هل تنطبق صفات المهدي (عج) على محمد بن الحسن العسكري (ع) ؟

, منذ 2 شهر 245 مشاهدة

قال الشيخ(1): فإنْ قال معترضٌ: هذه الأحاديث النبويَّة الكثيرة بتعدادها، المصرِّحة بجملتها وأفرادها، متَّفق على صحَّة أسنادها، ومجمع على نقلها عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) وإيرادها، وهي صحيحة صريحة في إثبات كون المهدي (عجَّل الله فرجه) من ولد فاطمة (رضي الله عنها)، وأنَّه من رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلَّم)، وأنَّه من عترته، وأنَّه من أهل بيته، وأنَّ اسمه يواطئ اسمه، وأنَّه يملأ الأرض قسطاً وعدلاً، وأنَّه من ولد عبد المطَّلب، وأنَّه من سادات أهل الجنَّة، وذلك ممَّا لا نزاع فيه.

غير أنَّ ذلك لا يدلُّ على أنَّ المهدي الموصوف بما ذكره (عليه السلام) من الصفات والعلامات هو هذا أبو القاسم محمّد بن الحسن الحجَّة الخلف الصالح، فإنَّ ولد فاطمة كثيرون، وكلُّ من يُولَد من ذرّيَّتها إلى يوم القيامة يصدق عليه أنَّه من ولد فاطمة، وأنَّه من العترة الطاهرة، وأنَّه من أهل البيت، فيحتاجون مع هذه الأحاديث المذكورة إلى زيادة دليل على أنَّ المهدي المراد هو الحجَّة المذكور ليتمَّ مرامكم.

فجوابه: أنَّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) لمَّا وصف المهدي بصفات متعدِّدة، من ذكر اسمه ونسبه، ومرجعه إلى فاطمة (رضي الله عنها)، وإلى عبد المطَّلب، وأنَّه أجلى الجبهة، أقنى الأنف، وعدَّد الأوصاف الكثيرة التي جمعتها الأحاديث الصحيحة المذكورة آنفاً، وجعلها علامة ودلالة عليه، على أنَّ الشخص الذي يُسمَّى المهدي وثبتت له الأحكام المذكورة وهو الشخص الذي اجتمعت تلك الصفات فيه.

ثمّ وجدنا تلك الصفات المجعولة علامة ودلالة مجتمعة في أبي القاسم محمّد الخلف الصالح دون غيره؛ فيلزم القول بثبوت تلك الأحكام له، وأنَّه صاحبها، وإلَّا فلو جاز وجود ما هو علامة ودليل، ولا يثبت ما هو مدلوله، قدح ذلك في نصبها علامة ودلالة من رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلَّم)؛ وذلك فإنَّ من قال معترضاً:

لا نُسلِّم العمل به بالعلامة والدلالة إلَّا بعد العلم باختصاص من وُجِدَت فيه ما دون غيره وتعيُّنه لها.

فأمَّا إذا لم يُعلَم تخصيصه وانفراده بها، فلا يُحكَم له بالدلالة.

ونحن نُسلِّم أنَّه من زمن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) إلى ولادة الخلف الحجَّة محمّد (عليه السلام) ما وُجِدَ من ولد فاطمة (رضي الله عنها) شخص جمع تلك الصفات التي هي العلامة والدلالة غيره.

لكن وقت بعثة المهدي وظهوره وولايته هو في آخر أوقات الدنيا، عند ظهور الدجَّال، ونزول عيسى بن مريم، وذلك سيأتي بعد مدَّة مديدة، ومن الآن إلى ذلك الوقت المتراخي الممتدِّ أزمان متجدِّدة، وفي العترة الطاهرة من سلالة فاطمة (رضي الله عنها) يتعاقبون ويتوالدون إلى ذلك الأوان، فيجوز أنْ يُولَد من السلالة الطاهرة والعترة النبويَّة من يجمع تلك الصفات، فيكون هو المهدي المشار إليه في الأحاديث المذكورة، ومع هذا الاحتمال والإمكان كيف يبقى دليلكم مختصًّا بالحجَّة محمّد المذكور؟

فالجواب: أنَّكم إذا عرفتم أنَّه إلى وقت ولادة الخلف الصالح، وإلى زماننا هذا، لم يُوجَد من جمع تلك الصفات والعلامات بأسرها سواه، فيكفي ذلك في ثبوت تلك الأحكام له؛ عملاً بالدلالة الموجودة في حقِّه.

وما ذكرتموه من احتمال أنْ يتجدَّد مستقبلاً في العترة الطاهرة مَنْ يكون بتلك الصفات لا يكون قادحاً في إعمال الدلالة، ولا مانعاً من ترتيب حكمها عليها.

فإنَّ دلالة الدليل راجحة لظهورها، واحتمال تجدُّد ما يعارضها مرجوح، ولا يجوز ترك الراجح بالمرجوح؛ فإنَّه لو جوَّزنا ذلك لامتنع العمل بأكثر الأدلَّة المثبتة للأحكام، إذ ما من دليل إلَّا واحتمال تجدُّد ما يعارضه، متطرِّق إليه، ولم يمنع ذلك من العمل به وفاقاً.

ــــــــــــــــــــــــــ

  1. يريد الشيخ محمّد بن طلحة الشافعي؛ لأنَّ جملة هذه الروايات أخذها عن طريق كتابه: مطالب السؤول (ص ٤٨٣).

المصدر : إثبات وجود الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) من أقوال علماء ومحدثي أهل السنة والجماعة

الشيخ محمد علي اللكنهوي الهندي المكي كان حياً سنة ١٣١٠هـ.

 

مواضيع قد تعجبك

Execution Time: 0.0457 Seconds