ترويض الحيوانات المفترسة في زمن ظهور الإمام المهدي (عجل الله فرجه)

, منذ 12 ساعة 85 مشاهدة

لقد بيّن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بشارات متعدّدة في خصوص حكومة الإمام صاحب العصر والزمان (عجّل الله تعالى فرجه)، وخصائصه والحوادث العجيبة الّتي تحدث في عصر الظهور، وعن التغيّرات والتحوّلات المهمّة في العالم، وما يجري على النّاس والّتي ترتبط في ذلك الزمان - ومن جملتها الحيوانات - فيقول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) في خطبة له:

... وتُنزع حُمَة كلّ دابّة حتّى يدخل الوليد يده في فم الحَنَش فلا يضرّه، وتلقى الوليدة الأسد فلا يضرّها، ويكون في الإبل كأنّه كلبها، ويكون الذئب في الغنم كأنّه كلبها، وتملأ الأرض من الإسلام، ويُسلب الكفّار ملكهم، ولا يكون الملك إلاّ لله وللإسلام، وتكون الأرض كفاثور الفضّة تنبت نباتها كما كانت على عهد آدم؛ يجتمع النفر على القِثّاء فتشبعهم، ويجتمع النفر على الرُّمّانة فتشبعهم ويكون الفرس بدُرَيْهمات(1).

اُنظروا إلى النّقاط المهمّة الموجودة في هذه الرّواية، والّتي بيّنت التغيّرات الحاصلة في عصر المشرق للظهور، منها:

١ - سلب حالة الافتراس من الحيوانات المفترسة.

٢ - ستصبح في ذلك الوقت الحيوانات المفترسة والوحشيّة من أمثال الأسد والذئب أهليّة، فتمشي بين الإبل والغنم.

٣ - مصادرة الثّروة والأموال العائدة لجميع الكفّار الّذين يصرّون على البقاء على كفرهم.

٤ - وجود حكومة إلهيّة واحدة، وحاكميّة الدّين الإسلامي فقط.

٥ - ستزداد البركة الإلهيّة في ذلك العصر بحيث تصبح الفاكهة والخضار أضعافاً مضاعفة، والحبّة الواحدة منها مثل حبّة الرّمّان والخيار تشبع عدداً من الأشخاص.

٦ - تباع جميع السلع والأشياء بثمن بخس وزهيد، فمثلاً يباع ويشرى الحصان بدراهم معدودات.

وبناءً على ما ورد في هذا الحديث الشريف، فإنّه من النتائج المترتّبة على عصر الظهور والّتي بشّر بها رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) النّاس أجمعين في الحكومة العالميّة للإسلام، هي نزول البركات السماويّة العجيبة، والتطوّر الاقتصادي والتّوسعة الزّراعيّة، وترويض الحيوانات المفترسة واللاسعة و....

ومن الأحداث والنعم الّتي تقع في عصر الظهور، هي ترويض الحيوانات الوحشيّة وبقاء الجميع في أمان منها، وهذا التّحوّل والتّغيّر الحاصل جاء نتيجة قدرة الولاية المطلقة للإمام بقيّة الله الأعظم أرواحنا لمقدمه الفداء، وتصرّف الإمام العظيم في ذلك الزمان وتأثيره على جميع الموجودات.

هذه النّعم لا تترك أثرها الواضح على الحيوانات؛ بل ستجلب معها بركات السّماوات والأرض، وكذلك فإنّ أيّ تغيّر وتحوّل وتطوّر في الأصعدة والمجالات فهو ناتج من ظهور القدرة والولاية للإمام المهدي (عجّل الله تعالى فرجه).

لأنّه - وكما تعلمون - فإنّ المقصود من قضيّة الظهور ليس ظهور شخص الإمام من الناحية الماديّة والجسديّة فقط، وإنّما المقصود من ظهوره (عجّل الله تعالى فرجه) هو استعمال القدرة والولاية التكوينيّة والتّصرف في الكون.

ولهذا السبب، فإنّ ظهور الإمام (عجّل الله تعالى فرجه) سيتلازم مع تصرّفاته في عالم التّكوين، وعلى أثرها ستشهد وتلمس الإنسانيّة جمعاء تلك التحوّلات والتّغيّرات العجيبة الحاصلة في العالم.

يقول الإمام الصادق (عليه السلام):

ينتج الله تعالى في هذه الاُمّة رجلاً منّي وأنا منه، يسوق الله تعالى به بركات السّماوات والأرض، فينزل السّماء قطرها، ويخرج الأرض بذرها، وتأمن وحوشها وسباعها، ويملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً، ويقتل حتّى يقول الجاهل: لو كان هذا من ذرّيّة محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) لرحم(2).

ويستعمل الإمام الصّادق (عليه السلام) في هذه الرّواية تعبيراً جميلاً ورائعاً بالنّسبة إلى الإمام المهدي (عجّل الله تعالى فرجه) فيقول (عليه السلام): «رجلاً منّي وأنا منه»، وهذا التعبير دليل واضح على التّجليل والعظمة الّتي يولّيها الإمام الصّادق (عليه السلام) إلى الإمام المهدي (عجّل الله تعالى فرجه)، وهذا التّعبير نفسه استعمله الرّسول الأكرم (صلّى الله عليه وآله وسلّم) في خصوص الإمامين الحسن والحسين (عليهما السلام) سيّدي شباب أهل الجنّة.

