3 صفات مشتركة بين النبي محمد (ص) في بين الإمام المهدي ... تعرف عليها

, منذ 2 شهر 371 مشاهدة

هناك ثلاثة مظاهر:

المظهر الأوّل: خُلُق الرحمة:

إنَّ النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) كان خلقه رحمة، يقول القرآن الكريم: ﴿فَبِما رَحْمَةٍ مِنَ اللهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ﴾ (آل عمران: ١٥٩)، حيث كان (صلّى الله عليه وآله وسلّم) قطعة من التواضع، والألفة، والمحبّة، والقرآن يصف خلقه، قال تعالى: ﴿وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾ (القلم: ٤).

وهذه الصورة الجميلة الرائعة لشخصية النبيّ نفسها تتصوَّر وتتجسَّد في المهدي المنتظر (عليه السلام)، فإنَّ بعضهم يتصوَّر أنَّ المهدي إنسان عابس، إنسان عنيف، والصحيح أنَّ المهدي كجدّه رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) صورة مبتسمة، صورة جذّابة، صورة ملؤها التواضع، وملؤها الخلق الجذّاب، تماماً كجدّه رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، لذلك ورد في الرواية عن الصادق (عليه السلام): «يسير في الناس كسيرة جدّه»(1).

وفي الرواية عن الصادق (عليه السلام) في تفسير قوله تعالى: ﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكافِرِينَ يُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَلا يَخافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ﴾ (المائدة: ٥٤)، قال الإمام الصادق (عليه السلام): «نزلت في القائم (عليه السلام) وأصحابه»(2).

المظهر الثاني: المجتمع الأخوي:

إنَّ من الواضح لمن اطَّلع على كتابات المستشرقين يجدهم قد طعنوا في النبيّ في كلّ شيء إلّا في شيء واحد، وقفوا له موقف الإجلال والعظمة واعتبره كثير منهم إعجازاً لم يسبق به النبيّ، وهو أنَّه استطاع في فترة وجيزة أن يحوّل المجتمع المدني إلى مجتمع أخوي وهو ليس أمراً سهلاً على الإطلاق، فإنَّ المجتمع المدني الذي كان قبائل متناحرة ومتقاتلة حوَّله النبيّ في فترة وجيزة إلى أخوّة يملؤهم الحبّ والوفاء وهذا أمر في غاية الصعوبة، والإمام المهدي (عليه السلام) أيضاً مجتمعه مجتمع أخوي كما صنع رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، والقرآن أثنى على ذلك المجتمع الأخوي الذي أقامه النبيّ، قال تعالى:

﴿لِلْفُقَراءِ الْمُهاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللهِ وَرِضْواناً وَيَنْصُرُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ أُولئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ * وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُا الدَّارَ وَالإِيمانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ (الحشر: ٨ و٩).

فهنا تعطي الآية صورة رائعة جدَّاً، حيث إنَّ الأنصار احتضنوا كلّ مهاجر جاء فقيراً، ووفَّروا له السكن وفرصة العمل واعتبروه أخاً وحبيباً، وهل هذا يحصل في زماننا؟ أن يحتضن مجتمع آخر ويوفّر له السكن المجّاني ويوفّر له فرصة العمل مجّاناً ويوفّر ذلك له لا بدافع الحياء والخجل، بل بدافع المحبّة والأخوّة.

وهذا المجتمع الأخوي هو الذي يؤسّسه المهدي (عليه السلام) عند خروجه، وهو يقوم على عنصرين: عنصر المحبّة، وعنصر التكافل الاجتماعي.

نحن جميعاً مشتاقون إلى المجتمع المهدوي وندعو دائماً: (اللّهمّ اجعلنا من أنصاره وأعوانه), (اللّهمّ عجّل فرجه), (اللّهمّ أرنا ذلك اليوم العظيم)، لكن المهدي يقول لنا: إذا أردتم أن تروا يومي فعليكم أن تعدّوا أنفسكم لأن تكونوا مجتمعاً أخوياً، إذ لا يمكن لنا أن نكون من أنصاره وأعوانه حتَّى نكون مجتمعاً أخوياً نتبادل المحبّة رغم اختلافاتنا ونتبادل التكافل الاجتماعي، وإذا صرنا بهذه الدرجة صرنا مؤهّلين لأن نكون من أنصاره وأعوانه.

فعن أبي إسماعيل، قال: قلت لأبي جعفر (عليه السلام): جُعلت فداك إنَّ الشيعة عندنا كثير، فقال: «فهل يعطف الغني على الفقير؟ وهل يتجاوز المحسن عن المسيء؟ ويتواسون؟»، فقلت: لا، فقال: «ليس هؤلاء شيعة، الشيعة من يفعل هذا». وفي رواية أخرى عنه (عليه السلام): «أيجيء أحدكم إلى أخيه فيدخل يده في كيسه فيأخذ حاجته فلا يدفعه؟»(3).

