أبي حفصة، والحكمِ بنِ عتيبة، وسلمةَ بنِ كهيل، وأبو المقدامِ ثابت الحدّاد. وهُم الذينَ دُعوا إلى ولايةِ عليٍّ عليهِ السلام، ثمَّ خلطوها بولايةِ أبي بكرٍ وعُمر، ويثبتونَ لهُما إمامتَهُما، وينتقصونَ عُثمان وطلحةَ والزّبير، ويرونَ الخروجَ معَ بطونِ ولدِ علىٍّ ابنِ أبي طالب، يذهبونَ في ذلكَ إلى الأمرِ بالمعروفِ والنهي عن المُنكَر، ويُثبتونَ لكلِّ مَن خرجَ مِن ولدِ علىٍّ عليهِ السلام عندَ خروجَه الإمامة).
اختيارُ معرفةِ الرجال (رجالُ الكشي) - الشيخُ الطوسي (ج3/ص81)
وإنّما سُمّوا بالبتريّةِ لأنّهم بتروا مِن أمرِ سيّدةِ نساءِ العالمينَ فاطمة الزهراء عليها السلام وظُلامتِها.
فقد روى الكشيُّ رحمَه الله عن سدير، (قالَ: دخلتُ على أبي جعفرٍ عليهِ السلام ومعي سلمةُ بنُ كهيل، وأبو المقدامِ ثابتٌ الحدّاد، وسالمٌ بنُ أبي حفصة، وكثيرٌ النوّاء، وجماعةٌ معهم، وعندَ أبي جعفرٍ عليهِ السلام أخوهُ زيدٌ بنُ عليّ عليهم السلام فقالوا لأبي جعفرٍ عليهِ السلام نتولى عليّاً وحسناً وحُسيناً ونتبرّأُ مِن أعدائِهم ! قالَ: نعم. قالوا: نتولّى أبا بكرٍ وعُمر ونتبرّأ مِن أعدائِهم! قالَ: فالتفتَ إليهم زيدٌ بنُ علي قالَ: لهُم أتتبرّؤونَ مِن فاطمةَ بترتُم أمرَنا بترَكم الله فيومئذٍ سُمّوا البتريّةَ).
اختيارُ معرفةِ الرجال (رجالُ الكشيّ) - الشيخُ الطوسي (ج3/ص87)
أقولُ وليسَ بالبعيدِ أن يكونَ المُرادُ منَ البتريّة، هوَ المنهجُ والظاهرةُ التي هيَ وصفٌ لكلِّ مَن سارَ على منهجِ التخليطِ بينَ الولايةِ لأهلِ البيتِ عليهم السلام، والولايةِ لأعدائِهم عليهم لعائنُ الله.
وهوَ في الحقيقةِ منهجٌ معادٍ لمنهجِ أهلِ البيت عليهم السلام، والذي يدلُّنا على أنَّ المُرادَ منَ البتريّةِ (الظاهرةُ والمنهجُ وليسَ فئةً خاصّة) رواياتٌ كثرٌ مِنها.
ما رواهُ الصّدوقُ رحمَه الله عن مُحمّدٍ بنِ أبي عمير، عمَّن ذكرَه، عن أبي عبدِ الله عليهِ السلام قالَ: قلتُ له: ما بالُ أميرِ المؤمنينَ عليهِ السلام لم يُقاتِل مُخالفيه في الأوّل؟ قالَ: لآيةٍ في كتابِ اللهِ تعالى: " لو تزيّلوا لعذّبنا الذينَ كفروا مِنهم عذاباً أليماً"، قالَ: قلتُ: وما يعني بتزايلِهم ؟ قالَ: ودائعُ مؤمنونَ في أصلابِ قومٍ كافرين. وكذلكَ القائمُ عليهِ السلام لم يظهَر أبداً حتّى تخرُجَ ودائعُ اللهِ عزَّ وجل فإذا خرجَت ظهرَ على مَن ظهرَ مِن أعداءِ اللهِ عزَّ وجل فقتلَهم.
كمالُ الدينِ وتمامُ النعمة- الشيخُ الصدوق (ص: 267)
وما رواهُ السيّدُ الاسترابادي عن أبي جعفرٍ عليهِ السلام قالَ: (يخرجُ القائمُ فيسيرُ حتّى يمرَّ بمرءٍ فيبلغُه أنَّ عاملَه قد قُتلَ فيرجعُ إليهم فيقتلُ المُقاتلةَ ولا يزيدُ على ذلكَ شيئاً).
تأويلُ الآياتِ الظاهرة (ج1/ص402)
وأمّا ما يشيعُه أعداءُ المذهبِ مِن أنَّ الإمامَ إذا ظهرَ فإنّهُ سيقتلُ الفقهاءَ فهذا منَ الكذبِ الذي لا أساسَ له ولا يمكنُ التصديقُ به بعدَ أن ثبتَ بالرواياتِ المُتواترةِ لزومُ إتّباعِ فقهاءِ آلِ مُحمّد عليهم السلام.
موقع ديني مختص في مسائل الإمام المهدي (عج) تابع لشعبة البحوث والدراسات - ق. الشؤون الدينية - الأمانة العامة للعتبة الحسينية المقدسة