وأمّا النّقاط الأخرى الّتي يمكن استخلاصها من هذه الرّواية، فهي عبارة عن:

١ - نزول بركات السّماء والأرض.

٢ - كثرة الأمطار النافعة.

٣ - انتشار المزارع والحقول والمحاصيل الزّراعيّة. وهذا دليل على حصول

عمليّة النّموّ الاقتصادي والتنمية الزّراعيّة.

٤ - ترويض جميع الحيوانات المفترسة.

٥ - إشاعة عمليّة القسط والعدالة، لتشمل العالم كلّه.

٦ - قتل أعداء أهل البيت (عليهم السلام).

٧ - إنّ قول الإمام الصادق (عليه السلام) في نهاية الرّواية - ويقتل حتّى يقول الجاهل... - فهو دليل على أنّ الاعتراض هذا صادر من قبل المخالفين والأعداء، باعتبار أنّ القائل يقول: «لو كان هذا من ذرّيّة محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) لرحم»، ويعلم من هذا القول أنّ هذا الشخص يعتقد ويؤمن بأنّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) كان رحيماً؛ ولكنّه في الوقت نفسه لا يعتقد قطعاً بإمامة الإمام صاحب العصر والزمان أرواحنا لمقدمه الفداء، ولذلك يقوم بالاعتراض ومخالفة الأعمال الّتي يقوم بها الإمام (عجّل الله تعالى فرجه)، وهذه قرينة صريحة بأنّ عمليّة القتل تكون بين هؤلاء الأعداء.

والآن نعود إلى أصل الموضوع، ونستمرّ في الحديث حول ترويض الحيوانات الوحشيّة، والّتي صرّحت بها الرّوايات الواردة عن بيت العصمة والطهارة (عليهم السلام)، وعلى ضوءها، فإنّ التّحوّل والتّغيّر سيطرأ على الجهاز الهضمي للحيوانات المفترسة، وتنتقل من أكلة اللحوم إلى أكلة النّباتات والأعشاب.

ومن خلال هذا الأمر يتّضح أنّه تسلب منها حالة الافتراس وإراقة الدّماء، فتأمن حاجتها من الغذاء بواسطة أكلها للأعشاب والخضار.

يقول الإمام الحسن المجتبى (عليه السلام): تصطلح في ملكه السباع(3).

ويقول الإمام أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب (عليه السلام): إصطلحت السباع والبهائم(4).

وتجدر الإشارة إلى أنّ تحمّل هكذا قضايا ومسائل، أمر صعب على أشخاص تطبعت قلوبهم وتناغمت مع عصرنا الحاضر، ولا يرون أبعد من قدمهم؛ ولكن هذا الأمر يمكن هضمه وفهمه من قبل الأشخاص الّذين ينظرون إلى القضايا المستقبليّة للعالم نظرة ثاقبة وفاحصة؛ لأنّهم يعلمون جيّداً أنّ التّغيّرات والتّحوّلات أمر لابدّ منه وحاصل لا محال، وسوف تضع بصماتها وتأثيراتها العجيبة على الكرة الأرضيّة، فتسبب التطوّر والتّكامل لدى جميع الموجودات.

ونظراً لهذه الحقيقة، إذن؛ ما هو البُعد والعامل الكامن وراء تمكّن الإنسانيّة وبعد تقوية إرادتها وقابليّتها فتكون قادرة على طلب ما تريد، فتضحى الحيوانات نفسها منصاعة لها؟!

إنّ من الواضح، فإنّه وكما كانت النّظرة العظيمة للشّيخ البهائي رحمه الله والأشخاص العظماء من أمثاله قادرة على تبديل النّحاس إلى ذهب، فإنّ الإنسانيّة تستطيع في اليوم الّذي تتكامل فيه عقولها من بسط وإعمال إرادتها على الحيوانات، والّتي هي بدورها صاحبة شعور وإحساس.

غير أنّنا علينا أن نفهم حقيقة وهي: إنّنا إذا اعتقدنا أنّ هناك تطابق وتشابه بين النّاس في ذلك العصر والنّاس في عصرنا هذا، فإنّ قبول هذا الموضوع يكون أمراً مستحيلاً؛ ولكن كما بيّنا سابقاً أنّ ذلك الزّمان هو زمان تكامل العقول وزيادة قدرات وطاقات الإنسانيّة، ونتّجه لهذه الحتميّة، فإنّ قبول تلك التّحوّلات والتّغيّرات يكون سهلاً ومقبولاً.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) التشريف بالمنن: ٢٩٩.

(2) الغيبة الشيخ الطوسي رحمه الله: ١١٥.

(3) بحار الأنوار: ٢٨٠/٥٢.

(4) بحار الأنوار: ٣١٦/٥٢.

المصدر : دولة الإمام المهدي (عجّل الله تعالى فرجه الشريف) ـ تأليف : السيّد مرتضى المجتهدي السيستاني.

مواضيع قد تعجبك

Execution Time: 0.0513 Seconds