وإنَّ أنصار المهدي وأعوانه وشيعته هم هؤلاء المجتمع الأخوي القائم على عنصر المحبّة وعنصر التكافل الاجتماعي فلن نكون من أنصاره حتَّى نحوّل أنفسنا من غسيل الاختلافات والتراكمات إلى أنفس متحابّة متقاربة متآخية، قال تعالى: ﴿إِنَّ اللهَ لا يُغَيِّرُ ما بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ﴾ (الرعد: ١١)، وقال تعالى: ﴿لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ﴾ (آل عمران: ٩٢).

المظهر الثالث: الرحمة العامّة:

من المظاهر المحمّدية التي تجسَّدت في شخصية المهدي المنتظر (عليه السلام) هي الرحمة العامّة.

فقد كان النبيّ رحيماً بالمطيعين وبالعصاة، وهكذا المهدي كجدّه رسول الله حنانه ورحمته على العصاة لا تقلّ عن رحمته بالمؤمنين وبالمطيعين، فإنَّ المهدي فيض من الرحمة على العصاة وعلى المطيعين كما كان جدّه رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم), فعن أمير المؤمنين (عليه السلام)، قال: «ومحمّد(صلّى الله عليه وآله وسلّم) صبر في ذات الله (عزَّ وجلَّ) فأعذر قومه إذ كذب، وشرّد، وحصب بالحصا، وعلاه أبو لهب بسلا ناقة وشاة، فأوحى الله تبارك وتعالى إلى جابيل ملك الجبال، أن شقّ الجبال وانته إلى أمر محمّد، فأتاه فقال: إنّي أمرت لك بالطاعة فإن أمرت أن أطبق عليهم الجبال فأهلكتهم بها، قال (صلّى الله عليه وآله وسلّم): إنَّما بعثت رحمة، ربّ اهد قومي فإنَّهم لا يعلمون»(4).

كان رحيماً بالكافرين، كذلك المهدي أيضاً هو على خلق جدّه رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وقد ورد ذلك في كتب الفريقين، ففي (مسند أحمد) عن أبي سعيد الخدري، عن النبيّ محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «أبشّركم بالمهدي يبعث في أمّتي على اختلاف من الناس وزلازل فيملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً، يرضى عنه ساكن السماء وساكن الأرض، يقسّم المال صحاحاً»، فقال له رجل: ما صحاحاً؟ قال: «بالسوية بين الناس»، قال: «ويملأ قلوب أمّة محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) غنى ويسعهم عدله»(٤٣)، وقال (صلّى الله عليه وآله وسلّم) في رواية أخرى: «فتنعم أمّتي في زمانه نعيماً لم ينعموا مثله قطّ، البرّ منهم والفاجر»(٤٤)، فالمهدي بشارة والمهدي رحمة والمهدي خلق والمهدي حنان ورأفة على العصاة والمنحرفين فضلاً عن المطيعين والمؤمنين.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 (1) عن عبد الله بن عطاء المكّي، عن شيخ من الفقهاء - يعني أبا عبد الله (عليه السلام) -، قال: سألته عن سيرة المهدي كيف سيرته؟ فقال: «يصنع كما صنع رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، يهدم ما كان قبله كما هدم رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أمر الجاهلية، ويستأنف الإسلام جديداً». (الغيبة للنعماني: ٢٣٦/ باب ١٣/ ح ١٣).

وعن محمّد بن مسلم، قال: سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن القائم عجَّل الله فرجه إذا قام بأيّ سيرة يسير في الناس؟ فقال: «بسيرة ما سار به رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) حتَّى يظهر الإسلام»، قلت: وما كانت سيرة رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)؟ قال: «أبطل ما كان في الجاهلية واستقبل الناس بالعدل، وكذلك القائم (عليه السلام) إذا قام يبطل ما كان في الهدنة ممَّا كان في أيدي الناس ويستقبل بهم العدل». (تهذيب الأحكام ٦: ١٥٤/ باب سيرة الإمام (عليه السلام)/ ح ٢٧٠/١).

(2) تفسير القمي ١: ١٧٠.

(3) الكافي ٢: ١٧٣ و١٧٤/ باب حقّ المؤمن على أخيه/ ح ١١ و١٣.

(4) الاحتجاج ١: ٣١٥.

المصدر : الحقيقة المهدوية (دراسة وتحليل) مجموعة محاضرات تتناول أبعاداً جديدة في القضية المهدوية

السيد منير الخباز.

مواضيع قد تعجبك

Execution Time: 0.0490 Seconds