روى الشيخ الصدوق (رحمه الله): ... حتَّى تُوفِّي [الحسن بن عليٍّ العسكري] (عليه السلام) لأيَّام مضت من شهر ربيع الأوَّل من سنة ستِّين ومائتين، فصارت سُرَّ من رأى ضجَّة واحدة - مات ابن الرضا -، وبعث السلطان إلى داره من يُفتِّشها ويُفتِّش حُجَرها، وختم على جميع ما فيها، وطلبوا أثر ولده، وجاؤوا بنساء يعرفن بالحبل... فلمَّا دُفِنَ وتفرَّق الناس اضطرب السلطان وأصحابه في طلب ولده وكثر التفتيش في المنازل والدور...(١).
يقول الشيخ المفيد (رحمه الله): ... وجرى على مخلفي أبي محمّد (عليه السلام) بسبب ذلك كلُّ عظيمة، من اعتقال وحبس وتهديد وتصغير واستخفاف وذلٍّ، ولم يظفر السلطان منهم بطائل، وحاز جعفر ظاهر تركة أبي محمّد (عليه السلام)، واجتهد في القيام عند الشيعة مقامه، فلم يقبل أحد منهم ذلك ولا اعتقده فيه، فصار إلى سلطان الوقت يلتمس مرتبة أخيه، وبذل مالاً جليلاً، وتقرَّب بكلِّ ما ظنَّ أنَّه يُتقرَّب به، فلم ينتفع بشيء من ذلك...(٢).
نقل دار الوكالة إلى بغداد:
في نصٍّ رواه الشيخ الصدوق (رحمه الله) يأمر فيه الإمام الحجَّة (عجَّل الله فرجه) وفداً من الشيعة بأنَّ دار الوكالة ستُنتَقل من سامرَّاء إلى بغداد: ... وأمرنا القائم (عليه السلام) أنْ لا نحمل إلى سُرَّ من رأى بعدها شيئاً من المال، فإنَّه ينصب لنا ببغداد رجلاً يحمل إليه الأموال ويخرج من عنده التوقيعات. قالوا: فانصرفنا من عنده ودفع إلى أبي العبّاس محمّد بن جعفر القمّي الحميري شيئاً من الحنوط والكفن، فقال له: «أعظم الله أجرك في نفسك»، قال: فما بلغ أبو العبَّاس عقبة همدان حتَّى تُوفّي (رحمه الله). وكنَّا بعد ذلك نحمل الأموال إلى بغداد إلى النوَّاب المنصوبين بها ويخرج من عندهم التوقيعات(٣).
وقد رأى الإمام (عجَّل الله فرجه) جملة كثيرة من فقهاء الطائفة ومشايخها وغيرهم، وممَّا روي في هذا الشأن أخبار عديدة، منها:
صحيح الحميري، قال: اجتمعت أنا والشيخ أبو عمرو (رحمه الله) عند أحمد بن إسحاق، فغمزني أحمد بن إسحاق أنْ أسأله عن الخلف، فقلت له: يا أبا عمرو، إنِّي أُريد أنْ أسألك عن شيء وما أنا بشاكٍّ فيما أُريد أنْ أسألك عنه...، وقد أخبرني أبو عليٍّ أحمد بن إسحاق عن أبي الحسن (عليه السلام)، قال: سألته وقلت: من أُعامل، أو عمَّن آخذ، وقول من أقبل؟ فقال له: «العمري ثقتي، فما أدَّى إليك عنِّي فعنِّي يُؤدِّي، وما قال لك عنِّي فعنِّي يقول، فاسمع له وأطع، فإنَّه الثقة المأمون»، وأخبرني أبو عليٍّ أنَّه سأل أبا محمّد (عليه السلام) عن مثل ذلك، فقال له: «العمري وابنه ثقتان، فما أدَّيا إليك عنِّي فعنِّي يُؤدِّيان، وما قالا لك فعنِّي يقولان، فاسمع لهما وأطعهما فإنَّهما الثقتان المأمونان»، فهذا قول إمامين قد مضيا فيك، قال: فخرَّ أبو عمرو ساجداً وبكى، ثمّ قال: سَلْ حاجتك، فقلت له: أنت رأيت الخلف من بعد أبي محمّد (عليه السلام)؟ فقال: إي والله، ورقبته مثل ذا - وأومأ بيده -...(٤).
قال أبو العبَّاس الحميري: فكنَّا كثيراً ما نتذاكر هذا القول، ونتواصف جلالة محلِّ أبي عمرو(٥).
وفي صحيح الصدوق (رحمه الله) عن الحميري، قال: سألت محمّد بن عثمان العمري (رحمه الله)، فقلت له: أرأيت صاحب هذا الأمر؟ فقال: نعم، وآخر عهدي به عند بيت الله الحرام، وهو يقول: «اللَّهُمَّ أنجز لي ما وعدتني»(٦).
وممَّن رآه (عجَّل الله فرجه) أو وقف على بعض معجزاته من الوكلاء، فقد عُدَّ منهم من بغداد: العمري وابنه، وحاجز، والبلالي، والعطَّار، ومن الكوفة: العاصمي، ومن أهل الأهواز: محمّد بن إبراهيم بن مهزيار، ومن أهل قم: أحمد بن إسحاق، ومن أهل همدان: محمّد بن صالح، وغيرهم من الوكلاء(٧).
ـــــــــــــــــــــــــــ
(١) كمال الدِّين (ص ٤٣).
(٢) الإرشاد (ص ٣٣٦ و٣٣٧).
(٣) كمال الدِّين (ص ٤٧٨ و٤٧٩/ باب ٤٣/ ح ٢٦).
(٤) الكافي (ج ١/ ص ٣٢٩ و٣٣٠/ باب في تسمية من رآه (عليه السلام)/ ح ١).
(٥) الغيبة للطوسي (ص ٣٥٤ و٣٥٥/ ح ٣١٥).
(٦) كمال الدِّين (ص ٤٤٠/ باب ٤٣/ ح ٩).
(٧) كمال الدِّين (ص ٤٤٢/ باب ٤٣/ ح ١٦).
المصدر : دروس استدلالية في العقيدة المهدوية ـ تأليف : الشيخ حميد عبد الجليل الوائلي.
موقع ديني مختص في مسائل الإمام المهدي (عج) تابع لشعبة البحوث والدراسات - ق. الشؤون الدينية - الأمانة العامة للعتبة الحسينية المقدسة